الدكتور مصطفى الزباخ من مواليد مدينة تطوان, حاصل على دبلوم الدولة للدكتوراه في الصيدلة من كلية الصيدلة بجامعة مومبواييه بفرنسا, و سبق ان عمل رئيسا للمختبر الاقليمي للتحليلات الطبية بالمستشفى الإقليمى بتطوان،حاليا يشغل رئيس نقابة الصيادلة بتطوان و سبق ان انتخب عدة مرات على رأس هاته الهيئة ،في هذا الحوار الذي أجرته معه جريدة الاتحاد الاشتراكي يكشف فيه مجموعة من الاختلالات المرتبطة بوضعية الصيدلي و الصيادلة بالمغرب, إضافة إلى التداعيات المترتبة عن غلاء تكلفة الدواء و مدى تأثيراتها على القدرة الشرائية للمواطن. { كيف تنظر إلى وضعية الصيدلي بالمغرب، و ماهي المشاكل التي يواجهها, أود أن أستهل كلامي بالتعبير عن شكري الجزيل لكم ومن خلالكم لجريدة الإتحاد الإشتراكي على استضافتي في هذا المنبر. سيكون كلامي مزيفا إذا زعمت أن وضعية الصيدلي المغربي على ما يرام،والحال أن وضعية الصيدلي والصيدلة بالمغرب أضحت في حالة حرجة، و إذا كان الصيدلي هوالمعاني الرئيسي،فإن المواطن يبقى المتضرر الأكبرمن هذه الوضعية نظرا لما يستفيد منه داخل فضاء الصيدلية من خدمات صحية ومساندة نفسية بل وحتى مادية. الصيدلية فضاء صحي واجتماعي بامتياز، يتم الولوج إليه من طرف عامة المواطنين، مجانا ودون موعد مسبق، والجدير بالذكر أن صيدليات المغرب تستقبل ما يعادل مجموع سكانه كل شهر، الشىء الذي يجعل منها قوة تواصلية خارقة. ففي الشق الصحي هناك ثلاثة محاور أساسية: 1- صرف الدواء تكتسي عملية صرف الدواء أهمية خاصة، لكونها تضمن حماية المواطن من كل ما من شأنه أن يشكل خطرا على صحته، جراء استعمال الدواء، الذي يبقى سما في أصله. وتتجلى أهمية هذه العملية في ما نصت عليه مدونة الدواء والصيدلة في هذا الباب - المواد 29، 34، 35... - و يتحمل الصيدلي مسؤوليات جسام، مدنية، تأديبية بل وجنائية في هذه العملية. 2- مراقبة وتتبع المريض في عملية التداوي. تتم الإجابة داخل فضاء الصيدلية على كل الأسئلة التي قد يطرحها المواطن حول مسار علاجه والمعيقات التي يحتمل أن تقوض عملية التداوي، أو اثار جانبية لدواء ما، إلى غير ذلك من التساؤلات . 3- الوقاية والتوعية الصحية. يقوم الصيدلي ومساعدوه بمجهودات كبيرة في مجال التوعية الصحية، سواء تعلق الأمر بالوقاية من الأمراض المزمنة، او محاربة التدخين، أوالأمراض المتنقلة جنسيا....الشىء الذي يجنب الكثير من المواطنين ويلات المرض، ويساهم كذلك في التخفيض من نفقات الصحة بالنسبة للدولة، لكن الذي يؤسف له هو أن التوعية الصحية تبقى مبادرة من الصيادلة لخدمة المواطن صحيا، بعيدا عن أي برنامج مسطر من طرف الوزارة الوصية، التي لم يسبق لها أن أشركت الصيدلي في حملاتها، علما أنه يتوفر على تكوين علمي مناسب ، وقوة تواصلية خارقة. أما في الشق الإجتماعي فلائحة مايقدم للمواطن من خدمات داخل فضاء الصيدلية طويلة، أذكر منها 1- إستقبال المرضى والإنصات إليهم والتخفيف عنهم في معاناتهم ولو تعلق الأمر بأمور لا تمت بصلة إلى الجانب الصحي ، الشىء الذي يجعل من الصيدلية ملاذ ا آمنا للمواطن لكي يفرغ ما بجعبته من مشاكل ويجد من يصغي إليه ويخفف عنه، ولن أكون مبالغا إذا قلت لك أننا مؤتمنين على كم هائل من الجزئيات الخاصة بالكثير من المواطنين الذين يلجؤون إلينا وإلى مساعدينا لطلب النصح والمشورة والمساعدة في الكثير من الأمور يمكن أن تهم المرض أو الزواج أو الطلاق أو تربية الأبناء ودراستهم ،واللائحة طويلة جدا. 2- صرف الدواء بالدفع المؤجل. هذه خدمة عظمى يقدمها