شاء القدر أن تُسلّط الأضواء، بشكل متزامن، على «حدثين» متباعدين في المرامي، مُتنافرين في الغايات، «ظلالهما» المتباينة اللون غطّت سماء بلد واحد! المقصود هنا بلاد مالي ، التي استحالت أراضيها إلى مسرح لعمليات عسكرية ، تقودها فرنسا ، بتعلّة تخليصها من «تواجد إرهابي» استوطن شمالها ، منذ مدة ، وأعلن «نيته» التوسع في القادم من الشهور ، بهدف بسط هيمنة الإيديولوجية المتشددة بالمنطقة. في الوقت ذاته ، كان المنتخب الكروي لمالي «يجاهد» في «أراضي جنوب إفريقيا» إعلاءً لاسم هذا البلد وتدوينه بين «رواد» أول رياضية شعبية في إفريقيا. حدثٌ تقشعر الأبدان لسماع تفاصيل هول خسائره البشرية والمادية ، بُنيت آثاره على «هجمات» قادها ، وخطط لها ، الجزائري مسعود عبدالقادر المعروف اختصارا ب« مختار بلمختار» ، والمشهور أيضا ، ب«السيد مالبورو» لامتهانه تهريب المخدرات والسجائر وغيرها ! هجمات لم تخلف وراءها سوى الدم ، الدمار ، والدموع ... كيف لا وهي تُنفذ من أجل العودة بعقارب ساعة «التفكير الإنساني المعقلن» إلى درجات ما تحت الصفر ، مُشعلة النيران في منجزات قرون من الاجتهادات البشرية ( تامبوكتو المصنفة كتراث للإنسانية نموذجا)! في المقابل ، كانت «هجمات» أبطال الحدث الثاني ، المقام في ضيافة «نيلسون مانديلا» ، تحاول صُنع لحظات فرح وبهجة تجعل الأهل في باماكو ، وغيرها من المدن والقرى ، يسترجعون بصيصا من الأمل يساعدهم على الجَلَد في انتظار الخلاص. «هجمات» كان يخطط لها العميد سيدو كيتا (33 عاما) ابن شقيق أسطورة كرة القدم المالية سليف كيتا بتبليل القميص ونُكران ذات ، والذي قال في حقه مدرب المنتخب باتريس كارتيرون ( الفرنسي):« مردود كيتا على الملعب يعادل أناقته خارجه». وأجمع عدد من صحافيي بلده على وصفه ب«قلب الأسد» ، ذلك أنه « كان دائما وأبدا في خدمة بلده ... كيتا صادق عندما يتحدث عن مالي وشعبها ، وهو صادق في كلامه عن المنتخب ، وعن حبه للناس ، لأنه صريح ومتواضع. إنه بطل كبير ورجل طيب». هكذا يقف المرء أمام نموذجين ل«القائد» مع استحضار كل الاختلافات والتباينات اللازمة ، أحدهما خاض دورات تدريبية في معسكرات «أفغانستان» فعاد عاقدا العزم على «نشر» خِبرته المتراكمة في مجال«ترويع المُسالمين في بيوتهم» ، من كل الأعمار ، ذكوار كانوا أم إناثا، ووأدهم أحياء، متناسيا مضمون الآية الكريمة «وإذا الموؤودة سُئلت بأي ذنب قُتلت...»! والثاني تلقى تدريبات في «معسكرات كروية» مختلفة ، انطلاقا من فرنسا ، مرورا بإسبانيا ووصولا إلى الصين، ظل وفيا لأبناء جلدته في البلد الأصل ، لا يتردد في الدفاع عن ألوانه سواء ب«القَدم أو المال» ، الأمر الذي جعله ينال تقدير واحترام الملايين من كافة الأديان والقارات ، المتطلعين لأخبار الفرح والبهجة المُعلية لقيمة التعايش بين سائر الأجناس في أسمى تجلياته. تُرى من الأقرب إلى نبضات « القلب العالمي»، المؤشرة على الحياة : مختار بلمختار، النّاشر لدموع الأتراح أينما حل وارتحل ، أم سيدو كيتا ، «المجتهد» لزرع دموع الأفراح، والمُصرح ، بكل تواضع ،« نعلم أن الفوز ( في مباراة في كرة القدم) لن يغير شيئا في وضع بلادنا ، ولكن الشعب بحاجة لخبر سعيد ينسيه المأساة ويعيد الأمل ...»؟!