محمد الصبار الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الانسان أسئلتنا ليست مجرد انشغال براغماتي، بل دعوة لترصيد برامج نظمت اللجنة الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بوجدة فكيك بتعاون مع مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة ووكالة تنمية الأقاليم الشرقية ندوة وطنية حول موضوع: »سؤال المواطنة بين الحرية والمسؤولية« استغرقت مدتها يوما ونصف اليوم، من مساء يوم الجمعة 15 من شهر مارس 2013، ويوم السبت 16 منه، وانتظمت في ثلاث جلسات أساسية تقدمتها الجلسة الافتتاحية ووراءها خاتمة أريد تنظيمها في ورشة فكرية حول الحريات الفردية والمواطنة، وجلسة ختامية لعرض تقرير كل الجلسات، وتقديم خلاصات الورش الفكري، وتسميع كلمة الختام. في البدء كانت المواطنة وسيدوم طرح السؤال حول المواطنة، لأنه سؤال يكاد أن يكون وجوديا. لذلك يمكن القول، إن «سؤال المواطنة بين الحرية والمسؤولية»، أعيد طرحه في كلمة الختام التي ألقاها محمد لعمرتي رئيس اللجنة الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان لوجدة فكيك. فالندوة أثارت »بشكل قوي ملحاحية الموضوع وراهنيته وخصوبة وإشكاليته وتداخلها، والتي تستعصي على الأجوبة الجازمة والقطعية والنهائية، نظرا لتعدد الأبعاد والمحتويات، وغزارة الحمولة والدلالات التي كشفتها هذه الندوة في ما يتعلق بالمفهوم أولا وامتداده، وبالتداعيات الناجمة عنه ثانيا على المستوى السياسي والحقوقي والدستوري والفكري والمجتمعي والثقافي». إن ما أوضحته الندوة في تقدير محمد لعمرتي: »وجود اختلاف وتنوع في الرؤى والتصورات، وحتى في بعض المنطلقات حول موضوع المواطنة، وهذا في حد ذاته، وبطبيعته ميزة للحوار الديمقراطي الهادف والتداول الحر حول الأفكار والتصورات، وهذا ما تحرص عليه بطبيعة الحال اللجنة الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان لجهة وجدة فجيجٍ. وإن ذلك لمبرر لتنظيم هذه الندوة الوطنية«. وقد جاء في أرضية الندوة صعوبة تحديد المفهوم لأنه »متعدد الأبعاد» وأن مساره «دينامي متجدد، يحتاج إلى ترسيخ مستمر لقيم الحرية»، بما هي تستصحب الاستقلالية والتعايش المدني والتسامح والاهتمام بالصالح العام. والمواطنة، هي بمعنى آخر، «تكريس المساواة بين جميع الأفراد داخل الدولة». ومن جهة ثانية كان «الإطار المفاهيمي للمواطنة وتطورها» محورا رئيسيا في ندوة خصصت لها سبع مداخلات تناولته من جانب مقومات المواطنة، ومن بُعد الديموقراطية والمواطنة، وانصبت عليه في علاقته بحقوق الإنسان وارتباطه بالديموقراطية التشاركية. فلا فرق بين المقدمات والنتائج فالقياس صحيح، والمواطنة إشكال في البدء والختام. وأشار رئيس اللجنة الجهوية في كلمته الافتتاحية إلى أن الدستور ، كرس منظومة متكاملة من المبادئ والقيم والحريات والحقوق الأساسية، لمفهوم الديموقراطية المواطنة والتشاركية، وأن تصدير الوثيقة الدستورية أكد على فكرة التلازم بين الحقوق والواجبات والمواطنة، وأن بابه الثاني المخصص للحريات والحقوق الأساسية، ولاسيما الفصل 37 الذي نص على ممارسة جميع المواطنات والمواطنين للحقوق والحريات التي يكفلها الدستور بروح المسؤولية والمواطنة الملتزم التي يتلازم فيها ممارسة الحقوق بالنهوض بآداء الواجبات وقد توجت الندوة بورشة فكرية حول الحريات الفردية