أعتقد أن من المفيد إدراج بعض الملاحظات التي سجلها المتتبعون والمتتبعات للشأن العام، والتي يمكن أن نسوقها بالشكل التالي: 1 تملص رئيس الحكومة المباشر، وبتصريح علني، من مسؤوليته تجاه تفعيل الدستور؛ وتسليمه الأمانة الدستورية إلى المؤسسة الملكية ؛كعربون ثقة ودليل ولاء يحكمه في اعتقادي وعي ما قبل الاصلاح الدستوري وترهنه خلفية ما بعد أزمة 16 ماي 2003. 2 تلويح رئيس الحكومة بأنه ليس رئيس الحكومة الذي يمكنه أن يواجه المؤسسة الملكية ؛ وأن على المغاربة أن يبحثوا عن غيره للقيام بهذه المهمة ؛ وهنا لا يمكن أن لا تُسْتثار ذاكرة الإصلاح في المغرب التي كُبِحت دائماَ بتهم المس بالنظام كوسيلة ناجعة لاعتقال المعارضين، وتوضيب ادعاءات المحاكمات ومصادرة الصحف أو إخراس الأصوات المخالفة. 3 محطة القانون 02/12 التي أخلف فيها رئيس الحكومة محطة ً إصلاحية دامغة ؛ في ما يتعلق بالتعيينات على مستوى أهم المؤسسات والمقاولات الاستراتيجية وفتح أبوابها الموصدة أمام الإرادة الشعبية والمراقبة الحقيقية، واستشراف آفاق أكثر تفاؤلا للتوزيع العادل للثروات والمجهود الاقتصادي الحقيقي للوطن . 4 نكوصية الحكومة في فتح ملف اقتصاد الريع ؛ والذي وظفته الحكومة من أجل نثر بعض الملح في صحن البرنامج الحكومي الفاتر بفعل تمطيطه لبرامج متعثرة للحكومات السابقة ؛ إذ لم تستطع الحكومة أن تقدم خطاباً منسجماً في ما يتعلق بالعلاقة بين خطوة النشر والمدخل الحقيقي لتحويل اقتصاد الريع إلى اقتصاد الاستثمار وخلق فرص الشغل؛؛ فعوض أن تستغل مرحلة الفوران الشعبي الراغب في الإصلاح من أجل خطوة أكثر جرأة، تتمثل في الكشف عن الشركات المستحوذة على ريع النقل والمقالع ووقف نزيف الاستغلالالمتوحش ؛ وخصوصاً هذه الأخيرة التي منحها الوزير المسؤول حيزا ً زمنياً مريحاً مكن أصحاب المقالع بصفتهم الشخصية من ترتيب تحولهم إلى شركات مجهولة الاسم غير قابلة للكشف . 5 انتكاس النفس البرلماني للمنظومة السياسية، والذي حاول الدستور أن يُكرسه بفعل عمليات استهداف عشوائية للعمل البرلماني من طرف رئيس الحكومة وبعض وجوهه الحكومية وعلى مستوى الأغلبية والمعارضة نفسها ؛ إذ تغلبت الانتصارات الصغيرة والعابرة على إرادة تثبيت بنيان استقلالية المؤسسة البرلمانية، تحقيق أدوارها؛ وتحصين مسافتها الدستورية من السلطة التنفيذية . 6 حالة الارتباك التي تستبد بالحكومة ورئيسها؛ كلما تعلق الأمر بممارسة رئيس الحكومة لصلاحياته الاقتراحية والتداولية المتعلقة بالتعيين في الوظائف السامية ؛ فلا يقوى الرجل على الاعتراف بواقع تخلفه عن ممارسة صلاحياته ولا يتواضع في خطاب تملك الإرادة والقرار. 7 توجيه تهم الفساد في اتجاه الأصوات المخالفة ؛ دون فتح الملفات واللجوء الى القضاء من أجل محاربة الفساد المفترض مع احترام قرينة البراءة ؛ إذ تكتفي الحكومة بإخراج لسانها للفساد دون تحريك المساطر المؤطرة للعملية . 