الصيدلي للمواطن، وللإشارة فالكثير من المواطنين لا يؤدون ما بذمتهم للصيادلة ، الشيء الذي يؤدي إلى أعباء مادية إضافية للصيادلة ، والجدير بالذكر أن الصيدلي يكاد يكون الوحيد ضمن السلسلة العلاجية الذي يقدم هذا النوع من الدعم للمواطن، ومن الغريب أن لايتم الإعتراف له بما يسديه في هذا الباب. للأسف الشديد مقابل كل ما يقدم للمواطن من خدمات لا تتم الإلتفاتة للصيدلي للنظر إلى ما يعانيه في ممارسة مهنته،فهناك عدة مشاكل يتخبط فيها ومنها - النصوص القانونية غير المسايرة لتطور المهنة من جهة وللواقع المعيش في مجتمعنا. - عدم ربط الترخيص بفتح صيدلية بما يسمى بالرقم القافل أي ربط عدد الصيدليات بعدد السكان،طبقا لتوجيهات منظمة الصحة العالمية والهدف هوالمحافظة على التوازن الإقتصادي للصيدلية،لمساعدة الصيدلي على تقديم خدمات في المستوى المطلوب للمواطن. - المنافسة غير الشريفة التي يعاني منها الصيدلي من طرف الكثير من الجهات ومنها المصحات ،الجمعيات، ممارسو التهريب... وهنا يجب أن أشير إلى أمر في غاية الأهمية، لايجب أن نتخذ ثمن الدواء و القدرة الشرائية ذريعة لغض الطرف عن جريمة بيع الدواء في الأسواق والدكاكين وغيرها، وحينما أقول جريمة فأنا أزن كلامي ،لأن الأمر يتعلق بأدوية وليس بمسحوق للغسيل، فمن سيتحمل المسؤولية في حالة حدوث تسمم، فإذا سلمنا بضرورة التساهل مع الممارسة غير الشرعية للصيدلة متحججين بالقدرة الشرائية ، ما علينا إذن إلا أن نعوض المحامي بجمعيات أو بأشخاص يترافعون أمام المحاكم، ورسامين يقومون مقام المهندسين، ومعالجين بدل الأطباء، وآلات للتحاليل الطبية توضع في الدكاكين بدل اللجوء إلى الإحيائيين وهكذا. لكن السؤال الذي سيبقى مطروحا آنذاك هو أين الخبرة، أين المسؤولية،من المسؤول عن ماذا. { بالمقابل توجه العديد من الانتقادات للصيدلي في علاقته بالمواطنين ،كيف تفسر ذلك ؟ لكل شريحة مهنية إيجابيات وسلبيات،وبين المهنيين نجد الصالح والطالح، وفي السلوك يوجد القبيح والمليح ،و بالتالي النقد وارد في أي ميدان، بل ومحمود شريطة أن نتجنب فيه التعميم والهدم الممنهج،مع سبق الإصرار. فلا يمكننا أن ننطلق من حالة الطبيب المرتشي لنخلص إلى كون أطبائنا مرتشين ، ولا يجوز أن نلصق تهمة التحايل بمهنة المحاماة إذا قام بها قلة من منعدمي الضمير. أنا لا أرى حرجا في انتقاد الصيدلي ، فمن غير المعقول أن ننزهه عن الخطأ،لكن لا يمكن أن يحدث هذا في ما يتعلق بعلاقته مع المواطنين لأنها جد متينة ومبنية على الثقة ،وخير دليل على هذا هو ما أسلفت ذكره بخصوص الخدمات التي يستفيد منها المواطن داخل فضاء الصيدلية، الكثير منها لا يتعلق بالدواء. { واقع الممارسة المهنية للصيدلى بالمغرب لازالت تطرح العديد من الإشكاليات رغم صدور مدونة الدواء و الصيدلة سنة 2006 أين يكمن الخلل برأيك ؟ من الجانب القانوني الصرف أقول أن مدونة الدواء والصيدلة الصادرة سنة 2006 شكلت ثورة تشريعية مقارنة بالقانون السابق للمهنة الذي عمر لما يربو عن الأربعين سنة .