المواطنة مفهوم متعدد الأبعاد ومسار دينامي متجدد، يحتاج إلى ترسيخ مستمر لقيم الحرية، الاستقلالية، التعايش المدني، التسامح والاهتمام بالصالح العام، وهي تكرس المساواة بين جميع الأفراد داخل الدولة . والنظام الديمقراطي يتطلب وجود مجال عام لفتح نقاش حول القضايا العامة بين المواطنين، مما يسمح لهم بالتعبير عن آرائهم والمشاركة في التأثير على القرارات السياسية. لهذا فإن المواطنة هي أساس البناء الديمقراطي و تدبير الفضاء العام المشترك وخدمة الصالح العام للمجتمع. ولا يستقيم البناء الديمقراطي لأي دولة دون ترسيخ روح المواطنة في علاقات الأفراد بمؤسسات الدولة التي يعد الهدف الأساسي من وجودها هو خدمة المواطنين وتوفير ما يحتاجون إليه في حياتهم الفردية والجماعية، من أمن واطمئنان واستقرار، والسهر على تنظيم شؤونهم العامة ، وفي المقابل يرتبط الأفراد بالولاء للوطن في مفهومه الواسع باعتباره تجسيدا للإرادة العامة للمواطنين. إن الفضاء العام باعتباره يؤطر العلاقة بين المجال الخاص و الفردي من جهة، والمجال العمومي والجماعي من جهة أخرى، يفرض ترتيب وتحديد العلاقة بين الحق والواجب، والحرية والالتزام، الأنا والآخر، الحريات الفردية والنظام العام. ولهذا فإن التشبع بقيم المواطنة على مستوى العمل والسلوك يتطلب إيقاظ الشعور بالواجب وتكريس فكرة المسؤولية لدى المواطن ونشر قيم المصلحة العامة والشعور بالتضامن والانتماء المشترك. فليس هناك حقوق بدون واجبات ، ومقابل تمتع الأفراد بحقوقهم عليهم أن يتحملوا مسؤولياتهم وواجباتهم اتجاه باقي الأفراد والمجتمع والدولة . ووحدها الشخصية المكونة على أساس الوعي بالحقوق والواجبات هي القادرة على بلورة قيم المواطنة الإيجابية والفاعلة في كل أنماط العلاقات الاجتماعية والسياسية والثقافية. هذا لا يعني أن المواطنة مجرد مجموعة من القوانين الضابطة لحقوق الفرد وواجباته ولعلاقة الفرد بالدولة. بل هي مسار يعبر عن الرغبة في تكريس الاجتماع المدني عبر حياة جماعية متناغمة ومتآلفة بين الأفراد الذين يجمعهم رابط إنساني قانوني وسياسي، والغاية هي تحقيق التقدم لبناء مجتمع ديمقراطي حداثي يحترم كرامة الأفراد وحرياتهم. والإشكاليات التي تطرحها المواطنة في ارتباطها بالحرية والمسؤولية جعلت سؤال المواطنة في صلب الحراك السياسي والاجتماعي الذي يعيشه العالم العربي في إطار ما يسمى بالربيع العربي ، فمع هاجس التغيير الديمقراطي اتسع تداول مصطلح المواطنة ليصبح أفقا وغاية للعديد من المشاريع الإصلاحية في البلدان العربية. هذا ما فتح الباب لنقاش حيوي جديد بخصوص قضايا متعددة تهم : العلاقة بين المواطن والدولة ، والمواطنة والدين ، المواطنة والانتماءات الإثنية والقبلية والجهوية ، المواطنة والمسؤولية،المواطنة والحق في الاختلاف واحترام الأقليات ، والحق في تدبير الشأن العام في إطار ديمقراطية تشاركية، حدود وعلاقة المجال العام بالمجال الخاص... ووعيا منه بالأهمية القصوى لثقافة المواطنة باعتبارها حجر الزاوية في عملية البناء الديمقراطي، قام المغرب بمجموعة من الإصلاحات الدستورية والسياسية والحقوقية التي تتوخى تكريس هوية مواطنية تكون مدخلا لممارسة الحقوق وأداء الواجبات والاضطلاع بدور إيجابي في الحياة العامة. و تنامي دينامية الإصلاح بالمغرب في الآونة الأخيرة فرض أسئلة وتحديات جديدة لإنجاح المشروع الديمقراطي الحداثي الذي من بين غاياته الأساسية إرساء مواطنة قائمة على الحكامة وسيادة المؤسسات وضمان الحريات الأساسية للمواطن. لكن يلاحظ أن هذه الدينامية التي يعيشها المغرب تعرف في بعض الأحيان انتشار سلوكات ومواقف وممارسات معادية ومتناقضة مع مقتضيات المصلحة العامة بمختلف مظاهرها كالتملص من الواجبات والمسؤوليات المترتبة عن التمتع بالحقوق والحريات وخصوصا منها حقوق المواطنة، ويكون ذلك أحيانا باسم حقوق الإنسان نفسها. فأين تقف الحرية لتبدأ المسؤولية وما هي الحدود بين المجال العام والخاص؟ وهل بدعوى ممارسة فئات معينة لحق من الحقوق يمكن السماح بانتهاك حقوق فئات أخرى؟. ويلاحظ غياب شبه تام لأخلاقيات الفضاء العام ( الاحترام ، التسامح ، الاعتراف المتبادل ، الإنصات ،التواصل، التضامن، حماية الملك العام ، الدفاع عن الصالح العام...) ، هذا ما يتجسد من خلال الانتشار الواسع لمظاهر الغش، الرشوة، الزبونية، استغلال النفوذ، سوء تدبير المال العام، تراجع أخلاقية العمل في الأنشطة المهنية ، تخريب الممتلكات والمرافق العمومية، عدم احترام قوانين السير... . وقد أخذ الأمر أبعادا جديدة مع احتلال الأماكن العمومية من طرف الخواص والسطو على الأرصفة واحتلالها ، تزايد أشكال العنف والإجرام وغياب الإحساس بالأمن لدى المواطنين، استشراء القيم المصلحية الضيقة وانتشار الاحتجاجات الاجتماعية التي تتخذ أحيانا أشكالا غير منسجمة مع روح المواطنة. إن تكريس ثقافة الواجبات مقابل الحقوق أصبح اليوم رهانا أساسيا لتحقيق التضامن والتماسك الاجتماعي ، وبناء مواطنة مسؤولة واعية برهانات العصر وحاجياته هو السبيل لترسيخ الاستقرار الاجتماعي وضمان حقوق وكرامة المواطنين. - المحاور الرئيسية للندوة : 1- الإطار المفاهيمي للمواطنة وتطورها : مقومات المواطنة، الديمقراطية والمواطنة ،حقوق المواطنة ، الديمقراطية التشاركية. 2- المواطنة وتدبير الفضاء العام المشترك : أخلاقيات الفضاء العام، المدينة والمواطنة ، سؤال الحريات الفردية والمواطنة. 3- سؤال المواطنة في ظل الحراك السياسي العربي : المواطنة والدولة المدنية، ، حركية المواطنة والحراك المدني والسياسي ، المواطنة والإصلاح الدستوري والسياسي والقانوني بالمغرب .