يعنى كتاب كتاب «الانفجار العربي الكبير في الأبعاد الثقافية والسياسية»، لمجموعة من الباحثين، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بتسليط الضوء على أبعاد ونتائج الانفجار العربي ( الثورات العربية، في ماهية ما تخلفه وتوجده من أبعاد رؤيوية، ثقافية وسياسية. يرى الأستاذ كمال عبد اللطيف، الذي مهّد للكتاب، في المقدمة، فإن «الانفجار الحاصل اليوم حدث مركّب ومظهره السياسي يخفي ملامح عديدة موصولة بفضائه التاريخي والاجتماعي والثقافي، الأمر الذي يتطلب رصد وتحليل صور فعله وتفاعله مع السياقات والشروط التي يفترض أن تكون قد ساهمت في تعيين قسماته الكبرى». تتنوع الجهود البحثية المبذولة في أبحاث هذا المجموع ضمن الكتاب، ونتبين تناوله موضوعات مهمة، عديدة، وإذا كان بعضها يتجّه إلى بناء مدخل عام يرصد تجليات الثقافي في الثورات العربية، فإن بعضها الآخر يتوقف أمام جوانب ثقافية محددة، مثل اللغة والهوية والتواصل الاجتماعي والمواطنة الرقمية، بالإضافة إلى موضوع الاستقطابات الثقافية والاجتماعية الجديدة، الموصولة بالطوائف والعقائد، ليبرز أدوراها في أفعال التغيير المتواصلة في المجتمعات العربية. أشرف على إعداد الكتاب، كل من: كمال عبد اللطيف ووليد عبد الحي. وشارك فيه، عدد من الباحثين العرب، الذين أنجزوا الدراسات التالية: مدخل إلى قراءة الأبعاد الثقافيّة للثورات العربيّة (كمال عبد اللطيف), التشبيك وثقافة التواصل والتغيير السياسيّ (عبد السلام بنعبد العالي), الهوية الثقافيّة في زمن التغيير والتعولم (محمد نور الدين أفاية), الجوانب الثقافيّة في الثورة المصريّة (محمد شومان), حضور التاريخ (وليد عبد الحي)؛ دور الثقافة السياسيّة في تفجير الثورات (أمحمد مالكي)؛ أزمة تطويع مفهوم الشورى لمفهوم الديمقراطية (نظام بركات). واستطاع الكتاب أن يجمع الحدث المهم، مقدما عرضا موسعا لما بدا عليه الوطن العربي في لحظة محددة من التاريخ الحديث، وهي لحظة الثورات العربية. وأبدى الباحثون اهتماما بالغا بالاتجاهات الأخرى التي كان لها تأثير على الثورات العربية العربي، بالاضافة إلى البحث المكثف حول وقائع التاريخ العربي ومعالجته، ببعده الثقافي، الذي قدم تصويرا دقيقا لأكثر الوقائع التي باتت تشكل عالمنا العربي، وتفحص مختلف مكوناته. إذن تكمن أهمية فصول الكتاب، الذي يعد قيمة مضافة للمكتبة العربية بخاصة، والعالمية بعامة، في توسيع مجالات فهم الحدث العربيّ الفريد الذي وصفه الكتاب ب «الانفجار الكبير». إذ لا يكتفي فقط برصد الأبعاد الثقافيّة في الثورات العربيّة وتحليلها فحسب، بل نجد أبحاثه تتعقب مسارات التحول وعثراته، وتثير التفكير في إمكان بناء جبهة ثقافيّة حداثيّة لإسناد الأفق الثوريّ الجديد، ولإنجاز ثورة ثقافيّة في الوطن العربيّ. فالمقاربة المتجهة صوب الأبعاد الثقافية للحدث، تمنح القارئ في موضوع الكتاب، امكانية توسيع مجالات الفهم والتعقل. وتتيح أمام سياقاته ومرجعياته ورموزه، القدرة على تشخيص تناقضاته ووضع اليد على بعض مفارقاته وتحدياته.