بعد حوالي تسعة أشهر من الانتظار والجلسات الممتدة، أسدلت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بمكناس ستارها، يوم الاثنين الماضي 11 فبراير 2013، على الملف (عدد 207/12) المتعلق ب "معتقلي أحداث أجلموس"، بالحبس عشرة أشهر حبسا نافذا، وغرامة مالية قدرها 500 درهم في حق كل واحد منهم، وعددهم 12 شخصا، ضمنهم امرأتان، اعتقل جميعهم في أحداث "الأحد الأسود"، إلا واحدا كان من بين المبحوث عنهم قبل اعتقاله. وقد أكدت مصادر "الاتحاد الاشتراكي" هذه الأحكام بعدما ذهبت بعض المواقع إلى ما يفيد أن المحكمة قضت بتمتيع المتابعين بالسراح المؤقت. وتعود أحداث أجلموس إلى يوم الأحد 16 ماي 2012، إذ عاشت البلدة انتفاضة عارمة انتهت بتدخل عنيف في حق المتظاهرين وعموم الساكنة من طرف القوات العمومية التي زادت فأقدمت على مداهمة البيوت والمقاهي بأساليب رهيبة، وتم اعتقال أزيد من 34 شخصا، بينهم نساء وقاصرون، تم الإفراج عن بعضهم مقابل الاحتفاظ ب 11 شخصا تمت إحالتهم على غرفة الجنايات، حيث تمت متابعتهم بتهم ثقيلة، هم وباقي المبحوث عنهم ممن ظلوا في حالة احتماء ببعض الجبال المحيطة بالمنطقة هربا من موجة الاعتقالات العشوائية، وقد اعتقل واحد منهم بعد مضي حوالي ستة أشهر على الأحداث، ليصبح عددهم 12 شخصا تم اتهامهم جميعا بالتجمهر غير المرخص، والإخلال بالنظام العام ووضع أحجار في طريق عمومية، العصيان والضرب والجرح العمد في حق القوات العمومية، وإلحاق خسائر بأملاك الدولة. شرارة الأحداث بأجلموس اندلعت من خلال اشتباكات عنيفة بين مئات المحتجين والقوات العمومية بعد إقدام المئات من المواطنين والشباب على الدخول في اعتصام سلمي بالشارع العام، وقطع الطريق في وجه حركة المرور، منأجل المطالبة بتحقيق عدد من المطالب الاجتماعية البسيطة والمشروعة، بينها النقطة التي أفاضت الكأس والمتمثلة أساسا في مظاهر المضاربات التي عرفها قطاع النقل على خلفية قرار التقليص من عدد رحلات حافلات النقل "الأوتوبيس"، هذه الحافلات التي كانت تؤمنها شركة معينة بالتدبير المفوض للنقل العمومي، بين أجلموس ومدينة خنيفرة (ذهابا وإيابا)، وجاء تقليص رحلاتها استجابة من السلطة لرغبة أرباب سيارات الأجرة وحافلات النقل المزدوج. ولم يمر اعتصام السكان يومها بسلام، إذ سرعان ما تم تطويقه بالقوة من طرف القوات العمومية التي حاولت عناصر منها تفريق الغاضبين، الأمر الذي أشعل فتيل المواجهة، وحمل السلطات الإقليمية على استدعاء تعزيزات أمنية من خارج الإقليم، هذه التي استنفرت رجالها وأجهزتها، وقد أدت المواجهات إلى عدة إصابات بين الطرفين أحصتها بعض المصادر في 18 شخصا، بينهم 5 من المدنيين، ولم يفت غالبية المراقبين تحميل السلطات كامل المسؤولية في ما جرى بسبب مقاربتها الأمنية، وتعاملها العنيف مع الوضع بدل فتح ما يمكن من الحوار مع المحتجين. وقد عاشت أجلموس قبل الأحداث على إيقاع سلسلة من المسيرات اليومية، احتجاجا على عدم وفاء الجهات المسؤولة بوعودها في ما يتعلق بإحداث مركز صحي جديد ومجهز، وبالحد من ظاهرة الاستغلال العشوائي لسيارات الجماعة في الأغراض الشخصية، فضلا عن حال دار الشباب وافتقارها للتجهيزات الأساسية، علاوة على وضعية ما يسمى بملعب كرة القدم وعدم توفره على أدنى شروط المجال الرياضي، ثم الجانب المتعلق بالوضعية المتردية والمحفرة التي تعاني منها شوارع وأزقة البلدة، وبالحالة المتدهورة لقنوات الصرف الصحي، ثم وضعية النظافة والأزبال المتراكمة عشوائيا بمختلف أرجاء البلدة، علاوة على مشكل الماء الصالح للشرب وضعف الإنارة العمومية، دون قفز المحتجين على التنديد بغياب المجالات الخضراء ومظاهر فساد التسيير الجماعي، وغيرها من المطالب. وسبق لتنسيقية الجمعيات المحلية بأجلموس، عقب الأحداث، أن شددت، في بيان تضامني لها مع المعتقلين، على مطالبة مختلف الجهات المسؤولة بإيفاد لجنة لتقصي الحقائق في هذه الأحداث، وبالإفراج عن جميع المعتقلين وإيقاف مسلسل المحاكمات ذات الصلة بالأحداث المذكورة، مع إلغاء مذكرات البحث المعممة في حق المبحوث عنهم، بينما دعت التنسيقية إلى العمل على جبر الضرر الذي لحق بالكثيرين من سكان أجلموس، ووضع برنامج استعجالي لاحتواء مظاهر التهميش والإقصاء الاجتماعي التي تعاني منها المنطقة، وتوفير العيش الكريم لساكنتها. ولم يفت التنسيقية آنذاك تحميل مسؤولية الأحداث للجهات المعنية التي تماطلت في تنفيذ مجموعة من الاتفاقات والوعود بخصوص بعض المطالب المستعجلة، على حد بيان التنسيقية التي عبرت عن امتعاضها حيال جعل المقاربة الأمنية تحل محل المقاربة التنموية، علما بأن العامل السابق على الاقليم كان قد وعد، في عدة لقاءات به، بالاستجابة لمطالب السكان الاجتماعية، وهو ما لم يتم تفعيله على أرض الواقع. ويذكر أن استئنافية مكناس عرفت، وقت نظرها في ملف المعتقلين، وقفة احتجاجية لأهالي وأقارب المعتقلين، وبعض الفاعلين الجمعويين والحقوقيين، حيث رفعوا مجموعة من الشعارات التي طالبوا من خلالها بالإفراج عن المعتقلين، وجددوا تنديدهم بما تعانيه منطقتهم من تهميش وفساد، ليستمر السؤال حول ما إذا سيتم "الإفراج" عن انتظارات المنطقة بعد "الافراج" عن المعتقلين؟.