هل يكفي ترتيب كلمات هاربة من عقال اليومي لتحصل على هوية بطل ؟! و هل تمنحك أبيات مصفوفة وجمل باردة بعيدة عن حرقة الدواخل جواز مرور نحو مملكة شقاء الشعر و الحلم الأول.. ؟!في البدء كانت الكلمة ، ذلك ما قاله القاص «محمود «و هو يستمع بدهشة لحكاية الشاعر» رازق «المخبر .. بالطبع هو لن يكون محمودا ولا نزارا ولا حتى ابن أبي ربيعة ، لكنه ارتكب جريمة كبرى في حق الكلمة التي يدعي انتماءه لمحرابهاو انحاز لصف اللقطاء المرتزقة سماسرة الوهم تجار اللغو المقيت عبيد التقارير الاستخباراتية البليدة .. و هنا و الآن ، أتذكر قولة الطيب الجميل حاسما المسألة في جملة قصيرة .. « لا تقرأ لأي شاعر له قفا سمينة فهو بالتأكيد لن يكتب شعرا بل مجرد كلمات باردة العواطف و المواقف «.. وكنت أضحك من هذا التوصيف المفحم . في جلسته المعتادة المطلة على زرقة السماء وآفاق الأحلام المغتالة ، أشعل « محمود «سيجارته الأولى ، تأمل بإحساس محب عطشان سواد قهوته الصباحية، أخذ قبلته المألوفة ، رشفة طويلة مرفوقةبصمت متصوف نسي ميقات العودة للغط اليومي المسترسل، انتشر مفعول الكافايين في شرايين اليقظة المفترضة، وفي الغياب الجميل انشغل بترتيبالأفكار وتلوين لوحة الوقائع الخائبة بما يلزم من ألوان الشهادة والفضح و الإدانة .. شغل المحمول ، انتقل إلى إدمانه الآخر، تحسست أصابعه المرتعشة سبحة الزمن المعاصر، فتح صفحة الفايس، وانطلقت الرحلة نحو شساعة المواقف والرؤى والاختيارات والأحاسيس المنفلتة المسكوت عنها وحتى الاستيهامات وغير قليل من أفعال الرقابة وفروعها البشعة من عائلة الاستخبارات، سيل متواصل من أخبار الاحتجاجات و الإضرابات و الاعتقالات ، وصور اعتداءات بني كلبون على المحتجين و المحتجات ، أطراف مكسورة ، زراويط تنزل على الرؤوس الغاضبة، دماء سائلة تشهد على حقارة أصحاب الحال وسدنة فقه القمع و السعار، و للدقائق آلام الخناجر و طعم الهزائم، للساعات جحيم التوقع الحزين.. والخبر الرئيسي الذي سود أغلب الصفحات ، مقتل عشرات من الشباب في حادثة طائشة بمنطقة تحكمها مخططاتالإهمال والنسيان . وسط كل هذا الحشد من الغضب و الحزن و الآمال الموؤودة، قفزت صورة «رازق« القبيحة و جملة رعناء لوثت صفحة الاستقبال .. «المرأة صحراء قاسية الداخل إليها مفقود و الخارج منها مولود« ، توقف «محمود « عن متابعة الاقتراحات، راح يفكر في بلادة هذا المخبر المأجور، لم يبال بمئات الأحلام المغدورة و لا بحجم الجراح المتناسلة و لا بهموم و حرقة الأقرباء ، لم يفكر سوى في أن المرأة صحراء ، مسكين ، كما تقول الجدة الحكيمة ، الناس في الناس و القرع في مشيط الراس... في المساء ، سلطنت ظلمة الليل فوق رؤوس الكائنات، صارللجرح اليومي طعم المرارة ، توالت نشرات الأخبار باردة دون صور عن الفاجعة المروعة وضحاياها والعائلات المكلومة ، فقط أطل مسؤول بفم غير سوي ، حمل المسؤولية للسائق و الحافلة المهترئة و كفى المسؤولين شر القتال ، كما لو أن طريق الجنوب المهمل زربية مثالية تمضي نحو جنائن عدن و رياض الربوع الفردوسيةالواردة في أصفار الخرافات و الأوهام الموروثة ..غمرت «محمود» مشاعر الحنق ، بدوره قال .. كفى.. انزوى بمحموله في الركن المعتاد ، انفجر بركان الغضب بصفحة الاستقبال ، طغى الحزنو كلمات الشجب وتعابير المواساة و التعازي وصور الحادثة و دموع الأحبة والأمهات الثكالى. وكما لو سرت بين الأغلبية كلمة سر لا يفهمها سوى من لهم عيون تدمع لأنات الواحات العطشى و قلوب تسمع آهات التلال المنسية ، تسارعت شهادات التضامن والتنديد ، عم سواد الحداد، احتل بروفايلات المهمومين وبوح المهمومات، إلا «رازق «المغيب ، ظلت ملامحه الثعلبية و شاربه الكلبي والمرأة صحراؤه التي في البال نشازا يلوث دقائق الألم المشاع ،لم تثره الدماء السائلة غدرا فوق اسفلت الطريق الثعبانية القاتلة .. وبقي سجين هلوساته المرضية و حقده الدفين على نساء وطني الحبيبات . ضغط «محمود « على اسم « رازق « الذي لم يرزق من اللباقة والجرأة و حرارة الكلمة شيئا، ألقى نظرة سريعة على هلوساته المرضية ، مسكين .. لا شيء يهمه سوى التعويض دون وعي منه على فحولة ناقصة تكاد تكون مفتقدة ، جمل ركيكة تفضح