ثالثا: مضمون وحدود «استقلالية» المؤسسات الوطنية، ومبدأ خضوعها للمساءلة ترتبط المؤسسات الوطنية بجيل جديد من المؤسسات، التي تشكل فاعلا لا يستمد شرعيته من الخطاطة التقليدية للأنظمة التمثيلية، بقدر ما تعتبر نتيجة مباشرة لإقحام «نفس» تشاركي داخل الأنظمة السياسية الحديثة، و لذلك فالمؤسسات الوطنية تعني بالضرورة مساحة إضافية للمشاركة المواطنة، عن طريق إدماج المجتمع المدني والخبرات الجامعية والفئات ضعيفة التمثيلية داخل المؤسسات المنتخبة أو حتى «الفئات التي لا صوت لها»، وعبر خلق فضاءات أوسع للتداول والحوار العمومي ولاقتراح الأفكار المتعلقة بالسياسات العمومية، بشكل بعيد عن التقاطبات السياسية ؛اغلبية / معارضة، لذلك فالمؤسسات الوطنية هي تجسيد لأفكار :الادماج ،التداول، الاقتراح والمشاركة، خاصة عندما تعجز الوسائط التمثيلية والانتخابية عن استيعاب كل تلك المبادئ الذي توجد في قلب العملية الديمقراطية. تعرف إحدى الوثائق الصادرة عن مركز الاممالمتحدة لحقوق الانسان بجنيف، المؤسسة الوطنية الفعالة ؛بتلك المؤسسة التي تستطيع التصرف بشكل مستقل عن الحكومة والاحزاب السياسية وباقي الهيئات والكيانات الاخرى، وهذا الاستقلال هو ما يميزها بحد ذاته عن الآليات الحكومية. ومن ناحية أخرى فإن استقلال المؤسسة الوطنية لا يمكن أن يعني أبدا عدم وجود أي رباط بالدولة، وهذا ما يميزها من جهة أخرى عن المجتمع المدني. و لتدقيق مضمون هذا الاستقلال، تورد وثيقة «إنشاء وتقوية المؤسسات الوطنية» المذكورة، اربعة عناصر أساسية: -أولها، الاستقلال القانوني والتنفيذي، ولذلك فقانون إنشاء المؤسسة الوطنية حاسم في تأمين استقلالها، لا سيما استقلالها عن الحكومة، ومنحها شخصية قانونية منفصلة ومميزة ذات طبيعة تسمح لها بممارسة سلطتها في صنع القرارات بشكل مستقل، وأداء وظائفها بدون أي تدخل من أي فرع من الحكومة أو من أية هيئة عامة أو خاصة. أما الاستقلال التنفيذي، فيعني القدرة الذاتية على إدارة شؤونها اليومية على نحو مستقل عن أي فرد أو منظمة أو إدارة أو سلطة، ثم القدرة على وضع نظمها الداخلية وصياغة توصياتها وتقاريرها ،دون الخضوع لأي تأثير خارجي . إن أحد مكونات هذا الاستقلال القانوني يتعلق بالسلطة القانونية لإجبار الاخرين على التعاون، وعلى وجه الخصوص الوكالات الحكومية، وهو ما من شأنه أن يميز هذه المؤسسات عن المنظمات غير الحكومية. -ثانيها، الاستقلال المالي، حيث يفضل تحديد مصدر وطبيعة تمويل المؤسسة في قانونها التأسيسي، ويمكن أن تخول مسؤولية صياغة ميزانيتها السنوية الخاصة، قبل أن تحال على البرلمان مباشرة لمناقشتها. ثالثها، الاستقلال من خلال اجراءات التعيين والإقالة، إذ لا يمكن تصور استقلال أي مؤسسة إلا بقدر استقلال الافراد المكونين لها، كما أن منح الاستقلال القانوني أو التقني أو حتى المالي لأي مؤسسة لن يكون كافيا في غياب إجراءات تضمن لأعضائها، القدرة الفردية أو الجماعية لمواصلة عملهم بشكل مستقل. وهنا، فإن القانون التأسيسي مطالب بتدقيق شروط وطريقة التعيين، ومعاييره، ومدته وإمكانية تجديده وسلطات الإقالة. ولأن طريقة التعيين حاسمة بكفالة الاستقلال، يوصى بأن يعهد بهذه المهمة الى هيئة تمثيلية مثل البرلمان. رابعها، مرتبط بتشكيل العضوية، بناء على التعددية الاجتماعية والسياسية، كضمانة إضافية للاستقلال . ان مبدأ الاستقلال، عادة ما يقرن بمبدأ آخر ليس سوى المساءلة، فالمؤسسة الوطنية ليست غاية في حد ذاتها، لذلك ففاعليتها المؤسسية مرتبطة بوضع نظام للمساءلة على أساس أهداف محددة قابلة للقياس. إن المسؤولية القانونية والمالية أمام البرلمانات غالبا، تنبني على تقنية التقارير الإلزامية، وهو ما ينبغي تضمينه في قوانينها التأسيسية التي يجب أن تنص على: - تواتر هذه التقارير - إمكانية تقديم تقارير خاصة ،أو في مواضيع محددة -المسائل التي ينبغي تقديم تقارير بشأنها -إجراءات فحص التقارير إن عمل المؤسسات الوطنية خاضع بالضرورة كذلك للمسؤولية المواطنة أمام جمهورها، وهو ما يدعوها لإجراء تقييمات علنية لأنشطتها وتقديم تقارير عن نتائجها المنجزة بكامل الشفافية. رابعا: العلاقة بين البرلمانات والمؤسسات الوطنية داخل المرجعيات الدولية والتجارب المقارنة يقدم العمل الصادر عن الاتحاد البرلماني الدولي، الموسوم ب «البرلمان و الديمقراطية في القرن الحادي عشر: دليل للممارسة الجيدة»، العلاقة بين البرلمان والمؤسسات الوطنية المستقلة، العاملة في مجالات حقوق الانسان و مكافحة الفساد و حماية المال العام، ومجالس الحسابات، على اساس أنها امتداد للرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذي، ويقر بأن فعالية الرقابة التي تمارسها هذه الهيئات تتكرس كلما كانت خاضعة للمساءلة أمام البرلمان. وفي ما يتعلق بالحالة الابرز لهذه المؤسسات الوطنية، وهي تلك المرتبطة بحقوق الانسان، فقد سبق للجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 48 / 134، الخاص بالمبادئ المتعلقة بمركز المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان، أن أقرت بأن استقلالية هذه المؤسسات مشروطة بتوفرها على الهياكل الاساسية لسلامة سير أنشطتها وبصفة خاصة الاموال الكافية لذلك، والتي يكون الغرض منها تمكينها من تدبير موظفيها وأماكن عملها لتكون مستقلة عن الحكومة وغير خاضعة لرقابة مالية قد تمس باستقلاليتها، وفي نفس القرار تم ربط الاستقلالية بمنح المؤسسات الوطنية سلطات تسمح بإقامة علاقات تعاون فعال، مع كل من المجتمع المدني، التيارات الفكرية، الجامعات، والبرلمان والإدارات الحكومية، هذا التعاون الذي قد يأخذ صورة إشراك ممثلين عن كل هذه الجهات في عمل المؤسسات الوطنية، باستثناء يتعلق بممثلي الحكومة الذين لا يمكن إشراكهم في مداولاتها، إلا بصفة استشارية. من أجل تدقيق أكبر لطبيعة التعاون الفعال بين المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان و البرلمانات، سيصدر خلال شهر فبراير 2012 بمناسبة المؤتمر الدولي المنظم بصربيا تحت إشراف المفوضية العليا لدى الاممالمتحدة لحقوق الانسان و لجنة التنسيق الدولية لمؤسسات النهوض و حماية حقوق الانسان، إعلان «مبادئ بلغراد» حول العلاقة بين المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان و بين البرلمانات. خلال هذا الاعلان سيتم التركيز على العناصر التالية: «أولا: دور البرلمان في إحداث مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان وضمان أدائها لوظيفتها، واستقلاليتها ومسؤوليتها أمام البرلمان ا - القانون المؤسس - ينبغي على البرلمانات عند تداولها لمشروع قانون إحداث مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان إجراء