أكيد أن ما نبهت إليه «الاتحاد الاشتراكي»، في أعدادها السابقة، أكدته «ساحة ابتدائية خنيفرة»، حيث اشتد حبل التوتر بين المحامين والقضاة. ولعل ذروة هذا الوضع ستعرف المزيد من التصعيد المفتوح على جميع الاحتمالات، ذلك من خلال قراءة سريعة لما عاشته المحكمة الابتدائية بخنيفرة، بعد زوال يوم الجمعة 18 يناير 2013 من إنزال وازن لقضاة المغرب، في زيارة تضامنية، من مدن الحسيمة، كلميمة، تاونات، فاس، مكناس، سيدي قاسم، القنيطرة، سلا، العرائش، أزيلال، تازة وغيرها ، التحق بهم عدد من موظفي المحكمة الابتدائية. ويأتي إنزال القضاة، غير المسبوق، إثر وقفة سبق للمحامين تنظيمها أمام مكتب قاضي التحقيق بابتدائية خنيفرة، تضامنا مع زميل لهم تم اعتقاله في «قضية اختلاس أموال عمومية وتسلم رشاوى والتورط في خيانة الأمانة»، بصفته رئيسا للجمعية الخيرية لكهف النسور بإقليم خنيفرة، حيث أطلق المحامون المحتجون وابلا من النعوت والاتهامات الخطيرة، والمصحوبة بعبارات «السب والوعيد والتهديد في حق القضاة»، حسب بيان لنادي القضاة، هذا النادي، ومن خلال مكتبه الجهوي بالدائرة الاستئنافية لمكناس، دعا إلى اجتماع طارئ تدارس من خلاله ما رفعه المحامون في وقفتهم بعد إصدار قاض للتحقيق قرارا يقضي بإيداع المحامي/ رئيس «الجمعية الخيرية لكهف النسور» بالسجن المحلي. القضاة المتضامنون تجمعوا ببهو المحكمة الابتدائية، بالقرب من مكتب قاضي التحقيق الذي أصدر حكمه على المحامي المذكور، ثم توجهوا نحو قاعة الجلسات حيث أعربوا، من خلال كلماتهم، عن تنديدهم الشديد ب»الهجمة التي شنها عليهم المحامون»، واستنكارهم لما وصفوه ب»المحاولات الرامية إلى المساس باستقلال القضاء، والتأثير على القرارات القانونية التي يصدرها القضاة»، بينما أعلنوا عن «استعدادهم لاتخاذ ما يتطلبه الموقف من إجراءات غايتها صيانة هيبة واستقلال القضاء. وبقاعة الجلسات رقم 2 التحق القضاة المحتجون في ما يشبه «محاكمة رمزية»، وذلك بحضور مسؤولين ومستشارين قضائيين ومسؤولين مركزيين وجهويين لنادي القضاة، حيث أكد رئيس النادي، ياسين مخلي، أن الزيارة التضامنية التي يقوم بها قضاة النادي تعد من بين الأهداف التي تأسس من أجلها «نادي قضاة المغرب»، وفي مقدمتها أساسا «توطيد أواصر التضامن والتآزر بين القضاة في سبيل حماية وصيانة كرامة القضاء واستقلال السلطة القضائية». وفي كلمة موجهة بشكل غير مباشر للمحامين، قال ياسين مخلي «إذا كان دور المحامين أساسيا في حماية حقوق الإنسان وتجسيد شروط المحاكمة العادلة، فإن هذا المسعى لن يسهل تحقيقه إلا من خلال الدفاع عن استقلال القضاة والسلطة القضائية».. رئيسة المكتب الجهوي لنادي القضاة بمكناس، حجيبة البخاري، وصفت، من جهتها، ما وقع بابتدائية خنيفرة ب»الخطير والخطير جدا»، بالنظر «لما انطوى عليه من مساس بشرف قضاة يشهد لهم الكل بالنزاهة والاستقامة والكفاءة، ومن محاولة للتأثير في صنع القرار القضائي بما يتعارض