الوزير الأول التونسي حمادي جبالي يريد تشكيل حكومة تقنوقراط من أجل مواجهة الأزمة، في هذا الحوار مع صحيفة »لوموند« الفرنسية، يؤكد جبالي تشبثه بقرار تشكيل هذه الحكومة لإخراج البلاد من الأزمة الخطيرة التي توجد فيها. ويضع مهلة لذلك ويضع نفسه في مواجهة مع عائلته السياسية, حزب النهضة, الذي يقود السلطة في تونس منذ أكتوبر 2011. يوم اغتيال المعارض شكري بلعيد، 6 فبراير، أعلنت تشكيل حكومة جديدة من الكفاءات، لماذا هذه السرعة؟ كنا قد اقترحنا قبل اغتيال شكري بلعيد، القيام بتعديل حكومي من أجل توسيع الحكومة على أساس توافقي. لا أرى كيف يمكن تنظيم الانتخابات المقبلة في هذا المناخ المشحون. لم يكن بالإمكان بقاء الحكومة مشلولة وجامدة. لكن المناقشات بين الترويكا (التحالف الثلاثي الحاكم) وأحزاب أخرى طالت أكثر من اللازم. صدقوني وجدت مقاومات من كل الأحزاب بدون استثناء. ولذلك حددت مهلة، يومين قبل عملية الاغتيال، إذا لم نتوصل إلى اتفاق, كنت أنوي دعوة مجلس وزاري، وألتقي مع الرئيس منصف المرزوقي، لأقول له بأنني استقيل يوم 8 فبراير، لكن وقعت عملية الاغتيال يوم 6 فبراير ودخلنا مرحلة أكثر خطورة, إنها معطى جديد، لم يكن أمامي خيار آخر سوى الإعلان عن تشكيل حكومة لا سياسية حتى تكون فعالة. كان لابد من القيام بذلك بسرعة, تونس لم تعد تحتمل الوضعية التي وصلنا إليها. حزبكم، النهضة، الذي تشغلون منصب أمينه العام، رفض اقتراحكم، هل صحيح أنكم لم تستشيروا قيادته؟ هذا صحيح. لم أستشره .الوضعية صعبة ومستعجلة, هناك خطر العنف. حول ماذا سأستشيره؟ أنا المسؤول عن الحكومة لا يمكنني ان انتظر. قبل مدة وجهت نداء واضحا لجميع الاحزاب ولجميع النواب، اطلب منهم بذل اقصى جهد ممكن لإنهاء صياغة الدستور. لماذا هذا التأخر؟ بصراحة، اترك للآخرين الجواب عن هذا السؤال يحدثوني عن لجان، نحن نشتغل كما لو كنا في وضعية عادية. ولكن من أجل مصلحة تونس هناك حالة استعجال. نحن بلد منظم، لدينا ادارة جيدة وبإمكاننا انهاء صياغة الدستور في غضون ثلاثة اشهر ونتفق على مدونة انتخابات. اعتقد، اكثرمن اي وقت مضى انه من الضروري تنظيم انتخابات في منتصف يوليوز، دور اول بالنسبة للانتخابات الرئاسية يوم 1 شتنبر مثلا، ودور ثاني يوم 15 شتنبر. الخلافات عميقة حتى داخل حزب النهضة. هل انتم أقلية؟ سنعرف ذلك قريبا، اترك اخواني يناقشون، انا لست فقط الأمين العام للنهضة, بل ايضا انا رئيس الحكومة واتحمل هذه المسؤولية، هناك حكم اخر هو حكم الشعب. المصلحة العليا لتونس هي الأهم وليس الحياة الحزبية. مرة اخرى لم يكن هناك خيار آخر سوى تشكيل حكومة انتقالية مستقلة عن الاحزاب لها اولويات. تنمية ال جهات، الشغل، مكافحة غلاء المعيشة وبالاخص تحسين الأمن. سأطلب وديا من جميع الوزراء الاستقالة, انه امتحان صعب ولكن الظروف تفرض ذلك. راشد الغنوشي (رئيس النهضة) حكم، وله رأيه ولكنني متأكد انه سيحترم القرار الديمقراطي للحزب, سبق ان حصل في السابق ان كنا انا والغنوشي اقلية. هناك خلافات ! هذه هي الممارسة الديمقراطية . في فرنسا كان دائما وسط الحزب الاشتراكي ثلاثة او اربعة تيارات. انا اتخذت قراري ولكنني لن اكون ابدا سببا في حدوث انشقاق، لن اخرج ابدا مع تيار من اجل تشكيل حزب جديد. سأظلا أمينا عاما لحزب النهضة ولا أنوي مغادرة مسؤوليتي، واذا حصل ذلك فسيكون لاسباب اخرى. عمري 62سنة وهناك لحظات يتعين على المرء أن يقول كفى! لا تنوون عرض هذه الحكومة الجديدة على تصويت الجمعية الوطنية التأسيسية؟ لا ليس ضروريا, لأن الأمر يتعلق بتعديل حكومي, بل وليس تعديلا عميقا. لدينا 8 او 9 مناصب تقنية. والمناصب المعنية بالتعديل كلها وزارات سيادية وسياسية. وجهت رسالة الى جميع زعماء الاحزاب وجميع الجمعيات والى الاتحاد العام للعمال التونسيين والى اتحاد أرباب العمل, اطلب منهم اقتراح ترشيح شخصيات تتوفر فيها أربعة شروط: ان يكون الوزراءالمقترحون لم يسبق له ان تحملوا مسؤوليات في النظام السابق, وان لا يكون لهم انتماء سياسي, والا يترشحوا للانتخابات المقبلة -حتى أنا لن أترشح - وأن تتوفر فيهم الكفاءة المطلوبة. المهلة تنتهي يوم الاثنين, بعدها سأقوم بالاختيار. بعد ذلك إذا لاحظت ان هذه الحكومة لاتستطيع الحصول على اغلبية في المجلس التأسيسي للقيام بمهامها سأقدم استقالتي مطالبتكم بتشكيل حكومةكفاءات, اعتراف ضمني بأن الحكومة التي تقودون حتى الآن فشلت؟ والمعارضة تتهمكم بأنكم تركتم مناخ العنف يتطور. لم نصل الى النتائج المرجوة, انه فشل بالنسبة للجميع: بالنسبةللترويكا في المقام الاول, ولكن ايضا بالنسبة لكل المشهد السياسي التونسي, اقترحنا منذ البداية تشكيل حكومة تضامن وطني,أتمنى ان يتحقق اليوم توافق. الامن ليس مشكل مجاملة او ترف, بل مشكل تقدير الوسائل وفي بعض الاحيان مشكل اصرار. ليس سهلا. تجربة بن علي والدكتاتورية فشلت والمقاربة الأمنية لم تعد تجدي. في تونس كما في مصر، تواجه سلطة الإسلاميين امتحانا، كيف تقيمون ذلك؟ ليس حكرا على الإسلاميين، السؤال هو كيف يمكن التوفيق بين الثورة والدولة وحقائقها؟ في أغلب الأحيان، يقع الفشل لأن الدولة تلتهم الثورة، رأينا ذلك مع كوبا والصين... لم تقع أبدا ثورات عربية من قبل, أمامنا دروس يتعين استخلاصها من ممارسة السلطة، هناك قيم الحرية والعدالة والنزاهة يتعين احترامها، علينا أن نقدم هذا النموذج الديمقراطي الأول للعرب وللمسلمين. أين وصل التحقيق في اغتيال شكري بلعيد؟ الذين ارتكبوا هذه الجريمة ليسوا هواة, وراءهم يقف جهاز بأكمله، له استراتيجية, الأمر يتعلق فعلا باغتيال سياسي يتجاوز شخص شكري بلعيد, هو ضحية، لكن الهدف ليس شخص شكري, بل تونس بأكملها، علينا توقع نتائج خطيرة جدا. بتصرف عن لوموند حمادي جبالي، ثعلب النهضة القديم يخوض حمادي جبالي, الوزير الأول التونسي, معركة حاسمة خاصة ضد عائلته السياسية، حزب النهضة، الذي يعتبر أحد وجوهه التاريخية البارزة. فالرجل الثاني داخل النهضة بإعلانه عشية اغتيال المعارض شكري بلعيد عن تشكيل حكومة كفاءات، أثار زوبعة قوية داخل حزبه، فرئيس الحزب راشد الغنوشي رد على الفور بأنه ضد الاقتراح. وكمحاولة للضغط على رئيس الحكومة، خرجت عدة أصوات من داخل الفريق النيابي للنهضة، تؤكد «أنه قرار اتخذ دون أدنى استشارة مع مؤسسات الحزب» ثم صدرت بعد ذلك، ردود فعل من داخل قيادة الحزب أكثر هدوءاً واعتدالا من رد فعل الغنوشي، مفادها «أن »رد فعل قيادة النهضة كان مشرعاً وأنه تمت العودة إلى المفاوضات داخلها...«، لكن لم يصدر أي قرار نهائي من القيادة. جزء من كوادر وقواعد النهضة يرفض تنحيته من سلطة اكتسبها عن طريق »شرعية الصناديق«، وهو التبرير الذي يتشبث به الاسلاميون. وهناك سبب آخر لتحفظهم يكمن في أنهم ظلوا لفترة طويلة مبعدين عن دواليب السلطة ولا يتوفرون على الكثير من التقنوقراط القريبين منهم. وداخل الحركة، هناك تيار آخر يرفض »الشكل، أما الجوهر فيبقى مطروحاً للنقاش«، ورفض الحكومة الجديدة المقترحة من طرف جبالي ينبني على معارضة تنصيب حكومة جديدة دون موافقة الجمعية التأسيسية. وبإعلانه أنه لا يحتاج لموافقة الجمعية التأسيسية، يحاول جبالي لعب ورقة ذكية. »ف»الدستور الصغير»« الذي ينظم السلطات خلال الفترة الانتقالية غير واضح. وقد أخذ الوزير الأول ضمانة حقوقي ورجل قانون مقرب من المعارضة بن عاشور, الرئيس السابق للهيئة العليا التي قادت البلاد حتى الانتخابات الأولى، ورهانه يتمثل في عدم حل الحكومة، بل القيام بتعديل تركيبة كل الوزارات تقريباً، لكنه رهان محفوف بالمخاطر. فبدون دعم القوة السياسية الأولى في البلاد قد لا تنجح المناورة.