والمواطنة نشطتها أمينة بوعياش نائبة رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان وتتعلق «بأهمية شفافية المعنى» التي أضافها الأستاذ عبد الرحمان بوكيرو «فإذا كان الحراك الحقوقي يروم تحقيق الشفافية المالية« فإنه من المفيد المطالبة »بإعطاء أهمية لشفافية المعنى. إن الهدف من وجود مواثيق دولية وجود مرجعية للمعنى تمكننا من التعاقد بالاتفاق على معان. هناك دلالات محددة لا أقصد بها الحقيقة المطلقة، لأن العقل الإنساني ينتج معارف من أجل الاستفادة، ومن أجل تدبير الشأن العام. لذلك فالمطلوب منا كعقلانيين أن نناضل سلميا لإعطاء المعنى أهميتها في حوار مع الآخر. إنه من حقك أن تنظم التظاهرات لتندد بالكفر. لكن المطلوب منك أن تكون واضحا مع المواطنين. لأننا نحن أعيننا نخاطب عقول المواطنين والمرجعية هي عقل الإنسان الفرد. والتضليل مرتبط بعدم شفافية المعنى. والتضليل فساد». محمد الصبار الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الانسان أسئلتنا ليست مجرد انشغال براغماتي، بل دعوة لترصيد برامج «... أن المواطنة مظهر آخر من مظاهر الإعمال الفعلي لحقوق الإنسان بصفة عامة وللممارسة الديمقراطية بصفة خاصة، لاسيما من حيث تكريس المساواة بين جميع الأفراد في المجتمع وداخل الدولة. ذلك أن البناء الديمقراطي لأي دولة لا يستقيم دون ترسيخ روح المواطنة في علاقات الأفراد فيما بينهم وفي علاقاتهم بالمؤسسات. إن هذا اللقاء يأتي في إطار تفعيل إحدى مهام المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية في إثراء الفكر والنقاش والحوار عبر تنظيم منتديات وطنية أو إقليمية، ومن خلال النهوض بالحوار المجتمعي التعددي، حول مختلف القضايا والمواضيع ذات الصلة بحقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية. وقد وقع اختيار المنظمين على موضوع المواطنة وهي فرصة لتبادل الرأي والأفكار حول بلورة قيم المواطنة الإيجابية والفاعلة، في ضوء المعايير الدولية لحقوق الإنسان، كما وردت في مختلف الآليات الدولية، ومنها تلك التي انخرطت فيها بلادنا، وهي تعبير عن مسار، والغاية هي تحقيق التقدم لبناء مجتمع ديمقراطي يحترم كرامة الأفراد وحرياتهم. وبهذه المناسبة اسمحوا لي أن أذكر بأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد أكد على العمل من أجل تنمية روح المواطنة لدى الأفراد والجماعات وتعزيز روح المسؤولية اتجاه مجتمعهم، وأنه إذا كان لكل فرد الحق في التمتع بنظام جماعي دولي تتحقق بمقتضاه الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحققا تاما فإن على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي أتاح فيه لشخصيته أن تنمو نموا كاملا ( المادة 29 ). كما يحدد الدستور والقوانين الوطنية العلاقات بين المواطن والدولة وتشمل الحقوق والحريات والامتيازات التي يتمتع بها المواطن، وواجباته ومسؤولياته والتزاماته تجاه وطنه. إذا كانت المواطنة تهم جميع المواطنين على اختلاف أعمارهم فإن بعض الفئات يكون لالتزامها بالمواطنة الحقة أثر كبير على إعطاء القدوة والمثال بحكم المواقع التي تحتلها في تدبير الشأن العام، ولاتصالها بتقديم الخدمات في مجالات الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما أن لمساهمة الشباب نجاعة خاصة في ترسيخ قيم المواطنة والتشبع بها، بالنظر