لكن بالمقابل ومن منظور مهني ،يجب أن يعاد النظرفي بعض جوانبها أخذا بعين الإعتبار واقع المجتمع المغربي من جهة ورأي المهنيين من جهة أخرى. { كهيئة فاعلة في المنظومة الصحية بالمغرب, ألا ترون أن هاته المدونة بحاجة إلى تعديلات بالنظر لإفرازات الواقع و الممارسة. بطبيعة الحال ،فما الفائدة من منظومة قانونية متقنة مصاغة من طرف أجود الخبراء ،إذا لم يكن تطبيقها ممكنا على أرض الواقع. فإذا أخذنا على سبيل المثال مدونة السير،موادها مستمدة من القوانين الأوروبية، لكنها موجهة لبلد فيه رعاة الغنم والبقر على جوانب الطريق السيار،وسيارات للأجرة يمتطيها ستة أشخاص إضافة للسائق، وقس على هذا، ما الفائدة من شراء حذاء ب5000 درهم إذا كان غير مريح للرجل لأن مقاسه غير مناسب. الغاية إذن هي صياغة قانون ملائم يسمح للمواطن بالإستفادة من خدمات صحية في مستوى تطلعاته،ويتيح للصيدلي العمل في جو من الطمأنينة خدمة للصحة بمفهومها الشامل. وهناك مسألة أخرى في غاية الأهمية،هي تطبيق النصوص القانونية، فالكثير من المواد الموجودة في هذه المدونة، وخاصة ما تعلق منها بالممارسة غير الشرعية لمهنة الصيدلة من طرف من هب ودب، لا تجد طريقا إلى التطبيق ، مما يشكل حيفا بالنسبة للصيدلي الذي يواجه حملات تفتيشية منتظمة، وهذا أمر يزيد من قيمة الصيادلة، إلا أن مبدأ المساواة أمام القانون، يفرض تطبيقه على الجميع. { هناك قدرة شرائية متدنية للمواطن المغربي وكذا ضعف التغطية الصحية أضف إلى ذلك غلاء الأدوية, كيف تنظر إلى هاته الاختلالات وما هي أنجع السبل لتفادي هاته الوضعية ؟ لقد وردت في سؤالكم هذا ثلاثة أمور مهمة. قدرة شرائية متدنية، ضعف التغطية الصحية ،وغلاء الأدوية، وفي نظري،غلاء الدواء هو نتيجة حتمية لضعف القدرة الشرائية وتدني التغطية الصحية. الكلام عن غلاء الدواء بمعزل عن المكونات الأخرى لتكلفة العلاج يبقى مجانبا للصواب، لأن المريض يمر بعدة مراحل قبل أن يصل إلى الصيدلية، والجدير بالذكر أن جل هذه المراحل تبقى تكلفتها جد مرتفعة مقارنة مع الأدوية . كما أن مسألة غلاء الدواء تبقى نسبية حسب أنواعه، فأغلب الأمراض المزمنة تعالج بمبالغ أقل بكثير مما يصرفه المواطن في أشياء لا تكتسي أهمية الدواء كالهاتف والسجائر والشوكولاته والمطاعم والأسفار......أما الأدوية الباهظة الثمن والتي تخص أمراضا مثل السرطان أو الإلتهاب الكبدي، فلا يجوز محاسبة الصيدلي عنها لأنها غير متداولة في الصيدليات. والحقيقة أن غلاء الدواء هو نتيجة حتمية لضعف القدرة الشرائية، وتدني التغطية الصحية.فحتى لو كان ثمن الدواء هزيلا سيبقى بعيدا عن متناول ذوي الدخل المحدود. { تم إصدار قرار يقضي بخفض ثمن حوالي 300 دواء كخطوة أولى ، بنظرك هل هذه الخطوة كافية للسيطرة على الوضع, أم أن هناك خطوات أخرى سيما و انك عضو ضمن لجنة الحوار التي عوهد لها حل هذا الإشكال؟ كثر الكلام في الآونة الأخيرة عن هذا الموضوع، وأغتنم هذا اللقاء عبر صفحات جريدتكم لأدلي ببعض التوضيحات عساني أرفع بعض اللبس.لقد قام وزير الصحة بتكوين لجنة مشتركة ،تضم أطرا من الوزارة وممثلين عن القطاع الصيدلي بجميع أطيافه، اقتناعا منه بأن مسألة تخفيض ثمن الدواء وطريقة تحديده ليست بالأمر الهين وأن نجاحها مرهون بنجاح الحوار بين الوزارة الوصية والمهنيين، وهذا أمر إيجابي يحسب للسيد الوزير. وقد كان عمل اللجنة شاقا ،لكنه كان مجديا وأفضى إلى اتفاق يقضي إلى تخفيض ثمن مجموعة من الأدوية المكلفة في مرحلة أولى وعددها يفوق 300 دواء ،على أن يتم تخفيض عدد أهم في مرحلة ثانية بعد أن تكون اللجنة قد أنهت أشغالها. في اعتقادي،لا أظن أن التركيز على ثمن الدواء وحده سيمكن من حل معضلة التكلفة العلاجية للمواطنين خاصة منعدمي الدخل وذوي الدخل المحدود، لأن علاج المرض مرتبط بعدة مراحل جلها إن لم اقل كلها أكثر تكلفة من الدواء.