8 تهييج الملاسنات غير المنتجة بين رئيس الحكومة وبعض وزرائه وقياديي وبرلمانيي حزب الأصالة والمعاصرة بشكل يستنفر عند المتتبعين ، الكثير من التساؤلات حول هذه القطبية المستحدثة التي تجر البساط من تحت الأحزاب الوطنية لصالح الفاعلين الجديدين : حزب العدالة والتنمية وغريمه حزب الأصالة والمعاصرة ، رغم أن المتناحرين انسجما بشكل عميق خلال مناقشة ما أطلقت عليه الصحافة قانون ما للملك وما لبنكيران ؛ وقررا سويا أن نموذج الإصلاح الذي يستحقه المغاربة يجب أن يُبقي محاسبة هذه المؤسسات بعيدة المنال ومعقدة الولوج. 9- القراءة البسيطة للديمقراطية في نموذج الأغلبية والأقلية، والتي تخلفت عن التحولات الكونية التي تدفع في اتجاه آليات تدبير الاختلاف وإقرار حقوق المعارضة والمجتمع المدني، وتخفيف ضغط الأغلبية العددية بواسطة التشاركية والتشاور. 10 تعليق تعثرات الحكومة وضعف مبادراتها على مشجب التشويش والاستهداف والمقاومة والدسائس، والعزف على وتر تضخيم المستجدات وتخوين الحركات الاحتجاجية والمطالب المهنية وتحركات النقابات والجمعيات ؛ بشكل يتصور معه المتتبع أن الحكومة لا يستقيم أن تعمل في ظل حركية طبيعية وصحية لمختلف مكونات المجتمع . 11 الاستخفاف بصدى القرارات اللاشعبية التي تعمق أزمات الطبقات الفقيرة والمتوسطة ؛ والتي تتأرجح بين خطاب التودد المتعلق بالدعم المباشر وعمليات زعزعة دعائم السلم الاجتماعي المرتبط بدعم الحاجيات الطاقية والمواد الأساسية؛ ألن يكون خيار استرجاع مليارات الدراهم من الشركات المستفيدة أكثر نفعاً لخزينة الدولة وأقل ضررا ً على الطبقات الهشة من زعزعة استقرار متأرجح على مستوى طبقات لا نعرف كيف نحدد عوزها وهول غموض أوضاعها.، وكيف نجرؤ على سحب الدعم عن المواد الأساسية التي لم ينف رئيس الحكومة وقوعه في المستقبل، ووعد المغاربة بإخبارهم قبل الزيادة في الأسعار . 12 مواقف شاردة عن سياق التحولات التي عرفتها الأوراش المصالحاتية مع المسألة النسائية والحركة الأمازيغية ؛ إذ تتسم مواقف الحكومة بكثير من الريبة والتحفظ في إعلان الانخراط التام في الاعتراف بالمكتسبات الحقوقية بالأساس ؛ وتوفير آليات تفعيلها ؛ إذ يتحدث المخطط التشريعي المفرج عنه مؤخراً عن مراجعة للقانون الجنائي لصالح مناهضة العنف عوض تقديم صريح لمشروع قانون مناهضة العنف كما يطلبه المجتمع المدني ؛ وينخرط وزير التعليم العالي في التشكيك في أهمية اللغة المعيار بالنسبة للغة الأمازيغية في ظل دسترة اللغة كمدخل مصالحاتي مع الهوية. 13 عدم وضوح الرؤية الحكومية المتعلقة بإصلاح الإعلام ؛ والذي يجمع الديمقراطيون على أن مدخله الرئيسي هو تكريس الاستقلالية ؛ عن الدولة وعن الحكومة ؛على الأقل تغطية الشأن المغربي ومواكبة أحداثه ومستجداته ووقفاته وأنشطته ؛ فهل لمس المغاربة تغييرا ً على هذا المستوى؛ وهل كل من ينادي باستقلالية الإعلام متواطئ على الحكامة المالية ومتستر على الفساد، ومستفيد من عدم خضوع الصفقات الإعلامية لنظام طلب العروض ؛ هل هذا هو مدخل إصلاح الإعلام ؟؟ 