مشاورات واسعة مع كل الفاعلين المعنيين. - ينبغي على البرلمانات وضع إطار قانوني للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان يضمن استقلاليتها ومسؤوليتها المباشرة أمام البرلمان، طبقا لمقتضيات المبادئ الناظمة للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان (مبادئ باريس)، وأخذا في الاعتبار الملاحظات العامة للجنة التنسيق الدولية للمؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان وكذا الممارسات الفضلى. - ينبغي أن يكون للبرلمانات الاختصاص الحصري لإصدار التشريعات المتعلقة بإحداث المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ولإجراء أية تعديلات على القانون المؤسس للمؤسسة. - ينبغي أن تقوم البرلمانات، أثناء التداول بشأن التعديلات المحتملة على القانون المؤسس للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وتبنيها، بالتدقيق في التعديلات المقترحة بهدف ضمان استقلالية هذه المؤسسة وفعاليتها، وبإجراء مشاورات مع أعضاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وفاعلين آخرين مثل منظمات المجتمع المدني. - ينبغي على البرلمانات تتبع تنفيذ مقتضيات القانون المؤسس. ب -الاستقلالية المالية - ينبغي على البرلمانات ضمان الاستقلالية المالية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وذلك بإدراج مقتضيات خاصة بذلك في القانون المؤسس. - ينبغي أن تقدم المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان إلى البرلمانات خطة إستراتيجية و/ أو برنامجا سنويا للأنشطة. وينبغي على البرلمانات أن تأخذ بالاعتبار الخطة الإستراتيجية و/ أو البرنامج السنوي للأنشطة المقدمة من طرف المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان أثناء مناقشة مقترحات الميزانية لضمان الاستقلالية المالية للمؤسسة. - ينبغي على البرلمانات دعوة أعضاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان لمناقشة الخطة الإستراتيجية و / أو برنامجها السنوي للأنشطة فيما يتعلق بالميزانية السنوية. - ينبغي على البرلمانات ضمان توفر المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان على الموارد الكافية لأداء المهام الموكلة إليها بموجب القانون المؤسس. ج - التعيين والإقالة - ينبغي على البرلمانات التنصيص صراحة في القانون المؤسس على مسطرة شفافة في اختيار أعضاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وتعيينهم وكذا إقالتهم إذا اقتضى الحال، وإشراك المجتمع المدني عند الاقتضاء. - ينبغي على البرلمانات ضمان انفتاح وشفافية عملية التعيين - ينبغي على البرلمانات ضمان استقلالية المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان من خلال التنصيص على الحصانة بخصوص الأعمال المتخذة في إطار المهام الموكولة بمقتضى القانون المؤسس. - ينبغي على البرلمانات التنصيص صراحة في القانون المؤسس على ضرورة ملء المقعد الشاغر في عضوية المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وذلك في غضون فترة زمنية معقولة. و ينبغي للعضو المنتهية ولايته أن يستمر في أداء مهامه حتى يتم تعيين خلفه. أما فيما يتعلق د-. التقارير - ينبغي أن تقدم المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان تقاريرها مباشرة إلى البرلمان. - ينبغي أن تقدم المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان إلى البرلمان تقريرا سنويا عن أنشطتها، مع ملخص تنفيذي لمحتواه، بالإضافة إلى تقرير حول وضعية حقوق الإنسان في البلاد وكذا حول أية قضية أخرى تتعلق بحقوق الإنسان. - ينبغي أن تتوصل البرلمانات بتقارير المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وتبث فيها وتتفاعل معها وأن تحرص على ضمان مناقشة أولويات المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وأن تتحين الفرص لمناقشة التقارير الأكثر أهمية للمؤسسات الوطنية على وجه الاستعجال. - ينبغي أن تضع البرلمانات إطار مبادئ لمناقشة أنشطة المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، مع ضمان احترام استقلالية هذه المؤسسات. - ينبغي أن تعقد البرلمانات مناقشات مفتوحة حول التوصيات الصادرة عن المؤسسات الوطني لحقوق الإنسان. - ينبغي أن تسعى البرلمانات إلى الحصول على معلومات من السلطات العمومية المختصة بخصوص مدى استجابة هذه للتوصيات الصادرة عن المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. ثانيا: أشكال التعاون بين البرلمانات والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان - ينبغي أن تتفق المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والبرلمانات على أساس للتعاون، بما في ذلك عن طريق إنشاء إطار رسمي لمناقشة قضايا حقوق الإنسان ذات الاهتمام المشترك. - ينبغي أن تحدد البرلمانات أو تحدث لجنة برلمانية مناسبة تكون مخاطبا أساسيا للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. - ينبغي على المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان تطوير علاقة عمل قوية مع اللجنة البرلمانية المتخصصة بما في ذلك من خلال مذكرة تفاهم، إذا اقتضى الحال. وينبغي كذلك على المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان واللجان البرلمانية تطوير علاقات رسمية كلما كان ذلك مناسبا لعملها. - ينبغي أن يجتمع أعضاء اللجنة البرلمانية المتخصصة والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بشكل منتظم ويحافظوا على حوار دائم، من أجل تعزيز تبادل المعلومات وتحديد مجالات التعاون الممكنة في مجال حماية حقوق الإنسان وتعزيزها. - ينبغي أن تضمن البرلمانات مشاركة المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وأن تطلب أراءها في المجالات المرتبطة بحقوق الإنسان وذلك خلال اجتماعات وأشغال اللجان البرلمانية المختلفة. - ينبغي أن تقدم المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان المشورة و/ أو توصيات إلى البرلمانات بشأن القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان، بما في ذلك التزامات الدولة في مجال حقوق الإنسان على المستوى الدولي. - يمكن للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان تقديم المعلومات والمشورة للبرلمانات للمساعدة في ممارسة مهامها المرتبطة بالرقابة والتدقيق.» اذا كانت المرجعيات الدولية تأكد على كون استقلالية ما يعرف بالمؤسسات الوطنية العاملة في ميادين حقوق الانسان ، ترتبط اساسا بعلاقتها مع السلطة التنفيدية، في مقابل تكريس مسؤوليتها أمام السلطة التشريعية، فان التجارب الدستورية المقارنة لاتكاد تخرج عن هذا الإطار، حيث