بيتر تينتي تقدمت القوات البرية الفرنسية شمالاً يوم الأربعاء نحو بلدة ديابالي الصغيرة، واستعدت للاشتباك مع المتمردين الإسلاميين في حرب مازالت مدتها ونجاحها يشكلان علامة استفهام. غير أن ما بدأ كحرب جوية محدودة الأسبوع الماضي من أجل التصدي لتقدم المتمردين الطموح نحو الجنوب من معاقلهم في شمال مالي، قد يصبح هذا الأسبوع حرباً شاملة النطاق. الفرنسيون يسعون إلى استعادة «ديابالي» من المتمردين بعد أن سقطت هذه البلدة التي يبلغ عدد سكانها 35 ألف نسمة الأسبوع الماضي، ولم تفلح الضربات الجوية في وقف تقدم المتمردين. وفي هذا الإطار، قال رئيس أركان الجيش الفرنسي الأميرال «إدوارد جيو» على تلفزيون «أوروب 1» يوم الأربعاء: «إننا سنقوم بالقتال بشكل مباشر»، مضيفاً «ولكني لا أستطيع أن أقول إننا نسوق بذلك لساعة أو 72 ساعة». ويأتي الهجوم البري الفرنسي بعد ستة أيام على بدء تدخل القوات الفرنسية من خلال ضربات جوية في وقت بدا فيه أن المتمردين الإسلاميين استولوا على كونا، وهي بلدة صغيرة في وسط مالي قريبة من مدينتي سيفاري وموبتي اللتين تكتسيان أهمية استراتيجية. وعلى الرغم من تصريحات أولية للجيش المالي تقول إن الضربات الفرنسية طردت الإسلاميين من كونا، فإن وزير الدفاع الفرنسي «جون إيف لودريان» قال يوم الثلاثاء الماضي: إن كونا مازالت غير خاضعة لسيطرة الجيش المالي. ومازال تدخل فرنسا يتمتع بتأييد واسع من أغلبية الماليين، غير أن مشاعر التفاؤل التي ميزت الأيام الأولى من العملية بات تتخذ اليوم نبرة أكثر حذراً. وفي الأثناء، يتصارع المحللون الماليون والأجانب على حد سواء مع نطاق العمليات التي يُعتقد أنها ضرورية من أجل استعادة شمال مالي من المتمردين - حيث يتساءل العديد من المعلقين، كيف يمكن لفرنسا أن تقلل من تقدير قوة عدوها. وفي هذا السياق، يقول «رودي عطا الله»، الذي عمل في منصب مدير محاربة الإرهاب في أفريقيا في مكتب وزير الدفاع الأمريكي «انطلاقاً من تجربتي، أستطيع أن أقول إن الفرنسيين كانوا يقللون دائماً من شأن التهديد (في مالي)». عطا الله، الذي يتمتع بخبرة واسعة بالمنطقة، تساءل بشأن التقييمات العسكرية المتفائلة التي تقوم على اعتقاد أن ساحة المعركة هي الصحراء «المستوية والمفتوحة». وقال في هذا الصدد:«إننا نتحدث عن فضاء جغرافي كبير ومن المحزن رؤية أن بعض الأشخاص يعتقدون أنه لا توجد أماكن ليختبئ فيها هؤلاء الرجال»، مضيفاً «هذه حرب ضد حركة تمرد. والأمر لا يتطلب الكثير من الإسلاميين من أجل إحداث قدر كبير من الضرر. إنهم (الإسلاميون) مستعدون لذلك». وكان المتمردون قد انتقلوا قبل بضعة أيام إلى «ديابالي»، وهي قرية تبعد بنحو 215 ميلاً عن العاصمة باماكو، وذلك بعد أيام القصف المكثف في مواقع أخرى في الشمال، ومن ذلك مراكز سكانية كبيرة مثل «جاو»، و«دوينتزا»، و«لير». وشكلت سيطرة المتمردين على «ديابالي» مثالا آخر على عجز الجيش المالي عن الفوز في القتال وجددت المخاوف من أن القوة الجوية الفرنسية بالتعاون مع القوات البرية المالية، لن تكون كافية لدرء زحف الإسلاميين جنوباً. واليوم، فإن أكثر من 2500 جندي فرنسي الذي كانوا مرابطين في العاصمة «باماكو» الواقعة في الجنوب تمت تعبئتهم ونقلوا شمالا إلى مواقع مختلفة في وسط مالي. ومع قطع الجيشين المالي والفرنسي طرق الوصول إلى بعض المناطق، ووسط تقارير تتحدث عن تعطيل أو تدمير أعمدة الهاتف المتحرك، فإنه لا تأتي أي معلومات من مدينتي ديابالي أو جاو، ما يجعل الكثير من الماليين يتساءلون ما إن كان الإسلاميون هم الذين يسيطرون على الوضع. وفي هذا الإطار، يقول عمر كوليبالي، وهو من مواليد «ديابالي» ويعمل محاسباً في باماكو: «منذ الأمس، تعطلت الشبكة»، مضيفاً «لا أعرف أي شيء لأنه لا توجد معلومات». وكانت وكالة «أسوشييتد برس» أفادت يوم الأربعاء بأن «عدداً من اللاجئين غادروا «ديابالي» مشياً على الأقدام، وهي مدينة استولى عليها «الجهاديون» الذين مازالوا يسيطرون عليها رغم حملة قصف معاقبة من المقاتلات الفرنسية، وتقول إن اللاجئين وصلوا إلى مدينة نيونو الصغيرة، التي تقع على بعد نحو 40 ميلاً إلى الجنوب من «ديابالي»، مشيرة إلى شهادات بعض سكان «نيونو». وفي هذا الإطار، قال إبراهيم كومنوتوجو، وهو من سكان «ديابالي» ويرأس مشروعاً لزراعة الأرز يشغل 20 موظفاً وتموله الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، إن المتمردين أغلقوا الطرق ومنعوا السكان من المغادرة. وقد تمكن «كومنوتوجو» من التحدث مع موظفيه آخر مرة يوم الثلاثاء الماضي، ولم يحصل على أي خبر عنهم منذ ذلك الوقت بعد أن تم تعطيل شبكة الهاتف. وبالمثل، قال محمد توري، وهو من مواليد جاو ويعيش في باماكو: «لقد تحدثت مع عائلتي يوم الأحد الماضي، ولكنني لم أتمكن من القيام بذلك منذ ذلك الحين. إنني خائف لأنني لا أعرف ما يحدث، ومع القصف، لا يستطيع أحد أن يعرف ما يمكن أن يحدث». وعندما سئل ما إن كان مازال يؤيد تدخل فرنسا العسكري في مالي، لم يتردد توري وقال: «مئة في المئة... مئة في المئة». هذا، وتشير بعض التقارير إلى أن المتمردين الإسلاميين في المناطق الريفية يختلطون مع السكان المدنيين، وإن كانت المعلومات الاستخباراتية حول هذا الأمر متباينة حيث يقول بعض المحللين إن القرويين لا يتعاطفون أو غير سعداء بالمتمردين. خدمة « كريستيان ساينس مونيتور»