حرصت عدة جمعيات وتنظيمات محلية فرنسية على اختيار احتفالات رأس السنة كمناسبة للترويج للمنتوج الوطني ولتحفيز الفرنسيين على الكف عن استهلاك المنتوجات المستوردة كلما أمكنهم تعويضها بمنتوج محلي، وقد أبت بعض الفعاليات المتزعمة لهذا الخيار إلا أن تنشئ أسواقا محلية تؤمن قيام العلاقة التجارية المباشرة بين المنتج والمستهلك بعيدا عن الوسطاء وعن الأسواق التجارية الكبرى. وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية أعلن وزير الخزانة تيموثي غايتنر يوم الأربعاء 26 دجنبر الجاري أن الفدرالية الامريكية ستبلغ ليلة رأس السنة الحد الأقصى للدين العام المسموح لها ببلوغه من قبل الكونغرس والمحدد في 16 الف و394 مليار دولار، وعقب ذلك اضطر الرئيس باراك أوباما إلى جعل معالجة هذا الملف من أولى أولوياته، علما بأن المحللين يرون بأن الوضع لا يسمح للديمقراطيين والجمهوريين بتحمل عواقب الفشل في التوصل إلى حل قبل 31 دجنبر 2012، ويؤكدون أن انعكاسات القرارات المرتقبة ستشمل مختلف الاقتصاديات العالمية. أما في المغرب فلم يعد أمام المصدرين من خيار غير دق ناقوس الخطر والمطالبة بالتعجيل بحماية الاقتصاد الوطني من الغزو الأجنبي عبر آليات حمائية على غرار الخيارات التي صارت تطبع قرارات أكثر الدول حماسا للتحرير، فحتى الحكومة لم يعد بإمكانها تجاهل حدة الخطر الذي صار يهدد بفقدان السيادة المالية، بفعل تراجع قدرات الصادرات على تغطية الواردات، لدرجة أن رئيس الحكومة اعترف، أمام المشاركين في المنتدى المغربي للتجارة الدولية وفي المناظرة الوطنية الثالثة للتصدير المنعقدين بالصخيرات يوم 11 دجنبر الجاري، بكون العجز التجاري ارتفع من حوالي 144 مليار درهم قبل 10 سنوات إلى حوالي 184 مليار درهم سنة 2011 أي ما يعادل حوالي 23 % من الناتج الداخلي الخام. المغاربة لا ينقصهم الحس الوطني، ولكن تنقصهم هياكل وطنية تحت إشراف الحكومة تتولى العمل، بشراكة مع الفاعلين الاقتصاديين، على تسويق المنتوج المغربي في السوقين الداخلية والخارجية، فالمنتوج الجيد، سواء كان صناعيا أو فلاحيا، متوفر في المغرب، وجودته مكنته من غزو العديد من الأسواق الدولية، ولكن التحولات التي طرأت على العلاقات التجارية الدولية وعلى معالجة كل دولة لملفاتها الوطنية صارت تفرض التوفر على هيئات وطنية قادرة على تحديد مختلف الأنشطة والسلع القابلة للتصدير، وعلى اعتماد هذه المؤهلات في تحديد العرض المغربي للفوز ببعض الصفقات التي لا يمكن لمقاولة مغربية أن تفوز بها بمفردها، ولكن يكون بإمكان تجمعات من المقاولات المغربية أن تفوز بالصفقة وتنجزها بالشكل الذي يعزز مكانة المغرب في الساحة الدولية، فبدون حكامة، تحمي السوق المغربية من الإغراق بمنتجات أجنبية وتوفر إمكانية الشروع في استغلال المؤهلات اللوجستيكية، سيكون من الصعب الصمود في وجه هياكل دولية قد يكون فيها للمقاولات المتخصصة في إنعاش الصادرات دور أهم بكثير من الأدوار التي تقوم بها المقاولات المتخصصة في الإنتاج، وهل نحن في حاجة إلى التذكير بأن حصة المنتج غالبا ما تكون أقل بكثير من نصف قيمة البيع عند الاستهلاك. ما أحوج المغرب اليوم إلى حكومة قادرة على توحيد صفوف الفاعلين الاقتصاديين المغاربية وعلى مدهم بالدعم السياسي والدبلوماسي والمالي الضروري للاستثمار في مواجهة العجز التجاري على أسس واضحة، فإذا كان الفرنسيون قد شرعوا فعلا في إنشاء أسواق لا تعرض إلا المنتجات المحلية، فإن إغراق مختلف الأسواق المغربية، وخاصة منها الكبرى، بالمنتجات المستوردة ساهم بشكل كبير في تقليص موجودات المغرب من العملة الصعبة إلى ما يغطي حجم الواردات لمدة 4 أشهر فقط، ولولا لجوء الحكومة إلى الاقتراض من الخارج لكانت المدة أقل من ذلك بكثير.