التنصيص مثلا على استقلالية مؤسسة وطنية كالمدافع عن الحقوق، في الحالة الفرنسية، لا ينفي علاقته الوطيدة بالبرلمان، حيث لا تباشر هذه المؤسسة مهامها الا بعد جلسة برلمانية للاستماع . خامسا: الهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة داخل النظام الداخلي لمجلس النواب، و موقف المجلس الدستوري وجد مجلس النواب الذي افرزته انتخابات 25 نونبر 2011 نفسه امام الحاجة الماسة الى وضع قانون داخلي جديد، تطبيقا للفصل 69 من الدستور، و ذلك للإجابة على الاقل على تحديين أساسيين:الاول يتعلق بالملائمة الشكلية و «المعجمية»مع الدستور، وبتلك المتعلقة بالصلاحيات الجديدة التي منحها هذا الاخير للسلطة التشريعية، وخاصة لمجلس النواب. و الثاني يتعلق بمستوى اعمق يهم تجويد العمل البرلماني و ترشيده، خاصة فيما يتعلق بطبيعة التوازن المؤسساتي الجديد بين المجلسين. ولعل ضغط الزمن السياسي، والحاجة الى جاهزية مجلس النواب لتامين الانطلاقة الطبيعية للمؤسسة، و للتعامل مع متطلبات المرحلة السياسية التي تلت الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها، قد سرعا من وتيرة إنجاز النظام الداخلي لمجلس النواب، في صيغة إصلاح اولي، بما يفي بشروط التجاوب مع هاجس الملاءمة في حدوده الدنيا، مع الاتفاق على الإبقاء على ملف إصلاح النظام الداخلي مفتوحا للجواب على الإشكاليات العميقة للعمل البرلماني، و هذا ما تجلى مصادقة مجلس النواب بتاريخ 12يناير 2012، على النظام الداخلي الجديد لمجلس النواب، الذي كان موضوعا لقرار المجلس الدستوري رقم829 / 12 بتاريخ 4 فبراير 2012، و امام حجم الملاحظات المقدمة من هذا الاخير، لجأ مجلس النواب الى معالجة جزئية همت بالأساس الملاحظات التي ترتبط بتأمين السير العادي لهياكل المجلس، وهي المعالجة التي شكلت - من جديد - موضوعا لقرار المجلس الدستوري رقم 838 / 12 بتاريخ 16 فبراير 2012، مما سمح للمجلس في المباشرة العادية لعمله البرلماني، و في نفس الوقت متابعة ورش الاصلاح الهيكلي للنظام الداخلي، وذلك انطلاقا من اليوم الدراسي الذي عقده بتاريخ 21 مارس2012، تحت شعار«اي نظام داخلي لتحسين الأداء البرلماني و التنزيل الدستوري للدستور»، ومن تشكيل لجنة لإعداد مشروع جديد للنظام الداخلي. وبمناسبة الاصلاح الاولي للنظام الداخلي، كان مجلس النواب مطالبا بتدقيق العلاقة التي باتت تربط دستوريا ، بين مجلس النواب، و بين مؤسسات و هيئات الحكامة، وفي هذا الإطار قدمت للمجلس مجموعة من الاقتراحات من طرف مسؤولي بعض هذه المؤسسات؛ التي عقد رؤسائها (المجلس الوطني لحقوق الانسان،الوسيط،الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة،مجلس المنافسة) اجتماعا مع رئيس مجلس النواب حول هذا الموضوع بتاريخ 30 دجنبر2011، وكانت الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، قد وجهت مراسلة للرئيس المذكور، بتاريخ 28 دجنبر 2011، ضمنتها مقترحاتها المتعلقة بتعزيز الحكامة البرلمانية، فضلا عن مقترحات تهم علاقة المجلس بهيئات الحكامة الجيدة، تتعلق بمايلي: - «إدراج باب جديد بمشروع النظام الداخلي، يحدد علاقة مجلس النواب بالهيئات المذكورة. - تضمين هذا الباب لمقتضيات تسمح لمجلس النواب على الخصوص ب: * استشارة هذه الهيئات في المقترحات ذات الصلة بمجالات تدخلها بطلب من المجلس او بمبادرة منها. * استشارة هذه الهيئات بطلب من المجلس او بمبادرة منها في شان مشاريع المعاهدات و الاتفاقيات ذات الصلة، بمجالات تدخلها و المحالة على المجلس قصد الموافقة قبل المصادقة عليها من طرف الملك. * طلب إبداء الراي في مختلف القضايا التي لها علاقة بمجالات تدخل الهيئات المذكورة. *استدعاء رؤساء الهيئات المذكورة للمساهمة في أشغال بعض اللجان البرلمانية المخصصة لتدارس القضايا ذات الصلة. * تنظيم الجلسات المخصصة للاستماع الى التقارير السنوية المقدمة امام مجلس النواب من طرف هذه الهيئات، وفق برنامج يتم الاتفاق بشانه بين رئيس المجلس و رؤساء الهيئات المعنية.» الوالي السابق أعطى وعودا بإلغاء الفواتير وتخفيض التسعيرة دخلنا منطقة سيدي يوسف بن علي. بدت المداخل المجاورة راقية من الأسوار التي زادتها الأشجار الجانبية جمالا مع بداية توديع لأوراق الخريف المتشبثة بأشجار منتصبة في ممرات تفرض العناية بها . وهي عناية بدأت تختفي فور تخطينا للجزء الجميل في المدينة، نحو منحدر حيث يوجد شعب مقهور، يبدأ من باب احمر نحو تقاطع شارع المدارس وشارع المصلى. بحثنا عن كل الدلالات. كان مسجد المصلى شاهدا على الأحداث المروعة التي عاشتها ساكنة، همها البحث عن عيش كريم اختيرت كعنوان له غلاء فاتورة الماء والكهرباء. في الجانب الأيسر، كانت هناك مقهى بدون اسم كتب عليها» كل المشروبات ب سبعة دراهم» قلنا أي مشروبات بالإمكان شربها بعد أو قبل الدخول إلى مسجد المصلى، ثم تراجعنا عن السؤال عندما سنجد أحياء فقرائنا في الجزء المنسي بمدينة مراكش بدون أرقام أو بأرقام مكررة أو متباعدة وكأنك في منطقة يخاف سكانها من الإعلان عن أرقام بيوتهم تحسبا لأي طارئ،ثم قلنا أنحن في مراكش أو في بقايا منازل رحلت من القرى المهمشة المجاورة لترسو في المداخل المنسية من طرف مسؤولين اختاروا ?بالأمس- أن يلمعوا الواجهات مع قرب قدوم أي موكب جديد للمدينة التي قسموها إلى شرقية وغربية مثل الضفة والقطاع، لكن بخصوصية أن « الأوباش « يجب أن يبنى السور حولهم إلى أجل غير مسمى. درب العساس، هو منبع الأحداث، قال مرافقنا ، قلنا له وكل الدروب هنا في «قندهار/مراكش» ستكون الأحداث فيها عادية ، بل تحرق الأجساد وتلطم الخدود بالأظافر الحادة .وعادي جدا أن تسمع كل هذا الصياح، كما هو عادي جدا المطالبة بالحق في العيش الكريم، لكن ما ليس عاديا، هو أن يوظف أعداء الاستقرار في هذا الوطن معاناة شعبنا للحلم بتطبيق مخططاتهم المحزمة بوهم رياح ما يسمى الربيع العربي، ذلك الخريف الذي أسال دماء غزيرة، دون أي تغيير ملموس، برغبة في تطبيق «الفوضى الخلاقة» التي تغيب فيها الأخلاق بجميع المقاييس. لم تكن رائحة المكان عادية، هنا سيدي يوسف بن علي، الذي قال البعض أن «الأوباش» عاتوا فيها فسادا، وتطاولوا على القانون، وأصبح سيدهم وموجهم اسم معروف إنه المواطن «ح-ب»، الذي يحرك المنطقة، ويقول لا للأحزاب السياسية ولا لكل منظمات القرب، ونحن سنواجه الذي يعترضنا بهراواتنا وعصينا وسيوفنا التي قطعنا بها الطرقات ليلا على المواطنين في الجوار كما على السياح في غفلة من أمننا، ويضيف المواطن « الحاكم بأمر من دفعوه للقيام بالمهمة» ليسقط النظام الديكتاتوري ..