ومبادئ استقلال السلطة القضائية الضامنة للحقوق والحريات ومساواة جميع المواطنين أمام القانون»، مؤكدة أن معركة القضاة هي «معركة بناء سلطة قضائية مستقلة ومتسلحة بالقانون»، على حد قولها. إلى ذلك، قام المحامون بخنيفرة، في ذات المكان والزمان، بوقفة تضامنية مع زميلهم المحامي المتهم، وهم يرتدون بذلهم السوداء، حيث اعتبروا اعتقال هذا الأخير «تصفية حسابات بين القاضي والمحامي»، ووصفوا فعل الاعتقال ب «المتسرع» و»المشبوه»، حسب رأيهم، و «أن موقفهم ليس تضامنا مع زميلهم المحامي فحسب، بل يأتي أيضا كرد فعل على انعدام شروط المحاكمة العادلة»، حسب رأيهم. ولم يفتهم، ضمن ذات البيان، التأكيد على أن هيئة الدفاع عن المحامي عبدالهادي ارحيحيل «لم تطالب بأي امتياز للأستاذ خارج القانون، وأن طلباتها كانت في حدود القانون و مبادئ المحاكمة العادلة»، كما أن تعاملها مع السيد قاضي التحقيق كان وفقا لأعراف وتقاليد المهنة وما تربى عليه المحامون من قيم الاحترام «. المحامون المحتجون رأوا بالتالي «أن السيد قاضي التحقيق لم يكلف نفسه عناء الاطلاع على وثائق الإثبات التي قدمها المحامي عبد الهادي ارحيحيل، بل وضعها في ظرف وأقفل عليها درج مكتبه، ولم يرفقها بالملف عند توجيهه إلى محكمة الاستئناف»،. وعلى هامش التوتر الاستثنائي الذي اشتعل بين هيئتي الدفاع والقضاء، لم يفت مصدرا مسؤولا اتهام بعض المحامين ب»استقدامهم لشخص سبق أن تقدم بشكاية يتهم فيها النيابة العامة بابتدائية خنيفرة بالمساهمة في ابتزازه»، واعتبروا هذا الشخص «ورقة رابحة في مواجهة القضاة»، مؤكدا ذات المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن الشخص المعني بالأمر «لم يتم تقديمه إطلاقا أمام المحكمة، بل أن صهره هو من تم تقديمه». وصلة بالموضوع، لم يفت نادي القضاة المجتمعين بمكناس، ضمن ذات البيان، الإشادة ب»العلاقة المتميزة التي ظلت تجمع دائما بين شرفاء هيأة الدفاع والقضاة عموما، وبين المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بمكناس وهيأة الدفاع بالدائرة على وجه الخصوص»، مستنكرا وبشدة «ما صدر عن هؤلاء المحامين من أقوال تشكل جرائم يعاقب عليها القانون ومساسا خطيرا بشرف وكرامة القضاة، ومحاولة يائسة لترهيب هؤلاء والتأثير عليهم، وتدخلا سافرا في استقلالية السلطة القضائية»، على حد بيان نادي القضاة دائما. ويذكر أن من بين المعتقلين الخمسة في «ملف الجمعية الخيرية الإسلامية لكهف النسور»، يوجد شقيق المحامي رئيس الجمعية، وأمين المال الذي سبق له أن تقدم بشكاية لوكيل الملك، خلال أكتوبر الماضي، يطالب فيها بفتح تحقيق في بعض الخروقات المقترفة، حسب قوله، من طرف رئيس الجمعية/ المحامي. وعلمت «الاتحاد الاشتراكي»، في آخر خبر، أن عناصر من الشرطة انتقلت إلى منطقة كهف النسور، وقامت بمداهمة بيوت بعض المعتقلين في قضية الخيرية الإسلامية، و تفتيش كل ما بهذه البيوت من أثاث بحثا عن أغطية ولوازم تعود للخيرية.