للثقل الديمغرافي والقيمي للشباب. فمن سمات المجتمع المغربي ارتفاع نسبة الشباب عدديا حيث أن 51 في المائة من سكان المغرب يقل سنهم عن 25 سنة، و10.4 مليون نسمة، أي 31 في المائة من مجموع السكان، تتراوح أعمارهم ما بين 10 و24 سنة مما يطرح تحديات عديدة في مجال المواطنة على السياسات العمومية والمؤسسات الوطنية والجمعيات ومختلف المتدخلين. وإن المجلس يستحضر موضوع المواطنة وقيمها وترسيخ ثقافتها وتوسيع ممارستها، من خلال برنامج عمله بصفة عامة ومن خلال المشروعين المهيكلين اللذين يشتغل عليهما، من ضمن مشاريع أخرى، ونعني بهما الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، والأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان، وهما المشروعان اللذان يخصصان مكانة هامة لموضوع المواطنة وللتربية على حقوق الإنسان ونشر ثقافتها، وهما أمران متلازمان، وهذا الموضوع سيحضى بطبيعة الحال بالتحليل وبالنقاش خلال مختلف أطوار أشغال هذه الندوة من زوايا مختلفة ومتكاملة. إنكم تعلمون دون شك أن كلا من وضعية أصحاب الحقوق و أصحاب الالتزامات تمثلان طرفي المعادلة المؤسسة للمقاربة المرتكزة على حقوق الإنسان. إن قانوننا الأساسي، يضع أسس مواطنة دستورية، حرة، إدماجية، غير تمييزية، ملتزمة ومسؤولة. إن هذا المعطى المعياري هو في آن واحد حامل للفرص ومعلن للتحديات: كيف يمكن الإجابة على انتظارات الاعتراف المعبر عنها من قبل المواطنات والمواطنين عبر الأشكال المختلفة للفعل الجماعي ، من أشكالها الأكثر اتفاقية إلى الأكثر تجديدا؟ كيف يمكن تجديد هيئات الوساطة؟ بوصفها شرطا ضروريا لإعادة تجديد الرابط السوسيوسياسي. و كيف يمكن النهوض بمختلف أشكال الممارسة النشيطة للمواطنة في مجالات جد حيوية لتقوية الرابط السياسي الوطني : كالضرائب و الالتزام المدني و المشاركة السياسية؟ وستلاحظون دون شك ، أن أسئلتي تمت صياغتها في اتجاه الممارسة و الفعل و الكيف. لا يتعلق الأمر باختزال تعقيد الأسئلة المرتبطة بالمواطنة إلى مجرد انشغال براغماتي، بل إن الأمر يتعلق بدعوة لترصيد برامج كالأرضية المواطنة للنهوض بحقوق الإنسان ، و الخطة الوطنية لحقوق الإنسان و كل أعمال المفوضية السامية لحقوق الإنسان حول دولة القانون و الديمقراطية. إنني أدعوكم أيضا إلى التفكير في إعمال الآليات الجديدة للديمقراطية التشاركية و شبه المباشرة المنصوص عليها في دستورنا. إن دور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها ونشر ثقافة حقوقية هو جزء لا يتجزأ من مواصلة ترسيخ وتطوير الانخراط في السياق الدولي المحفز على نشر ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة، طبقا للإطار المعياري الدولي وبرامح الأممالمتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة بالموضوع. وإن هذا اللقاء الهام فرصة لتبادل الآراء والأفكار والإطلاع على عدد من المقاربات لقضية المواطنة من زوايا تناول مختلفة، سيتم بكل تأكيد إغناؤها بالمناقشة وملاحظات واقتراحات مختلف المشاركين حتى نساهم جميعا في إغناء التراكم الذي يتحقق في الموضوع يوما عن يوم من آفاق مختلفة وبرؤى مكملة ونافعة، في هذا المجال. كما أنها فرصة أيضا للخروج بالتالي بتوصيات ومقترحات عملية من شأنها تمهيد السبيل أمام تكريس مواطنة فاعلة وقائمة على أسس سليمة وبمقاربة تشاركية...»