14 هل نتحدث عن سياسات تشغيل الشباب التي أقرتها الحكومات السابقة، والتي تتأرجح بين الفشل والمحدودية والتي تصر الحكومة الحالية على إبقائها، وعدم تقديم بدائل لها ؛ وهل نتعرض لحملات شد وجه السياسة الصحية التي تتمنع على الإصلاح، وتنخر الميزانية العمومية وتئن تحت وطأة ندرة الموارد البشرية واحتشام المبادرات الحكومية في هذا الشأن . 15- سياسة الترهيب والشطط في استعمال النفوذ ؛ حيث تقتطع الحكومة من أرزاق النقابيين في غياب قانون ينظم الإضراب والعمل النقابي ؛في واحدة من أسوأ محطات الحوار ؛أزكمت الصحف والرأي العام بين مشاهد الضرب والسب وفض الوقفات وتبادل النعوت واللكمات، وأنواع السباب تطورت إلى استعمال آلية العزل من المسؤولية والمقاطعة من طرف الحقوقي وزير العدل والحريات. 16 ترديد رئيس الحكومة للأزمة مُرّحَلَةٍ من سنوات الملكية المُطلقَةِ والمتعلقة بدور الملك في استمراره أو رحيله ؛ في نازلة استنفرت بعض الدستوريين وأظهرت المسافات التي تفصل الأستاذ بنكيران عن الإرادوية في تفعيل الدستور. هذا بعض مما قالته المعارضة الوطنية ؛ على قلة عددها؛ وتشعب وضعها وفي عز أزماتها التنظيمية والسياسية ؛ ومن قلب التزامها المبدئي بالدفاع عن تفعيل ديمقراطي للدستور يضمن حقوق المعارضة، ويدافع عن صلاحيات السلطة التنفيذية باعتبارها منفذ الارادة الشعبية وطريق الملكية البرلمانية وتكريس مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ؛ هذا قليل مما قاله صوت المعارضة الاتحادية تحت استبداد «كرونومترات «التمثيل النسبي والتراتبية العددية للمعارضات ؛ والتنافر المرجعي والتاريخي للتركيبة المعارضاتية ؛وتحت وطأة تحميلها كلفة مصالحة التناوب دون احتساب المكتسبات؛ وتضخيم تعثرات تدبيرها الحكومي دون الاعتراف بجرأة الأوراش المُهَيكِلة ؛وفي ظل نسيج معارضاتي يتحلل من تلقاء التاريخ والنضال والأيام العصيبة ومن تلقاء نفسه . أعتقد أن الإصلاح السياسي الذي يشكل الامتداد الطبيعي للإصلاح الدستوري لا يمكن أن يتم عبر حكومة لا تثق في معارضة وطنية، مؤمنة بالتناوب وبالتداول على السلطة ٍ؛ ولا تستطيع أن تستل من بين المواقف المعارضاتية أو حتى الأغلبية إرادة الإصلاح وعمق التقدير وموضوعية القراءة ؛ ولا تريد أن تعترف بغريم مُشّرِف يستطيع أن يعترف للحكومة بمالها كما يُمْكِنُه أن يثبت للعموم ما عليها؛ من المؤسف حقاً أن تصم الحكومة آذانها أمام أبواق الأزمة الحقيقية المتمثلة في الاحتقانات السياسية والاجتماعية ؛ وأن تُعَقِّد علاقتها بشريكها الديمقراطي الشرعي المتمثل في المعارضة المؤسساتية، وأن تستبيح الجسد السياسي لآفاق متجددة من التعثر والعقم والنيران الصديقة ؛ وأن تحقق لصالح غول التحكم المتربص الضربة القوية، ولعلها القاضية، في جسد المعارضة الوطنية في أيام السياسة المرة.