مما لاشك فيه، تثير فينا مناسبة 8 مارس الكثير من الخواطر والانطباعات، انطلاقا من معاينتنا للواقع المعيش ورصدا للتعامل السياسي والاجتماعي مع قضايا النساء. وإذا كانت هذه القضايا تستحق وقفة تأمل ومساءلة حقيقية وجادة للتوجه الحكومي والسياسة الحكومية، فإننا سنكتفي الآن ببعض الإشارات قد تكون رسائل تنبيه للمعنيين بالأمر ولكل من يركب على هذه القضية. نذكر بنضال المناضلات السياسيات والحقوقيات وبمسار هذه القضية ونرفض إقبار هذه النضالات أو إلباس ثوب النضال لمن لا يستحقه، فالأكيد سيظل التاريخ الإجتماعي للمغرب خاصة منذ بداية الثمانينات، مطبوعا بالدور المتميز الذي لعبه النضال النسائي، سواء على مستوى المطالبات الخاصة أو مطالب المساواة وتكافؤ الفرص، والانصاف أو على مستوى الانخراط النسائي في النضال السياسي والنقابي العام. وإن انتماءنا للعائلة الاشتراكية يجعلنا أكثر إمساكا لأدوات التحليل لقراءة دور المغربية، وانخراطها في الحراك المجتمعي. هذ الانتماء يعني إيماننا بالاختيار الاشتراكي المؤسس على الديموقراطية ذات المضمون الاجتماعي والإنساني، وهو ما لا يتحقق حتما إلا عن طريق التراكم الذي يحدثه الحراك والتطور المجتمعي. ومن المؤكد أنه وضمن هذا الإطار يمكن في نظرنا تحليل دور وانخراط المرأة المغربية من خلال عنصرين: - سيرورة المطالب النسائية في إطار التطور الاجتماعي. - انخراط المرأة المغربية في مطالب الإصلاح والتغيير السياسي - تطلعنا وثيقة التقرير النسائي الصادرة عن المؤتمر الاستثنائي لحزبنا في 1975 على هذين العنصرين باعتبارهما واجهتين متكاملتين للنضال النسائي ضمن هذا المنظور خاضت الحركة النسائية المغربية بطليعتها التقدمية والاشتراكية، نضالا على المسارين. وضعية التأخر التاريخي للمغرب كباقي البلدان العربية ودول العالم الثالث فرضت على عاتق الحركات النسائية التقدمية أن تخوض نضالا مريرا على قاعدة المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية والثقافية من أجل تفسير مدونة الأسرة. ولم يكن الأمر هينا فقد نزلت القوى المحافظة مناهضة لكل مطالبنا وكما قال الكاتب الاشتراكي »جورج طرابيشي. »إن تغيير مدونة الأسرة في بلد عربي وإسلامي هو إجراء أكثر ثورية. من قرار التأميم«. وفعلا سجلنا تحقيق مجموعة من المطالب المهمة لكن سجلنا حينها محدوديتها، وهو ما يتطلب ويستدعي الرفع من وتيرة النضال. واليوم، بما يحمله من معان رمزية مفعمة بالطابع الاحتفالي النضالي، هو مناسبة للتوقف لمساءلة الواقع. يحق لنا كنساء أن نستحضر مسيرتنا نحن النساء بتراكماتها وإخفاقاتها من أجل التأسيس لوثبات جديدة تروم تحقيق مزيد من المكتسبات في سبيل إقرار الحقوق الأساسية والإنسانية للمرأة المغربية، لا التراجع. اليوم نحن نساء الحركات التقدمية وباستحضار دلالة هذا اليوم ومرجعيته التاريخية على اعتبار أنه نتاج نضالات الحركة النسائية وليس قرارا من جهاز أو مؤسسة وهو مناسبة بالنسبة لنا وبالنسبة لكل الحركة الديمقراطية بوجه عام من أجل رصد المكتسبات والانجازات النضالية، ومحطة للتقييم، وصياغة البرامج وتسطير الأولويات. واعون أنه احتفال ليس ككل الاحتفالات بالمفهوم الطقوسي وإن كان هذا الجانب لا يعدم باعتبار ما يحمله من دلالة رمزية على تكريم المرأة. جعلنا منه في الاتحاد الاشتراكي هذه السنة تخليدا بعقد ندوة فكرية حول «الدستور وقضايا النساء» مستتبعة