كما أن خفض ثمن الأدوية المكلفة حقا كتلك التي تخص مرض السرطان والتي لاتصرف في الصيدليات ،لن يكون الحل الناجع ، فإذا كان الثمن 10000درهم وخفضناه ب70في المائة سيصبح ثمنه 3000درهم وسيبقى بعيدا عن متناول الفئات التي ذكرناها. فالأجدر والأنسب أن تنكب الدولة على دراسة مجموعة من التوجهات للوصول إلى نتائج ملموسة، ومن بين الإقتراحات هناك تشجيع الدواء الجنيس، تقوية التغطية الصحية،إعادة النظر في بعض الرسوم المفروضة على الدواء،تدعيم ثمن الدواء...... { .تخفيض ثمن الدواء هل تم الأخذ بعين الاعتبار مطالب الصيادلة و الصيدلية ؟ لايمكن الجواب عن هذا السؤال سواء بالإيجاب أوالسلب على اعتبار أن الحوار المفتوح مع الوزارة لا زال لم ينته. وأود أن أغتنم هذه الفرصة لأوضح بأن الصيدلي لم يكن ولن يكون أبدا ضد مبدأ خفض ثمن الدواء، كما أنه لن يكون حجرة عثرة في طريق كل ما من شأنه التخفيف من عبء المواطن وخير دليل على ما أقول هوالمبالغ الطائلة التي تبقى في ذمة المواطنين اتجاه الصيادلة ، فبعملية حسابية بسيطة يمكننا أن نلمس ذلك، فإذا كان المبلغ الذي يبقى معلقا لدى كل صيدلية عند متم كل سنة يناهز50000درهم وهذا الرقم يمكن أن يزيد أو ينقص من صيدلية لأخرى، وإذا ضربنا هذا العدد في عدد الصيدليات بالمغرب وهو13000 تقريبا تكون النتيجة هي 650000000درهم.وللإشارة فالكثير من الصيادلة يلجأون إلى الإقتراض للتغلب على مديونية المواطنين اتجاههم. إذا الصيدلي من أكبر المساندين للمواطن،والمحافظة على استقرار الصيدلية كفضاء صحي حيوي للمواطن هي ضرورة قصوى، وما يطالب به الصيادلة هو العمل على ايجاد طرق بديلة تسمح بتعويض الصيدلي عن ما يقوم به اتجاه المواطن،مع العمل على خفض ثمن الدواء، وهذا الأمر ممكن ، وقد قدمت الفيدرالية الوطنية لنقابات صيادلة المغرب ملفا مطلبيا متكاملا يسير في الإتجاه الذي أشرت إليه. وحتى أكون أكثر وضوحا ، أطرح السؤال التالي، هل يتقاضى الصيدلي أكثر مما يستحق, سأترك الحكم للقارىء بعد تقديم هذه التوضيحات. - يضع الصيدلي رهن إشارة المواطنين فضاء صحيا واجتماعيا، يدخلونه مجانا ودون موعد مسبق، ويقدم في هذا الفضاء الكثير من الخدمات، منها، صرف الدواء، مراقبة عملية التداوي،التوعية الصحية، صرف الدواء بالدفع المؤجل، استقبال المواطنين والترويح عنهم ولو تعلق الأمر بمشاكل خارج المجال الصحي. - يتحمل الصيدلي مسؤوليات قانونية ثقيلة. - يعد الصيادلة من أحسن المساهمين في الوعاء الضريبي، على خلاف العديد من القطاعات الأخرى . - يقوم الصيادلة بتكوين وتشغيل الآلاف من المواطنين، ولكم أن تتصوروا حجم التضحية إذا نظرتم إلى تكلفة الدراسة في المعاهد العليا. مقابل كل ما يقوم به الصيدلي وما يتحمله من مسؤوليات ، يتقاضى هامش من الربح قدره 30 في المائة من رقم المعاملات، وإذا تم خصم المصاريف الضرورية لتسيير الصيدلية , الأجور، الماء، الكهرباء ، الكراء، الضرائب........يكون الهامش الصافي في حدود 8 في المائة. وانطلاقا من معدل رقم معاملات الصيدليات-700000 درهم- يكون الدخل الصافي للصيدلي في حدود56000 درهم سنويا، أي4600 درهم شهريا، أما الصيادلة الذين لا يصلون إلى معدل رقم المعاملات ،وعددهم في تزايد مستمر، فيمكن اعتبارهم من الذين يعيشون على الهامش ويعانون في صمت. الأمر يتعدى الكلام عن هامش الربح, لأنه متاح في جميع أنواع التجارة ، أما الصيدلي ،فعلاوة على هذا الهامش ،يجب التفكير في طرق أخرى لتعويضه عما يقدمه للمواطن من خدمات،ولا يجب أن يخص هذا التعويض الجانب المادي فقط ، بل الإجتماعي والصحي كذلك ، فمن غير المنطقي ألا يتوفر الصيدلي على التقاعد والتغطية الصحية . أو ليس الصيدلي مواطنا كالأخرين.