عدوانية غير مفهومة اتجاه جنس الإناث، و شذرات رعناء تصف حد الفضيحة و الحقارة مناطق حساسة من جسد امرأة ساقها سوء الطالع لتكون العشيقة المنحوسة، ولا جمال في القول، لا استثناء لتشوهات تفاصيل لذة غرابين وقعا على بعضهما البعض تمشيا مع مقولة «وافق شن طبقة «، وذاك الجسد الأنثوي المترهل ، تلك الشفة الشوهاء، ذاك الخد المجعد ، النهدان الشبيهان ببزولة قردة عجوز ، و تلك المؤخرة التي استحالت غربالا ممزقا بفعل إبر الأنسولين اليومية.. باراكا، همس « محمود « ممتعضا، وعاد لصفحة الاستقبالالنظيفة و عشأحبته الأصفياء. وللطائر الحر عين الفارس الحالم و نظرة الأبي الكريم الرافض لذل القفص وصدأ الزنازن الموروثة عن ظلمة الفكرو الرؤية .. وكامل الحرية والحلم بالتحليق الدائم نحو تلك الأعالي الفاتنة الممنوعة على أغبياء المواقف وسماسرة الوقت وخونة العلاقات الملغومة.. فلا تتعبوا أنفسكم يا مخبري الزمن المقيت.. هو لا يصادق سوى الأحرار الصادقين الأوفياء . لذلك نزل القرار الحكيم ، صاغ « محمود « رجاءه الأخير ، قال .. بلغني أن هناك فئة من الفسابكة حسب تعبير العزيز السي أحمد بوزفور صاروا يتبعون هموم الناس و حرقة جراحاتنا بعيون مختصة في قراءة المآسي بمنظار مكسور عاجز عن القراءة الموضوعية السليمة و تعويض ذلك بنصب محاكم التفتيش و صب اللعنات على كل من يخالف ظلامهم الموروث.. لمثل هؤلاء .. «حضاية « الفايسو من لم تحركهم أحزان الوطن .. نلقي بالأمر الصريح.. اخرجوا من وقتنا ، لكم غباؤكم و لنا رؤيتنا .. رجاء قوموا بحذف أسمائنا من لائحة الأصدقاء بدل أن تظلوا تراقبوننا صباح مساء و تصبوا لعناتكم بدافع الغيرة و العجز المقيت فنحن لا نبالي بظلامكم المتناسل .. رجاء قوموا ببلوكاج لأسمائنا ترتاحواو تريحوننا ..ساهموا معنا في تنقية اللائحة الطويلة ممن لا شغل لهم سوى القيام بدور الرقابة المرفوض.. وبالتالي سنكون جد سعداء لو قمتم بحذف أسمائنا من لوائحكم الملعونة.. وبه وجب الإعلام و السلام . الحاصول، لم يتردد «محمود« في تطبيق قرار التشطيب الواجب و التنقية اللازمة، أعلن لكل الأحبة أن اسم «رازق «سيكون أول المغيبين وأهم المطرودين ، لكن المفاجأة غير المحتملة كانت في الانتظار، جاءه من صديق فايسبوكي محترم تنبيه بصيغة ميساج على الخاص «انتبه ، صاحب الشارب الكلبي موجود في صفحتك بثلاثة أسماء مستعارة!!» . طلعت القردة لرأس محمود، تخلى عن هدوئه المعتاد ، أنزل بصفحته جملا غاضبة تلبس ثوب سخرية سوداء مرة.. واااااااااناري على حمار غبي خبيث ما عندو لا همة و لا قلب.. كما لو تعلق الأمر بقراد دموي او جرثومة خبيثة لا تموت، ما إن تم التشطيب على اسمه من الصفحتين الاثنتين حتى وجده تسلل إلى إحداها باسم مستعار ، وإلى الثانية باسمين ووجهين مزيفين ، وااالمخبر الحمااااااااار.. وأنت بعد مني أناري .. راني غادي نشوهك ونسطيك، اتبعني أنا راه ما عندي مناش نخاف، طيب أنا لك بالمرصاد حتى نشوفو شكون اللي غادي ينهزم.. لدي أحبة كثيرون ، يكشفونك حتى ولو استعملت قناع الشيطان.. بزاااااااااف هاذ الشي!!! احتلت الجمل الغاضبة مكانها في صفحة الاستقبال، أرادها صرخة في وجه المخبرين وأغبياء الرصد والرقابة، لكن صديق الطفولة اليساري «لعوينة «المشاكس عاتبه معقبا على كلامه.. يا «محمود «..عندما تتكلم عن هذا المخلوق و تمنحه لقب «حمار «فإنك تهينني بجعله في مكان أعلى من حقيقته يعني بزاف عليه أن يكون ذاك الحمار الذي سماه الروائي عبد الرحمان منيف في روايته «الأشجار واغتيال مرزوق« ب «سلطان «وأنت أخطأت فيحقي وسميت هذا البوعار حمارا .. رجاء ..سمه ما شئت إلا الحمار لأنه يحتاج للكثير من الوقت و العمل الجاد ليكون فيمصاف الحميرالجميلة . غريب أمر « رازق «المخبر.. يدعي أمام من يخطئون تقدير الحقائق والمقامات أنه شاعر وهو عدو لأنوثة الكائنات وسحر النساء ، أكيد لم يسبق له أن سمع الحبيب «با دريس «الجميل يردد مقولة دوستويفسكي، يا حبيبي «الجمال وحده ينقد العالم «ولا سمع الخالد محمود درويش ينشد.. «تكبر.. تكبر !فمهما يكن من جفاك.. ستبقى، بعيني ولحمي، ملاك.. وتبقى ، كما شاء لي حبنا أن أراك.. نسيمك عنبر.. وأرضك سكر.. و إني أحبك أكثر...»