باحتفال فني ثقافي. احتفال مزدوج. واذا كان 8 مارس لهذه السنة مناسبة للاحتفال بربيع ما حققناه من مكتسبات بفضل نضالنا وكفاحاتنا نحن النساء، مدعومات بالشرفاء المقتنعين بالعدالة والانصاف، لأننا أيضا نتوجس خيفة من خريف الاجهاز على حقوقنا من طرف بعض التيارات المحافظة التي تجد مصلحة في استمرار إقصاء وتهميش المرأة والدوس على حقوقها.. احتفال مزدوج بين انتصار وتخوف من الانكسار، وهذا ما يستوجب منا أن يكون احتفالا واعيا مقيما لأوضاعنا. أوضاعنا نحن النساء لاتزال تشكو من كثير من الحيف وأوضاع الهشاشة والإقصاء. أولوية الأولويات التفعيل السليم والسريع * للدستور من أجل الإقرار الفعلي لمبدأ المساواة في كل المجالات. ولا تكفي التدابير التشريعية التي نطالب اليوم بالتسريع بها. بل لابد من تدابير ذات طابع سياسي وإداري وثقافي لجعل مبدأ المساواة مبدأ مرتبطا بكينونة المرأة كإنسانة طبقا للمواثيق الدولية. لابد أن نتوجه بالتركيز لدعم حركة النساء السلاليات، فثمة قضايا مختلف عليها كنقاش علمي موضوعي قضية الارث مثلا، وذلك في أفق بحث إمكانات إقرار المساواة ضمن اجتهاد فكري يقوم على قاعدة المصالح المرسلة ورفع الحيف، واستحضار الشروط الاقتصادية والاجتماعية لوضعية المرأة في المجتمع، وكفى من التذرع بالخصوصية. إن أفظع ما يمكن أن يقع كضرب للمساواة بين بني البشر هو التنكر لهذه المساواة بدعاوى مختلفة للإجهاز على حق المرأة للتمتع بحقوقها، وكأن هذه الحقوق ذكورية خاصة بكائن متفوق مختار اسمه الرجل. اعلانات حقوق الانسان تحدثت عن الإنسان وألغت بالتالي * كل الاعتبارات الاخرى وخاصة اعتبارات الجنس. ومن الأولويات أيضا لا بد من التوجه الى الميدان السياسي باعتباره مسلكا لمواقع القرار، والانخراط بقوة في حركة دعم التواجد السياسي للمرأة في أجهزة الأحزاب السياسية والنقابية والأجهزة المنتخبة والمؤسسات الحكومية الادارية. ونعتبر التطور الديموقراطي لا يمكن أن يكون معوقا. إقرار مبدأ المساواة سواء في القوانين الداخلية أو في الدستور يبين أن هذا المعيار ليس كافيا (ف 19) إذن لابد من الانتقال من المبدأ الى التدابير والالتزامات، سواء على مستوى التشريعي أو السياسات العمومية ، التعجيل بهيئة المناصفة إذن. ولابد كذلك من التذكير بأن الأممالمتحدة قد وضعت ضمن أولوياتها برامج متقدمة لمكافحة العنف ضد المرأة، وفي ذلك تعبير عن الدفاع عن كرامة المرأة باعتبار أن هذه الصفة هي جوهر حقوق الانسان بصفة عامة. ننتظر من الحكومة اتخاذ تدابير تشريعية وإدارية، ورصد الامكانات المادية وكل الاجراءات الموازية لحماية المرأة من كل أشكال العنف المادي والمعنوي، والتعبير عن إرادة الفعل وليس التسويق لخطابات دعوية مدغدغة للمشاعر، ولا كذلك الاعتماد على مصطلحات حاطة من كرامة النساء نخجل حتى من إعادة تشنيف لأسماع السيد رئيس الحكومة بها. فلينتق تعابيره وألفاظه والتي تقتضي قواعد الأخلاق والمسؤولية العمومية الاعتذار عنها. وليسرع في تفعيل كل المقتضيات الدستورية المتعلقة بحقوق النساء. أخيرا أقول من المؤسف حقا الوقوف على كل التراجعات والنكوص التي تشهده القضية، وألا يكون احتفال الاعلام العمومي أول أمس باليوم العالمي للمرأة بالصورة المهزلة التي كان عليها برنامج «مباشرة معكم»، والذي أبان عن توجه أحادي في المزيد من التنكر وتجاهل حقوق المرأة بتغطية أصولية ماضوية مكشوفة.