وياجماهير ثوري ثوري، وكأن الثورة آتية من عداد سطر رقما أخرج الساكنة من بيوتها متهمة «راديما « بالفساد والسرقة، وهي الساكنة التي عانت منذ زمن مضى من القهر والبؤس والإقصاء الاجتماعي حتى أصبحت «أوباشا» في لغة من مارسوا عليها التهميش بالفعل والقوة. ووحده الشعب المسكين في سيدي يوسف بن علي يفكر في العداد و الفاتورة الثقيلة . رحل عنه المنتخبون بعدما سرقوا أصوات بعضهم والبعض الآخر أخذ حسابه وانصرف في ليلة انتخابوية بامتياز،كما وحدهم الغيورون على الوطن المهوسون باستقراره حجوا إلى المكان باحثين عن خيوط للحوار من أجل تجاوز الأزمة. وهؤلاء موجودون بالفعل في فعاليات من مختلف التوجهات السياسية والمدنية ومن رجال السلطة أنفسهم، من يحلمون بتطبيق العهد الجديد في جعل الأمن بوابة للتنمية لا للعنف والتعنيف، وأن يكون هذا الأمن شريكا استراتيجيا مع كل الفرقاء من أجل وطن في مستوى دستور 2011 . دخلنا سيدي يوسف بن علي. لم نجد ثوارا بالمفهوم الذي صدعت به مسامعنا القنوات الاحترافية في صناعة الثورات. وجدنا مواطنين عاديين،بسطاء، لهم مطالب مشروعة. لا يتحدثون سوى عن الرغيف والماء والكهرباء والصحة والتعليم. قال «مديوكي مصطفى» مصلح الدرجات القديمة: «أنا على باب الله مرة أحصل على مائة درهم ومرة لاشئ. وكراء محل شغلي ب خمسمئة درهم .ونحن خمس أسر بعداد واحد. وأدفع شهريا مئتي درهم . نريد ان تخفض تسعرة الكهرباء. والماء. أما الرغيف فنحن ندبر أمرنا» باش ما عطا الله» .سألناه :هل يصوت في الانتخابات قال نعم وكنت من لجنة مدافعة عن مرشح عندما نجح في الانتخابات تنكر لنا. وقال «الحاج عمر» أن ما وقع يعود إلى سنة ونصف خلت واجتمعنا مع المسؤولين المنتخبين والإداريين لكن دون نتيجة. وفي النهاية قررنا الاحتجاج لأن من المواطنين من بلغ رقم عداده ثلاثة آلاف درهم. ومنهم من وصل خمسة آلاف. وهناك من منزله مقفل لكن الفاتورة مرتفعة. وكلما اشتكى المواطن يقولون له «خلص واشكي».وقال «بنكروم المدني»، ومهنته بقال: أن سيدي يوسف بن علي أجج الوضع فيها فاتورة الكهرباء. ونفى كل الكلام الذي يشير بأصابع الاتهام إلى جهات تحرك هذا الملف. وقال إن التجاوب لم يكن مع السكان في ملفاتهم المطلبية، وأنهم وجدوا أنفسهم في محنة. لا منتخبين بجانبهم ولا إدارة.وكلما تحدثنا مع أحد يقول لنا: سنرى ولا شيء، حتى من يحاورنا لا نجده. سألنا السيد المدني ما العمل في حالة إذا لم تلب المطالب، قال: أنا واحد من الساكنة وما يقترحونه أنا معهم. وأضاف المدني أنا لا أحصل إلا على مبلغ سبعين درهما في اليوم ولا يكفيني أنا و أسرتي. أحرجت المدني بالسؤال عن المساعدات التي يمكن تلقيها من جمعيات الإحسان لكن وجدت في جوابه هروبا قائلا: « لا أنا ما كنسولش في هادوك ولا أعرفهم». وسألته لمن أعطى صوته، فقال « نحن لا نعطي الأصوات ولكن هناك أصحاب الشكارة يستميلون نساءنا الكثيرات في هذه المنطقة. وعندما نجحوا لم نعد نراهم لأنهم ليسوا أبناء سيدي يوسف بن علي. وقال «راشق أحمد» بائع الخبز أنا عايش وصافي. وعندي أسرة كبيرة نتعاون من أجل الزمن. أكبر أبنائي لا يتقاضى ثلاثين درهما .سألناه أن مراكش دائما كانت فقيرة فماذا وقع؟ قال راشق: راه تقهرنا، والزمن تغير. وقال «لحسن أبري خياط» أنا الواقف أمامكم ظلمني السيد ميشيل اليهودي الذي هو مدير الشركة التي قضيت بها نصف عمري ولم ينصفني القضاء أنا و350 عاملا مطرودا والصمت لف القضية، وأضاف أنه لا يصوت في الانتخابات لأنه يعي أن هؤلاء يبيعون ويشترون في الشعب. وقال «عبد الإله العقاد» إن الأمر فيه تجاوزات. لكن هناك تضررا للساكنة وعدم قيام أصحاب مراكز القرار بمسؤوليتهم. وكان عليهم ألا يتركوا الأمر يتطور. فسنة ونصف كانت كافية لإعطاء نتيجة في صالح المواطن. والأمر،عندما يصبح فيه احتقان ورد فعل، فإننا نصبح نجهل من أعطى الشرارة الأولى. ولم يحمل عبد الإله المسؤولية لا للساكنة ولا للسلطات. و سألناه أن هناك من يقول أن أطرافا خفية وراء الاحتجاج، فأجابنا :إذا بدأنا نرمي الاتهامات يمينا وشمالا، فإننا لن نخرج بنتيجة وما يهمنا كساكنة سيدي يوسف بن علي هو المشكل في حد ذاته. وأكد لنا محاورنا أن لا شيء ملموس في هذه الاتهامات، وأن الأخبار تفرقع في الهواء لإذكاء الفتنة واعتبر الأمر خطرا كبيرا،كما اعتبر أن قضية الكهرباء والماء لا تتعلق بسيدي يوسف بنعلي بل بالمغرب ككل، وأن الأمر يحتاج إلى تنازلات من الطرفين الوكالة والمواطن. قلنا للسيد عبد الإله أن في الدول الديمقراطية هناك من يكون وسيطا بين السلطات والمواطن، وهو المنتخب والمجتمع المدني. ففي حالة أرادت الدولة محاورة هذا المواطن فعبر من؟ أجابنا أن المسألة تتعلق بمؤسسات والمواطن فقد الثقة فيها. ويجب أن نشتغل اليوم على هذا الجانب من أجل استعادة هذه الثقة ليتوجه المواطن غدا إلى الوداديات والأحزاب والنقابات والفيدراليات.وطالب عبد الإله بإعادة الاعتبار إلى المؤسسات عبر وضع قوانين لها وعليها بوضوح في التصور، يجعل المواطن يبحث عن هذه المؤسسات لتمثله و تؤطره. وأعاب دخول من هب ودب إلى ممارسة العمل الميداني. وسألنا محاورنا هل السبب هو محاولة تفويت «راديما «أجاب أن الوكالة كانت ستفوت منذ سنتين ووقع التراجع عن ذلك لطبيعة «راديما «بمراكش والتي ليست هي طبيعة الوكالة بالدار البيضاء أو فاس أو الرباط ، إنها « مغارة علي بابا» أي أن الوكالة مكان للارتزاق. وإذا فوتت فإن المغارة ستقفل. وهناك جهات لا تريد أن يسد هذا الباب. ورافقنا إلى سيدي يوسف بن علي مناضلون من حزبنا وهم :الأساتذة مليح موسى ، و سعيد العطشان ، وعبد الغني غزلون، الذين سهلوا مهامنا بالفعل في لقاء ساكنة سيدي يوسف بن علي. واغتنمنا زيارتنا لمعرض الغرفة الصناعة التقليدية بمراكش، والتقينا الحرفيين والصناع التقليدين لمعرفة رأيهم في الأحداث الاخيرة. قال عبد الصادق بوزاهير أن ما حدث في سيدي يوسف بن علي ينطلق من إشكالية بنيوية ليست وليدة لأحداث هذه المنطقة المهمشة ، إنها إشكالية وليدة جميع الإدارات العمومية وهي موجودة في عدم الاهتمام الذي يسببه القائمون على الشأن الاداري.ولكي نعالج الأمور ينبغي أن يعتبر مدبر الشأن العام من أي موقع صغير أو كبير أنه مسؤول عن الدولة.فالمواطن لا يفرق بين موظف يقوم بعمله وأحيانا يربك عملا، تلبية لمزاجه الخاص، وبين توجيه الدولة في ممارسة الشأن العام ، كما يعتبر المواطن البسيط أن خطأ وقع، هو شأن الدولة فيقوم بمحاسبتها بطرقه الخاصة. وهنا يكمن المشكل المتعلق بوعي المواطن نفسه، ولهذا ينبغي على الدولة أن تنتبه إلى ذلك بالتركيز على أخلاقيات الإدارة وتقريبها من المواطن ، بالمراقبة والمتابعة المتواصلة للشأن الإداري.