اعتقلت عناصر الشرطة التابعة لأمن فاس، الأسبوع الماضي، سائق مقاتلة من نوع "رونو 12" بالحي الصناعي بنسودة في حالة تلبس محملة ب500 لتر من البنزين المهرب، حيث قررت النيابة العامة بابتدائية فاس متابعة الموقوف في حالة سراح. هذا، وتعد هذه المادة المهربة واحدة من أهم المواد التي تزايد استهلاكها مؤخرا بالأحياء الهامشية بفاس التي تعرف انتشارا قويا لمحلات سرية متخصصة في ترويج المحروقات المهربة بكل من بندباب، سهب الورد، مونفلوري.... وتفاقمت هذه الظاهرة وأصبح الباعة المتجولون يمتهنونها ويتاجرون في هذه المادة بمختلف محطات الوقوف وأمام مستشفيات المدينة، إذ لا تخضع تجارته لأية أسعار ثابتة بقدر ما تخضع لصبيب الكمية المهربة، حيث تنطلق سيارات تهريب "المقاتلات" من الحدود المغربية الجزائرية في اتجاه مدن الجهة الشرقية وباقي المدن المغربية، وتصل حمولة كل سيارة صغيرة إلى 1300 لتر من الوقود المهرب الذي يوضع في براميل بلاستيكية حمولتها لا تتجاوز 30 لتر بمعدل 40 برميل بالسيارة، فيما تصل حمولة السيارات المتوسطة من نوع "إكسبريس" إلى 2500 لتر بمعدل 90 برميل. ومعظم المهربين يستعملون "المقاتلات" لكونها تقاتل من أجل جلب السلع المهربة، فسائقها قد يقتل كل من حاول إيقافه في سبيل أن يلوذ بالفرار، وهذه السيارات إما لا تحمل أرقاما أو تحمل أرقاما مزورة حتى لا يهتدى لصاحبها، وتحمل محركات تجري بسرعة فائقة وتحمل كميات هائلة من المواد المهربة وتقطع مئات الكيلومترات في زمن قياسي، علما بأنها تحمل من السلع المهربة منتهية الصلاحية مما يساهم في رفع نسبة الربح لدى المتاجرين في المواد المهربة. ويتساءل العديد من المراقبين عن سبب عدم تدخل السلطات الأمنية وفرق المراقبة أمام هذه الظاهرة التي تتنامى بشكل لافت للأنظار و"مقاتلات" تخرج تباعا من المناطق التابعة لجهاز الدرك الملكي بل وغالبا من تحت أعينهم، الشيء الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول حماية هذه الحدود من قبل هذا الجهاز، لا سيما وأن هناك مواد مهربة فتاكة مثل السلع التي فقدت صلاحيتها أو مادة القرقوبي، التي تتسبب في الكثير من الجرائم بمختلف جهات المملكة و صارت سلاحا فتاكا ينخر أجساد وأرواح الشباب، بحيث يشكل التهريب إحدى القطاعات التي تضر بالإقتصادات الوطنية وتهدد الميزان التجاري، وهي تجارة غير نظامية ولا تخضع لأية مراقبة من لدن المصالح الموكل لها مراقبة عمليات البيع والشراء. مثل هذه التجاوزات وغيرها تكبد القطاع خسائر مالية ضخمة وتنعكس سلبا على اقتصاد البلاد وتشكل عائقا في نموه، ومهما قيل عن التهريب فلا يمكن معرفة حجمه وحقيقته إلا بمعاينة عن كتب ما يحصل بالمناطق الحدودية، تجعلك تكتشف هذه المدن وأسرارها، وتتعرف عن قرب على ظلمات التهريب وسراديب أبطاله ووسائله، من خلال رحلة بين شعاب تلك المناطق سواء الشرقية أو الشمالية وبين "أسواقهما"، التي تغص بمختلف السلع المهربة تباع بأثمنة أقل، ذات جودة ضعيفة مقارنة مع السلع المغربية، من بينها المحروقات المهربة، لأنه كما يقول المثل "عند رخصو تخلي نصو". وحسب دراسة أعدتها غرفة التجارة والصناعة والخدمات بوجدة سنة 2004 في موضوع ظاهرة التهريب بالمنطقة الشرقية، بالإضافة إلى آراء استقتها الجريدة من بعض المتضررين وبعض المتتبعين لحركة التهريب، الذين رفض الكشف عن أسمائهم، أكد الكل أن المغرب يفقد كميات كبيرة من العملة الصعبة بسبب الفوضى التي تعم هذا القطاع وغيره ممن تطاله أيدي المهربين، إذ لا يملك أصحاب هذا النوع من التجارة السرية محلات قارة لممارسة نشاطهم فهم يعملون إما بالمقاهي أو يجولون حولها وحول أبواب الأسواق. على بعد 11 كيلومترا من مدينة وجدة يوجد مركز المراقبة "زوج بغال"، إنه فارغ تماما إلا من رجال الأمن الذين يراقبون هناك ويعتبرون أن المكان حساس لا يجوز تصويره أو تعديه، وعلى طول الطريق المؤدية إلى هذا المكان تجد قارورات مختلفة الأحجام والأشكال وقد امتلأت بأنواع المشتقات النفطية والبنزين، طبعا الأثمنة بخسة، حيث يباع البنزين هناك ب 4 دراهم، ويشد نظرك منظر سيارة تابعة للدولة وقد وقف صاحبها يقتني البنزين المهرب مساعدا البائع على حمل القارورة التي ربما أتعبته، كما يستهويك منظر المهربين وهم يتوجهون تجاه الحدود المغربية الجزائرية، وهم يمتطون دراجات نارية ويحملون خلفهم براميل لجلب الوقود بكافة أنواعه، بعدما تتم الصفقة، يقول المتحدث، عند الحدود بين مهربين كبار من المغرب ونظرائهم من الجزائر مقابل رشوة لتمرير المواد المهربة قبل توزيعها بالتقسيط"، بحيث يقدر عدد العاملين في بيع الوقود المهرب بحوالي ستين بائعا بالتقسيط في مدينة وجدة وحدها، ناهيك عن المدن الأخرى القريبة منها.