عاد النقاش الخاص بضرورة تنظيم قطاع الصحافة، مجددا وبقوة إلى واجهة المشهد السياسي في بريطانيا، وذلك بعد إعلان حزب المحافظين الذي يقود الحكومة الائتلافية، الثلاثاء الماضي، عن مقترح يقضي بإحداث هيئة لتنظيم القطاع يتم تأطيرها بواسطة ميثاق ملكي وليس عبر نص قانوني. ويتقاطع المقترح، الذي يأتي شهرين بعد صدور تقرير لجنة ليفيسون الخاص بفضيحة التنصت على الاتصالات الهاتفية، مع اقتراح سابق لرئيس الوزراء وزعيم المحافظين ديفيد كاميرون، والذي يعارض كل تنظيم قانوني للصحافة التي تعد القلب النابض للحياة السياسية والديمقراطية في المملكة المتحدة. وأشارت ماريا ميلر، الوزيرة المكلفة بالثقافة، إلى سعي الحكومة «لعدم إقرار قانون حول الصحافة»، مبرزة أنه سيتم تلبية مطالب أنصار التوجه الرامي إلى إقرار قانون صارم للقطاع، من خلال ميثاق ملكي اقترحه حزب المحافظين، بعد مشاورات طويلة مع مجموعة من الخبراء القانونيين انطلقت منذ نونبر الماضي. وبحسب المحللين فإن المقترح الحكومي، الذي يقوم على إقرار ميثاق ملكي أقل قوة قانونية من مبدأ التنظيم الرسمي لقطاع الصحافة وفق الضوابط القانونية، يحاول الابتعاد أكثر فأكثر عن توصيات لجنة القاضي ليفيسون. وكانت اللجنة، قد أوصت في تقريرها بإحداث هيئة، تتكون من أشخاص لا يمتهنون الصحافة ولا السياسة، وبعيدين عن كل صراعات المصالح، تنكب على وضع تدابير صارمة لتنظيم القطاع وخلق هيئة للتحكيم تكفل لضحايا انتهاكات الصحافة اللجوء للعدالة. كما اقترح القاضي ليفيسون دعم هذه الهيئة بتشريع قانوني يمكن من مراقبة طريقة اشتغالها ويفرض على الحكومة ضرورة حماية حرية الصحافة. وقد خلف المقترح الحكومي ردود فعل متباينة في أوساط الصحافة البريطانية. وقد سارت بعض الصحف اللندنية، ومن بينها «الاندبندنت»، على طريق دعم المقترح واعتباره محاولة جادة ومبادرة محمودة للتوصل إلى تسوية عادلة للخلاف بين من يطالبون بالتنظيم القانوني ومن يفضلون استمرار الوضع الراهن. وبالمقابل، اعتبرت صحف أخرى، مثل «الغارديان»، أن الأمر يتعلق بمقترح «خطير»، و»أسوء» من نص قانوني. وأشارت (الغارديان) إلى وجود حظوظ ضئيلة لإقرار المقترح الحكومي? مشددة على أنه أظهر أهمية التوصل إلى اتفاق سري بين الأطراف بخصوص تدخل سريع للبرلمان باعتباره ضامن استقلالية الصحافة. ومن جانبها، أظهرت المعارضة البريطانية، بقيادة حزب العمال، حذرا شديدا في التعامل مع المقترح الحكومي. ويبدو أن العمال، الذي كان قد شدد على ضرورة التفعيل الشامل لجميع توصيات لجنة القاضي ليفيسون، يسير في اتجاه إبداء بعض المرونة والتخفيف من حدة مقترحاته ومطالبه. وقالت هارييت هارمان، نائبة زعيم حزب العمال، في تصريح لتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، إن مشروع المحافظين يفتح الباب أمام التوصل إلى اتفاق بخصوص قضية تنظيم قطاع الصحافة. وأضافت السيدة هارمان «إننا منفتحون على كل مقترح يفتح الباب أمام تنزيل عملي لتوصيات القاضي ليفيسون، وحتى الآليات الأخرى غير المرتبطة بالتنظيم القانوني». أما الحزب الليبرالي الديمقراطي، الشريك الأصغر في الائتلاف الحكومي، فقد رفض جملة وتفصيلا مقترح حلفائه المحافظين، معربا عن اقتناعة بفشل خيار تبني ميثاق ملكي لتنظيم الصحافة. وقال جون ليش، الناطق باسم نائب رئيس الوزراء وزعيم الليبراليين الديمقراطيين نيك كليغ، إن مشروع رئيس الحكومة «يشكل بداية جيدة للنقاش، غير أننا مازلنا بعيدين تماما عن كل اتفاق». ولعل أشد الانتقادات، التي تم توجيهها للمقترح الحكومي، حدة، هي تلك التي صدرت عن جمعية ضحايا فضية التنصت الهاتفي. وشدد جيري ماككين، عضو الجمعية ووالد الفتاة البريطانية مادلين ماككين التي اختفت بالبرتغال قبل سبع سنوات، على أن «التفعيل الكامل لجميع توصيات لجنة ليفيسون، وحده الكفيل بإرضاء ضحايا انتهاكات الصحافة». واتهمت الجمعية في هذا السياق الحكومة بتقديم تنازلات لفائدة أرباب الصحف. والأكيد، أنه بغض النظر عن مآل النقاش الجاري حاليا، فإن هذه القضية، أظهرت حاجة بريطانيا، التي طالما تم اعتبارها معارضا شرسا لتنظيم حرية التعبير وفق ضوابط قانونية، إلى تدخل تشريعي من اجل ضمان حسن تطبيق أخلاقيات مهنة الصحافة التي تظل في قلب انشغالات المؤسسات والأفراد.