وقسم عبد الصادق بوزاهير- الذي رفض في البداية أن يعطينا التصريح ولكن إلحاحنا بأهمية إشراك الإعلام في تنوير الرأي العام بما حدث جعله يرضخ لطلبنا- إلى قسمين دولة أمير المؤمنين ومحيطه، حسب تعبيره، والدولة المنتخبة التي هي عبد الإله بنكيران وحكومته وجميع التابعين لرئاسة الحكومة إلى أصغر مسؤول في الحي ناهيك عن الدولة المنتخبة حسب محاورنا وهي الأحزاب والمنظمات، واعتبر مسؤوليتهم كبيرة في توعية المواطن وهم مساهمون في تراكم كل الإشكاليات التي يعيشها المغرب، وفسر موقفه كون هؤلاء الأحزاب والمنظمات يأخذون منحا ومسؤوليتهم الدستورية هي تأطير المواطنين الشيء الذي يعتبره عبد الصادق غائبا في المنظومتين الحزبية والمدنية، ويتساءل المواطن عبد الصادق عن غياب الأحزاب، وهذا راجع -حسب رأيه- إلى أنها فقدت قواعدها و علاقتها بالمواطن. وأعطى مثالا بالقول إن ما وقع في سيدي يوسف بن علي هو» من إهمال الصغير حتى يكبر وإهمال القليل حتى يكثر». واقفا عند الفتنة التي ينشرها قلة الوعي بين الناس دون استبعاد من يسيطر عليهم الهاجس الأمني بممارسة أسلوب» فرق تسد» التي اعتبرها أسلوب لتوليد « الفريقات» المؤدية الى الضجيج والفوضى. معتبرا أن الشراكة هي الحل بين الدولة و المجتمع. وحمل شهب الراس المسؤولية ل» راديما» من خلال تأخرها في معالجة هذا الملف. فعام كامل هو الزمن الفاصل عن المظاهرة السلمية الماضية والاحتجاج الحالي. وكشف بوقال اللثام عن الأوضاع المزرية لسكان سيدي يوسف بن علي الذين لا يصل معدل معيشتهم خمسين درهما يوميا،فكيف يعقل أن يؤدي هؤلاء مبلغ 500 درهم و اكثر شهريا، واعتبر بوقال وهو حرفي أن الأمر لا يتعلق بساكنة سيدي يوسف بن علي وحدها ولكن أيضا بكل الأحياء المهمشة في مراكش. لكن أن يخرج الشعب إلى الشارع بتلك الصورة التي دبر بها الاحتجاج فإن هناك يدا خفية تحرك المواطنين من أجل أمور موزعة بأهداف مختلفة بما في ذلك النهب والسرقة. ولعل تعميم الفوضى يسهل مأموريتهم، ولم يستبعد محاولة ضرب التجربة الحكومية الحالية وضرب رئيسها مباشرة مع إقراره بمسؤولية وزارتي الداخلية والتجهيز، وأن الأمر لا يتعلق بتدبير محلي. فالسلطات وعلى رأسها الوالي قام بمجهود ، مستنكرا استهداف الأمن من طرف حاملي السلاح الأبيض من بعض المواطنين مقرا بشرعية مواجهة الأمن لهؤلاء الخارجين عن القانون والمستغلين لاحتجاجات السكان المتضررين من ارتفاع فاتورة الماء والكهرباء. وقال بوقال لا نريد أن نصبح سوريا أو تونس أو مصر. وقال بن بلة عبد الصادق عامل مساعد إن غلاء الفاتورة مس معيشنا اليومي إلا أن مصائب قوم عند قوم فوائد لأن هناك من يستغل احتجاجاتنا لصالحه، وأضاف بن بلة أن هناك من اخترق المسيرة ليحول مسارها، والآن نسمع أشياء أكبر من حلمنا في الاستقرار الاجتماعي تدخل فيه حسابات أخرى بين أجهزة أمنية نفسها من جهة وبين جهات أخرى توظف الدين، وهؤلاء أكبر منا جميعا بل أكبر من كل البسطاء المتضررين في أوضاعهم الاجتماعية. واللذين استعملوا كأدوات لمنظومة أخرى، بما في ذلك تأجير أناس من مناطق مجاورة. وختم القول بأن الأمر مدبر. وقال طلاب عبد الجليل ومهنته خياط أن أحداث يوسف بن علي ليست وليدة اليوم و السلطات تعلم ذلك. والأسباب هي غلاء المعيشة .لقد أصبحت مراكش بلد الخمس نجوم، ولا مكان للفقراء فيها ، وهذه الأمور استغلتها حركة عشرين فبراير التي اخترقت المحتجين لتنفذ أجنداتها، وأضاف عبد الجليل أنه يقطن في الحي المجاور لسيدي يوسف بن علي وأن السياسة هجرت المكان والناس هناك منشغلون بالمعيش فقط. أما السياسة فهي آخر ما يفكرون فيه. وأكد عبد الجليل أن هناك يدا خفيه جسدها في الصراع السياسي مع قرب الانتخابات، دون استبعاد العامل الديني المتطرف الذي لف المكان والمنتعش في أحزمة الفقر في مراكش. أحداث مراكش من وجهة نظر المنتخبين ورؤساء المجالس والجهات والغرف وفعاليات حزبية قال نجيب أيت عبد المالك رئيس الغرفة الصناعية و النائب الأول لرئيس الجهة عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن أحداث سيدي يوسف بن علي هي أحداث يتحمل مسؤوليتها الجميع سواء تعلق الأمر بالسلطات المحلية أو بالحكومة أو بالأحزاب أو منظمات المجتمع المدني وينبغي توحيد الجهود في إطار شراكة تدبيرية واعية بحساسية هذا الملف و خطورته، وهو بالتالي يعطي إشارات كبيرة من أجل استدراك ما فات من الإهمال للملف الاجتماعي الذي يعني الكثير من بؤر التوتر الاجتماعي في وطننا والتي تعود مسؤولياتها لتدبير عام . وقراءتي لأحداث سيدي يوسف بن علي هي قراءة تتوجه إلى عمق تحريك ملف وكالة الماء والكهرباء وأعتبر الأيادي الخفية هي أياد مكشوفة وواضحة تسعى إلى تنفيذ أجنداتها باسم معاناة الشعب الشيء الذي نعتبره مقامرة كبرى بالوطن و باستقراره. وأضاف النائب الأول لرئيس الجهة ورئيس غرفة الصناعة التقليدية أن المتاجرة واللعب بورقة استقرار الوطن أمر غير مقبول ويجب التصدي لهما وذلك بخلق ثقافة القرب مع الساكنة كأحزاب ومنتخبين وكمجتمع مدني ونقابي، علما أن المجلس الإداري للوكالة الممثل من المنتخبين بجهة مراكش ويترأسه والي جهة مراكش تظل اختصاصاته محدودة. وعلى الحكومة أن تقوم بمهامها. فالجانب المحلي لم يتوفق في الإيفاء بوعوده التي وضعت السنة الماضية لأنه لا يملك الصلاحية الكاملة التي هي شأن تدبيري حكومي يحتاج إلى قوانين ومساطر. وعلى الرغم من حل بعض المشاكل في الجدولة وتسهيل الأداء،فإن خفض التسعيرة وإلغاء الفواتير السابقة يصعب حلها وتحتاج إلى تغيير منظومة كاملة تهم المغرب ككل و يبدو أن الحكومة فاشلة في ذلك. وقال أحمد التويزي رئيس جهة تانسيفت الحوزمراكش من موقعه في تدبير الشأن المحلي عندما سألناه عن الأحداث وبطء الحكومة في وضع قوانين الجهوية الموسعة من أجل مغرب تنموي فاعل يسير بنفس مغاير وبحجم دستور لم يفعل، أن المغرب خاض مشروع الجهوية الموسعة انطلاقا من وعيه بالتحديات ، بوضع جهوية موسعة هدفها تنمية الأقاليم مرتبطة بنخب سياسية داخل الجهات، ووضع دستور 2011 الجهوية كخيار استراتيجي بالنسبة للمغرب لكن هذا الطموح الكبير يصطدم بغياب القوانين التنظيمية المصاحبة، وأنا شخصيا أسمي هذه الجهة منذ 1997 جماعة قروية كبيرة،حيث تتداخل اختصاصات الجهة مع الجماعة المحلية كما مع اختصاصات المجلس الإقليمي، وأضاف رئيس الجهة أننا لا نتوفر على منظور جهوي كما هو الشأن في الدول المتقدمة التي خاضت التجربة الجهوية المتقدمة. واليوم، هناك تخبط حكومي سببه هذا الغياب للقوانين المصاحبة في شتى المجلات، وهناك جمود تشريعي لا يبشر بخير في تدبير المفهوم الدستوري للجهوية المتقدمة وفي تدبير الاستحقاقات المقبلة سواء في المجالس أو الغرف المهنية وكل ما له علاقة بالحكامة المحلية. و أكد أحمد التويزي أن هناك انتظارية كبيرة جدا بل وقاتلة،وأردف أننا كمسؤولين حزبيين من بوابة المعارضة ينبغي أن ندفع في اتجاه الوصول الى الجهوية المتقدمة التي تعطي للمنتخبين الجهويين سلطات فعلية ويصبحوا مسؤولين أمام الساكنة ويحاسبون من طرفهم لا من طرف الإدارات العمومية. و الجهوية تمشي على رجلين أولها إعطاء الجهة اختصاصات تحول من المركز الى الجهات بتفاوض و تدريج، لأن الجهوية لا يمكنها أن تمشي إلا بتواز مع سياسة اللا تمركز. الشيء الذي بإمكانه أن يفعل الجانب التنموي بإشراك النخب المحلية والمواطن في التسيير. من هذا المنطلق، تحدث رئيس الجهة عن مشكل سيدي يوسف بن علي، هذا الحي الذي قال عنه إنه أنشئ قبل الاستقلال ،وهو يضم جميع القبائل الموجودة في أحواز مراكش، وتطور هذا الحي من حي فقير لا يتوفر لا على ماء ولا على كهرباء لا على شوارع ، وقدمت مجهودات على سنوات طوال حتى بدا ينمو بشكل او بآخر، ففي سنة 1992 كان عمالة قائمة بذاتها وفيها مجلس بلدي لسيدي يوسف بن علي مما جعل المنطقة تتطور من الهشاشة المطلقة إلى شيء من التمدن ولكن فيه خصاص في البنية التحتية لا زالت إلى حد الآن. واليوم ماذا وقع؟ يجيب محاورنا أن هناك إشكاليات أسبابها الفقر، الذي جعل الماء والكهرباء بداية لأزمة تطرح ملفا اجتماعيا ثقيلا . وشرح محاورنا اشتراك العائلات في العداد الواحد ومشاكل تقنية أخرى سنعود لها بالتفصيل مع مدير « راديما». وقال الرئيس إن الجهة لم تدخل في مشاورات في هذا الموضوع سواء في المكتب الحالي أو السابق ، حيث لم يتم إشراك الجهة في الحوار مع الساكنة .وقال الرئيس إنه وصل إلى علمه أنه كان هناك اتفاق مع الوالي السابق وذلك بمحضر فيه ثمانين في المائة تتعلق بالاختصاصات المحلية أنجزت. والباقي هو التسعيرة غير الموحدة على المستوى الوطني، الشيء الذي يدخل في اختصاصات الحكومة. والمطلوب هو مرسوم حكومي لحل المشكل. ولم يغيب ضيفنا الاحتقان الاجتماعي كما لم يغيب أن الأحزاب اليوم غير قادرة على ممارسة القرب الفعلي وتأطير الساكنة لاعتبارات كثيرة لا مجال الآن لذكرها، ولكن لغياب هذا الحضور الحزبي الذي ينبغي أن يكون حتى لا يبقى المغاربة ضحايا تيارات متطرفة تستعمل الدين بشكل خاطئ.واتهم رئيس الجهة حزب العدالة والتنمية الحاكم اليوم كونه كان يدفع المواطنين في هذا الاتجاه باسم الدين. ولكن المواطن اليوم لا يؤمن اليوم بالأحزاب وهذا هو أكبر مشكل نواجهه، والسبب هي تلك الصورة السيئة التي أعطيت عن المنتخب .أهدافه سياسية والآن إذا قلت رئيس غرفة او مجلس أو ..يقول لك المواطن أوتوماتيكيا أن هذا المنتخب فاسد و الأمر وشم في الذاكرة من قبل منذ سنين مرت لكن الأحزاب والمنتخبين يجنون عواقبه. ولعل نسبة المشاركة في التصويت هي خير دليل على أزمة المشهد الحزبي في بلادنا. وان المغاربة في أغلبيتهم على هامش السياسة مما يجعل الوضع معقدا امام المنتخبين وأمام الأحزاب في القيام بدورها التأطيري، ومع ذلك يقول رئيس الجهة ينبغي أن نفتح الحوار مع الساكنة من طرف المنتخبين وعلى الحكومة والسلطات المحلية أن تعطي إشارات في اتجاه معالجة الأوضاع لكي لا ينفجر الوضع.مؤكدا على ضرورة الحوار واستبعاد العنف. من جهتها، قالت فاطمة الزهراء المنصوري عمدة المدينة أن قراءتنا كمجلس جماعي للأحداث التي وقعت في سيدي بن علي تتلخص في المشكل الاجتماعي ، فالمنطقة لها تاريخ خاص داخل المدينة وتعاني من المشاكل التي تراكمت منذ الستينات ، و تعاني من الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي وفي نفس الوقت تتوفر المنطقة على كثافة سكانية هامة بشباب تأهل وتكون، وله طموح و انتظارات وحاجيات لا تجد طريقها إلى الواقع . إضافة أن المشكل مع شركة توزيع الماء والكهرباء وهي شركة عمومية يمثل داخلها المجلس الجماعي بسبعة أعضاء ظهر السنة التي مضت مباشرة بعد الحملة الانتخابية.واضافت عمدة المدينة متسائلة هل أعطيت وعود إبان الحملة الانتخابية والتي جعلت الساكنة تحتج لأن الوعود لم يوف بها من طرف الحكومة مما ساهم في تأجيج الأزمة .وقالت العمدة أننا فتحنا حوارا مع المجتمع المدني ومع المنتخبين ومع السلطة المحلية وكان ذلك السنة الماضية وأضافت فاطمة الزهراء المنصوري أن الحلول وجدت وجميع الحلول المحلية نفذت وهي موثقة بوثيقة مارس التي عرضتها أمامنا،قائلة إن هذه الوثيقة نالت رضا الساكنة وتتوفر على مجموعة الحلول والتي استطاعت أن توقف الأزمة في تلك اللحظة. وقالت العمدة أننا كونا لجنة للمتابعة والتي اشتغلت خلال السنة بكاملها. لكن المشكل ظهر من جديد وتؤكد العمدة أن مطالب الساكنة مطالب شرعية لأن المنطقة تعاني الفقر المدقع، ومطالب اليوم ليست من اختصاص ما هو تدبيري محلي بل من اختصاص التدبير الحكومي، والحكومة جاءت بوعود كبيرة وعامة ومرت سنة وظهر أن عملها بطيء وليس في مستوى الانتظارات ولا في مستوى الحاجيات التي خلقتها الحكومة نفسها من خلال حملاتها الانتخابية التي جمعت فيها اناس ووعدتهم بحلول عميقة لأوضاعهم. واليوم نحن أمام واقع و لكن نعمل فيه بالاتصال المستمر وبالحوار مع السكان و لا نغلق الباب . ودعتنا العمدة لحضور لقاء مع المنتخبين وممثلي الساكنة للبحث عن حلول. وبالفعل وقفت الجريدة عند نقاش لامس الأزمة التي ليست أزمة محلية - حسب المتدخلين - بل هي ازمة يجب أن تتحمل فيها الحكومة مسؤوليتها من خلال قوانين ومساطر ينبغي إحداثها. وعلى مستوى التنسيق بين المحلي والوطني قالت العمدة إن مجلس المدينة يدبر حسب الإمكانات المتاحة وطالبت الداخلية بدعم الجهة لتكون في مستوى التحديات المطروحة وتوفي بالتزاماتها التي وعدت بها في تخصيص دعم لمنطقة سيدي يوسف بن علي الشيء الذي لم يتحقق. وقالت العمدة إن الحكومة في شخص وزير الداخلية صرحت أمام البرلمان أن ما حدث في سيدي يوسف بن علي لم يكن احتجاجا ضد واقع بل هناك أطراف ساهمت في صب الزيت على النار تقوم بالفوضى واستعمال العنف مستهدفة بذلك أمن المنطقة وزعزعة الاستقرار. وسألنا العمدة عن هذه الاطراف التي دفعت بالاحتجاجات حسب وزير الداخلية، فهل أصبع الاتهام تشير الى جماعات متطرفة، أو الى منتخبين يتصارعون إديولوجيا أم من؟ وقالت المنصوري صعب ألا أجيب اليوم عن سؤال مطروح بالفعل للبحث عن الحقائق ولكن تأسفت بالقول إنها لا تملك هذا الجواب مستدركة أنها لا تستبعد أي شيء لكن سيدي يوسف بن علي تعاني مشاكل اجتماعية كبيرة وقالت إنها اجتمعت مع وزير الداخلية في إطار مؤسساتي إلى جانب مجموعة من البرلمانيين وعرضوا على الوزير بالتفصيل مشاكل سيدي يوسف بن علي لأن الظاهرة ليست جديدة مستحضرة آخر احتجاج السنة الماضية ،فتركيبة المنطقة خاصة، والسؤال -تضيف العمدة -هل اليوم نملك حلولا في التدبير الحكومي أم لا، لأن أي مشكل اجتماعي «ستركب» عليه أطراف سياسية، فدور السياسي هو أن يرفع صوت المواطن، واليوم إذا أردنا أن نحل المشكل فيجب أن نضع استراتيجية لتدبير المشاكل الاجتماعية والتنموية. وقلنا للعمدة إن المغرب اليوم مقبل على الجهوية الموسعة وتدبير المجال بشكل مختلف وهناك دستور يشكل أفق حلم المغاربة والى جانبه هناك بطء في وضع القوانين التدبيرية وهناك من يشير إلى أن الأمر يتعلق بعرقلة لوضع هذه القوانين، فهل في أفق هذا التدبير المستقبلي سواء مع هذه الحكومة أو غيرها، هناك حلول استعجالية آنية بين الحكومة والتدبير المحلي للخروج من هذا المأزق لأن الشعب يريد حلولا عاجلة وفورية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في إطار الاجتماعات. الماراطونية التي تقومون بها اليوم كمؤسسات منتخبة في مخاطبة الحكومة كمسؤول أول أمام أزمة سيدي يوسف بن علي.قالت العمدة إن أول شيء هو دعوتنا للسلطة المحلية والمركزية للانفتاح على المؤسسات المنتخبة ونحن اليوم نبني دولة ديمقراطية والمنتخب له دور أساسي في ذلك لأنه يملك الشرعية في تمثيل الساكنة، فلا السلطة المحلية ولا وزارة الداخلية الوصية إذا لم تنفتح على المؤسسات المنتخبة فإن من المستبعد وضع برنامج تنموي في مستوى انتظارات الساكنة. قلنا للعمدة هل هناك آلية لذلك، قالت هناك شيئان هناك التنسيق المنطلق من الارادة في السلطتين الوطنية والمحلية، ومع ممثلي الساكنة المنتخبين الذي هم صوت الساكنة ولا يعقل ان تتصرف هذه السلطة وكأن لا وجود للمنتخبين، وإذا لم يكن هذا الاندماج في القرار فلن نستطيع الوصول الى نتيجة ، أما فيما يخص الآليات فهناك برامج ولكن ليس هناك تمويل. وعندما نقول الجهوية الموسعة فيجب ان يكون غدا تنازل السلطات المركزية على مجموعة من الاختصاصات وتوفير الامكانيات ويكون هناك تضامن بين الجهات يرفع نموها لبناء برامج اقتصادية واجتماعية وثقافية. طرحنا للعمدة أن مراكش دائما كانت فقيرة وكانت محل احتجاج ، والأطراف المضادة لكم سياسيا تقول بأن مراكش ضحية تنافس انتخابي أي ان هناك تأجيجا اجتماعيا تساهمون فيه كمعارضة لضرب الحكومة .قالت العمدة يؤسفني ان تسيس أحزاب سياسية تدبر اليوم الوطن موضوعا اجتماعيا. إن الأمر بهذا التفسير يهين الساكنة التي تعاني اليوم، إننا في توجهنا السياسي نفضل ألا ندخل في صراع سياسي ونركز على المشاكل الاجتماعية . و أريد أن أشير إلى أن الحكومة لم تدبر الأمر، وحتى الوالي الذي طلبنا منه ذلك لم نصل معه إلى مبررات لأنه كان هناك عنف كبير مورس على المواطنين ونحن ضد ذلك ونعتبر انه لا يمكن أن نصل إلى العنف حتى نستنفد سبل الحوار. فهل فشل الحوار ؟ هذا سؤال كبير،علما أننا لا نريد ضحايا لا من المواطنين ولا من رجال الأمن.ولهذا كررت العمدة أن الحوار ينبغي أن يكون بين السلطات والمنتخبين لحل مشاكل الساكنة. فالعنف سهل. لكن الصعب، هو أن نتحاور وهذه هي النتيجة التي خرج بها المجلس الجماعي، حيث إننا لا نقبل العنف في المدينة . وسألنا محمد العربي سليم قنيبي مستشار جماعي وعضو مجلس الجهة عن المنتخبين وطرق تدبيرهم لملف سيدي يوسف بن علي، حاملين تساؤلات السكان الذين لم يشتكوا من غلاء المعيشة فقط بل من غياب المنتخبين الذين حجوا إلى المنطقة واختفوا بعد نجاحهم. قال محمد العربي سليم أن سيدي يوسف بن علي يظل منطقة مهمشة متردية قابلة للتأجيج و التجييش كما هي قابلة للاحتجاج النابع أصلا من واقع كائن بالفعل ومتراكم في المشاكل الاجتماعية المعقدة والصعبة ، لكن هذه المنطقة تعج كذلك بأقطاب سياسية تبحث لها عن موقع قدم مستعملة -بكل وضوح و شفافية- كل الوسائل بما في ذلك معاناة الناس لتنفيذ أجندتها.ولا يخفى على أحد من هم وراء ذلك من مستعملي الأفكار الهدامة لإخراج المواطن عن صوابه انطلاقا من معيشه اليومي لصب الزيت على النار، الشيء الذي لا يمكن إلا رفضه لأن استقرار الوطن فوق كل الاعتبارات الذاتية والمذهبية والحزبية . ومراكش بالذات، هي منطقة سياسية حساسة، وأي خطأ من هذا النوع بإمكانه أن يعود بالسوء على مراكش التواقة إلى رقم مرتفع في السياحة و الاستثمار،وأردف بالتأكيد على الغياب الكبير للأحزاب و المنتخبين، فالمنتخب عندما لا تجده بجانب المواطن لإقناعه بلغة الحوار والتواصل بأسلوب القرب المتواصل فإن هناك خللا ما ، وهنا ينبغي البحث عن أين يكمن هذا الخلل، خصوصا عندما نجد بعض السكان في هذه المنطقة يرفضون لغة الحوار ويتجهون إلى المواجهة في التعبير عن مطالب كان بالإمكان تدبيرها لو قامت كل الأطراف المعنية وأهمها الأحزاب والمنتخبون بأدوارها كما يجب. ومن جانب آخر، و حول استشارة المستشار الجماعي كمعني بالموضوع. من جانبه، قال حسن حبيبو مستشار جماعي إن الإشكال ينبغي التطرق له من كون دولة الحق والقانون تتأسس بالمؤسسات الحقيقية، وعندما تغيب المؤسسة تصبح الفوضى والممارسات اللا مسؤولة وبالتالي فالاجتماعات التي تتم على صعيد الولاية ينبغي أن يحضر فيها المنتخب والذي له الشرعية القانونية في تدبير الشأن المحلي ويمثل الوكالة بسبعة أعضاء ويجب أن يكون في جميع المراحل التنسيقية. لكن ما حصل هو تغييب هذا المنتخب من هذه الحلقة إلى جانب حلقات أخرى مما يؤدي إلى اللا مسؤولية والارتجال والانفراد في القرارات ويعطي الفرصة للغير المنظم بحشر أنفه في قضايا ترتكب فيها سلوكات تضرب في المؤسسات الحقيقية .وما وقع في سيدي يوسف بن علي، يبين أن هناك إشكالات لا تتعلق بالفقر والتهميش فقط ،لأن مسألة الفقر عامة في مراكش ككل، والسؤال لماذا هذه المنطقة بالذات؟ ولماذا في رأس السنة بالذات؟ ولماذا في محطة يشار فيها بقرب الانتخابات الجماعية؟ كل هذه الأسئلة تدعو الى التفكير في مقاربة شمولية للأحداث لمعرفة التفاصيل ومعالجتها. وفي نفس السياق،قال مولاي حسن طالب عضو غرفة التجارة والصناعة مستشار برلماني باسم الإتحاد الاشتراكي أن المشكل مفتعل، ملقيا الضوء على أحياء في مراكش أكثر فقرا من سيدي يوسف بن علي كحي الملاح والتي لم تؤجج فيها الفتن ولم تدفع فيها الساكنة الى الاحتجاج بطرق ليست بريئة ضد وكالة «راديما» التي يشهد لإدارتها بمجهودات وبعمل حداثي تقني وبطرق عصرية عالجت الكثير من المشاكل الخاصة بالأداء ناهيك عن تزويد مراكش بالماء والكهرباء بعدما كانت مراكش في وضع صعب قبل 2005 . ولم يستبعد مولاي الحسن الأيادي الخفية في ضرب الوكالة للدفع بها الى التدبير المفوض ودخول اطراف انتخابية على الخط لتنفيذ أجندة انتخابية تستعمل ضغط الشارع لإحراز اهداف حزبية ضيقة. كما ذكر مولاي الحسن بالاسم الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها الوالي السابق ووعوده للساكنة بحل مشاكل هي ليست في اختصاصه بل تدخل في منظومة التدبير الحكومي على المستوى الوطني. وشدد الكاتب الجهوي لحزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبد العزيز الرغيوي على أن بعضهم سواء في العمل الجمعوي أو السياسي يصطادون في الماء العكر، ولم يستبعد الرغيوي ارتباط الاحداث بالإستحقاقات المقبلة، وأضاف أن مسحا زمنيا لمنطقة سيدي يوسف بن علي على الاقل منذ 2009 يضعنا أمام تحول سريع في المشهد الانتخابي من الرئاسة المحلية لحزب العدالة والتنمية إلى انقلاب صوب الأصالة والمعاصرة . وكشف الممثل الجهوي للجريدة عن الفقرالمدقع الذي تعيشه المنطقة وتردي الأوضاع الاجتماعية. فسيدي يوسف بن علي كانت مؤطرة بعمالة ، والآن هناك تبادل الاتهامات بين تجار الانتخابات الذين يستعملون أساليب أدت إلى ما أدت إليه. وأضاف الرغيوي أن الأحداث لا تستبعد فيها جهات من خارج العمل الجهوي والتسيير المحلي لسيدي يوسف بن علي والتي تتواطأ وعملت على تأجيج الوضع. والإشكال الكبير يضيف هو الوعود التي أعطيت للساكنة والتي لم تنفذ. وتم استغلال الأمر من أطراف تصطاد في الماء العكر لأغراض أخرى ليست إلا خوفا على كرسي أو إبراز القدرة على التأجيج و التجييش للساكنة الفقيرة في اتجاه استعمال العنف والمواجهات المخدومة. وقال الرغيوي إنه بالإمكان حل المشاكل لكن بالهدوء والحوار الفاعل وليس بالعنف. ومن جهته، قال محمد بلكوري عضو الكتابة الجهوية للإتحاد الاشتراكي بمراكش إننا تابعنا المشكل بشكل دقيق في جميع مراحله منذ 2009 وهو مشكل مركب يتداخل فيه ما هو سياسي بما هو اجتماعي بما هو إداري، وسيدي يوسف بن علي ليست المنطقة الوحيدة المهمشة في مراكش بل هناك دوار الكدية ومنطقة بين القشالي وجزء كبير من المحاميد. وأضاف بلكوري أن الحزب تابع جميع المراحل التي قامت بها «راديما» والداخلية في أيام الوالي السابق والوالي الحالي، وبالتالي، فإن الوالي السابق يتحمل مسؤولية كبيرة في هذه الأحداث، لأنه لم يستطع أن يحسم هذا المشكل بما يقتضي من الجرأة ومن الإرادة الحقيقية لحله، فهناك تهاون وتراخ وتغافل عن المتدخلين في المشكل ومنها جمعيات توظف الدين في التدبير المدني، خلقت مشكلا مفتعلا ،علما أننا لا ننكر أن هناك ترديا اجتماعيا.وشرح بلكوري للجريدة عملية توزيع الماء والكهرباء بالمنطقة في الربط والعدادات والتصاميم والطرق التقنية التي استطاعت راديما توفيرها بشكل متواصل وتسهيلي تماشيا مع الأوضاع . ولكن قبل القيام بذلك، أعطيت وعود من طرف الوالي السابق لا تخص حدود اشتغال راديما بل تتعداها إلى اختصاصات الحكومة كإلغاء الفواتير السابقة وتخفيض التسعيرة،ناهيك عن الوعود التي قدمها برلمانيون خلال حملاتهم الانتخابية بأنهم سيدفعون أجورهم الشهرية دعما للساكنة في تأدية فواتير الماء والكهرباء،وهو ما لم يتحقق،علاوة على بروز «شخص»، يتكلم باسم الوالي .ويقول للساكنة لا أحد يدفع الفواتير، فالوالي سيقوم بذلك.وبالتالي تراكمت الديون ووقع ما وقع.هذا ما خلق التشنج علما أن راديما لها مستحقات بلغت10 ملايير على مؤسسات عمومية، وأنفقت 20 مليارا على المنطقة ، معنى ذلك-يقول بلكوري- أننا ننطلق إلى المستوى الثاني من التفكير، ونتساءل لمصلحة من كانت أحداث سيدي يوسف بن علي؟ والى أين نريد أن نصل بهذا المسلسل الذي مازال لم يتوقف، كما وقف أعضاء في تنظيمنا الحزبي على أن هناك أطرافا لوحظت وهي تقدم الدعم اللوجيستيكي من أجل مواصلة الاحتجاج. حملنا أسئلتنا في آخر المطاف إلى مدير وكالة لا راديما السيد محمد الهبطي ، فتحدث عن المعطيات المادية، وسلمنا كل الأوراق وخريطة الطريق المحلية في استعمال الماء والكهرباء، كما قدم لنا الرجل كل الإصلاحات الهامة التي مست الوكالة على مستوى مراكش و كشف لنا عما طبقته الوكالة منذ 2011 وما التزمت به بعض الساكنة وما امتنعت فيه أخرى وعدد المستفيدين من العدادات الانفرادية وطرق حل العديد من الإشكالات التي أثقلت كاهل الوكالة والتي وصلت إلى 20 مليارا إضافة الى 10مليارات من الديون،لكنه طمأن الجريدة بأن الوكالة تدبر مشاكلها بحكامة وأن ما هو خارج اختصاصها لن تقوم به لأنه يدخل في اختصاصات الحكومة ،وأضاف الرجل أن لاوجود لمراكز لاتؤدينبل هناك بطؤ في الأداء،غير أن كافة الزبناء الكبار يؤدون بشكل منتظم،وأن لا أحد مستثن أو معف من الأداء ،وتحدى المشككين بإحضار أي لجنة تحقيق للوقوف على حقيقة عمل المؤسسة وانجازاتها وتنفيذها لسائر وعودها. هل كان الأمن مضطرا إلى التدخل العنيف؟ الجهات الأمنية،متهمة بممارسة العنف ومحاصرة المحتجين،وهي أسئلة حملناها إلى عدة مصادر أمنية حيث أكدت أن الاحتجاجات استمرت لأسابيع وبمختلف الاشكال،لكن توفر معلومات أمنية عشية رأس السنة تتجاوز الاحتجاج الى محاولة مهاجمة مركز المدينة وعمقها السياحي،ما دفع مصالح الامن الى محاورة المحتجين داخل منطقة سيدي يوسف بن علي وتوجيه انذارات قضائية لكن يضيف مصدرنا هاجم عدد من المسلحين بالسيوف والحجارة رجال الامن والقوات المساعدة ما أدى الى إصابة76 منهم، زهي إصابات متفاوتة الخطورة.وشدد مخاطبنا على الامن أو ما يسمى بالمقاربة الامنية تخضع للقانون،مؤكدا ان الاحتجاج بكل أنواعه ينظمه القانون،وكذلك حماية الامن وممتلكات المواطنين،يكفلها القانون ويخولها للمصالح العمومية،مضيفا ان الامن ليس طرفا سياسيا،بل له وظيفة محددة دستوريا. قالت مصادرنا الأمنية أن الأمن يتابع الموضوع بكثير من الدقة و الترقب، وانه كان مضطرا الى ممارسة العنف أمام رفض المحتجين أي تراجع في اتجاه مواقع حساسة في المدينة والمكتظة بالأجانب والسياح ، كما أكدت نفس المصادر الأمنية التي رفضت الكشف عن أسمائها ومنصبها في الدوائر الأمنية بمراكش ان رجال الأمن وجدوا أنفسهم امام محتجين لا ينتمون الى سيدي يوسف بن علي وأن هناك ايادي سطرت للاحتجاج باستغفال الساكنة من جهة وبإغراء بعضهم مع خلق لوجستيك تدبيري محكم في الدفع بالتظاهرة نحو أهداف أخرى غير مسطرة في اذهان الساكنة المتضررة بالفعل من التسعيرة المرتفعة للماء والكهرباء والتي يدخل فيها الخطأ التقني كما يدخل فيها الاستعمال غير الواعي بالأشطر.كما أكدت مصادرنا أن السلطات الأمنية غيرت استراتيجيتها في التعامل مع تداعيات الأحداث باحثة عن قنوات لإشراك الساكنة من خلال المنظمات والأحزاب وكل ممارسي القرب في المساجد ودور الشباب والأحياء والبيوت في معالجة هذا الملف الخطير و الغامض، وأن هناك صعوبات حقيقية في هذا التصور الجديد للسلطة أمام الثقافة السائدة وغياب المؤسسات الحزبية وانغلاقها مع درجات في المشهد الحزبي سببه الصورة السيئة للمنتخب في أذهان الناس، علما أن بحثا تقول نفس المصادر يجرى وفيه معطيات هامة حول الايادي التي تريد أن تؤجج الأوضاع بهدف سياسي آت من حلم بربيع عربي في المغرب من بوابة مدينة دولية كمراكش.