سوريا بالنسبة لهم ليست سوى ساحة معركة في حرب أوسع، يسعون من خلالها إلى تحقيق حلمهم بإقامة دولة الخلافة الإسلامية في مجموع الشرق الأوسط. في حلب نلتقي في بعض الأحيان بمقاتلين من الثوار ذوي مظهر فريد، كوفية حول الرقبة، سروال يظهر الكعبين، لحية مشرعة للرياح وشارب مقصوص. يمكن تمييزهم بسهولة عن باقي الثوار ذوي الشعر المنفوش و سراويل الدجين. كما يتميزون عنهم بانعزالهم و ابتعادهم عن الأجانب. يظهر بوضوح أنهم يملكون المال، كما أن سلاحهم جديد و هو عموما أفضل من السلاح الذي يحمله باقي المتمردين. لكن مل يميزهم خاصة هو أن هؤلاء الجهاديين أو السلفيين لا يقاتلون فقط من أجل قلب نظام بشار الأسد، فسوريا بالنسبة لهم ليست سوى ساحة معركة في حرب أوسع، يسعون من خلالها إلى تحقيق حلمهم بإقامة دولة الخلافة الإسلامية في مجموع الشرق الأوسط. يفسر محمود المنجاني و هو لإسلامي سوري راديكالي يشارك في معركة حلب : «الجماعات المحلية من الثوار تشكلت أساسا كي تحمي نفسها، لكنها ظلت محدودة في تفكيرها، بينما نحن نقاتل النظام و في نفس الوقت ننخرط في مشروع أوسع من أجل تغيير مجتمعنا» و يقول عضو آخر في تنظيم إسلامي آخر يثدعى الطليعة المقاتلة : «أنا إسلامي و لدي مشروع إسلامي. لقد استفدنا من الأخطاء التي ارتكبها الطالبان في أفغانستان و القاعدة في العراق، و نحن نحاول بناء شيء جديد في سوريا إن شاء الله». يتبع مسار محمود المنجاني تاريخ الإسلام الراديكالي منذ بداية الثمانينات. فهو إبن أح المناضلين الإسلاميين في حلب تم اغتياله من طرف حافظ الأسد خلال انتفاضة 1976 -1982 ، ترعرع في المنفى بألمانيا ثم في الخليج «لقد تربيت مع ذكرى والدي و مبادئه: رفض الذل و الحفاظ على روح المقاومة». تقرب من حركة حماس في التسعينات ثم من القاعدة قبل أن يقطع مع تنظيم بن لادن عقب الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003 ، نتيجة لامتعاضه من أعمال أبو مصعب الزرقاوي الذي يقتل المسلمين أكثر مما الكفار ، «أصبحوا لا إنسانيين ، يقتلون الأبرياء، فأنا مؤمن أكثر بأفكار عبد الله عزام» (الفلسطيني أستاذ بن لادن الذي اغتيل سنة 1980 في باكستان). تختلط التواريخ و الأمكنة فيما بعد لكن المنجاني يلخص التجربة الإسلامية بسوريا :أدوات في بعض الأحيان، و ضحايا في البعض الآخر. مكث لعدة سنوات في سجون الأسد الرهيبة، حيث ترك بعضا من أصابع يده اليسرى. ناضل في صفوف فتح الإسلام (التنظيم الفلسطيني الذي خلقته سوريا ) لتقسيم منظمة التحرير الفلسطينية و زعزعة استقرار لبنان قبل التوجه إلى العراق لمحاربة الأمريكيين. و هو نفس التنظيم الذي يحارب النظام السوري الآن. أُطلق سراحه مع بداية الانتفاضة في سوريا في واحدة من تدابير حسن النية المتأخرة للنظام، فعانق ثورة سمحت له بالجمع بين نضاليته الإسلامية مع وطنيته. «لدينا اليوم أخيرا قضية نقاتل من أجلها. و لن يأتي النصر من الخارج كما يظن كثير من زعماء المتمردين، لكنه سيأتي من عندنا نحن مما سيمكننا من بناء دواة إسلامية في سوريا». تواجد هؤلاء الإسلاميين في صفوف الثورة السورية يغذي المخاوف و الهواجس، فنظام الأسد يشجب منذ بداية الثورة،مؤامرة جهادية مرتبطة بالقاعدة و هو ما يسمح له بترهيب الأقليات المسيحية و العلوية، و بابتزاز الغرب و تبرير جميع أساليب القمع... و منذ ذالك الوقت أصبح الجهاديون موضوعا مقلقا للغرب الذي يتردد في مساعدة الثورة السورية خوفا من سقوط سوريا في أحضان الإسلام الراديكالي أو خشية سقوط الأسلحة التي قد يقدمها في أيدي الإرهابيين. و في الحالتين معا فإن هذه الحسابات سمحت بتنامي الظاهرة التي يريد الغرب محاربتها. فالعنف و القمع اللذين يمارسهما النظام السوري غذيا الراديكالية الدينية للثوار و ساهما في تقريب المتمردين من الجهاديين.فجمود الغرب ترك الساحة فارغة أمام قطر و العربية السعودية لتمويل زبنائهما الإسلاميين، و هو أمر قريب مما قامت به السعودية و باكستان أثناء الحرب ضد السوفييت في أفغانستان. في حلب تبدل موقف الجماعات الثائرة من هؤلاء الجهاديين، الذين التحقوا بالثورة بعد اندلاعها، من اللامبالاة في البداية إلى الامتعاض حاليا. يقول عبد الله ياسين و هو مقاتل من ثوار حلب عينه الجيش السوري الحر منسقا إعلاميا : «يعتبر الجهاديون كابوسا للغرب، و مع ذلك فهم لا يمثلون نسبة كبيرة، بضع مئات أو بضعة آلاف في حلب، بعضهم قاتل في العراق و لكنهم لا يمثلون في أي حال من الأحوال أغلبية داخل صفوف الثورة، إلا أنهم هم من يتلقى أكبر مساعدة من الخارج» تحولت الثورة السورية إلى حرب أهلية في طريقها لتأخذ طابعا طائفيا. و قد تمكن الجهاديون من التسلل من هذه الثغرة تقريبا مثل ما فعل البولشفيك في بداية الثورة الروسية. فالجهاديون أقل عددا من باقي الثوار لكنهم يستفيدون من تنظيم أفضل من الآخرين الذين يقاتلون تحت إمرة قادة محليين متنافسين و بايديولوجيات متنوعة. كل الثوار السوريين يصيحون «الله أكبر» و كلهم يرفعون شعارات من القرآن و يستخدمون علامات الجهاديين لكن أهدافهم تبقى وطنية و سياسية على خلاف الأهداف الكونية للجهاديين. في حلب، ينتمي أغلب مقاتلي الجيش السوري الحر لتحالف محلي يسمى «لواء التوحيد» أُنشئ سنة 2012 لمواجهة الهجوم المفاجئ للنظام على المدينة، هذا التحالف المكون من 170 جماعة يضم حوالي عشرة آلاف مقاتل و هو يحمل خطابا دينيا لكن برنامجه السياسي يتلخص في نقطة وحيدة هي قلب نظام الأسد. لكن التجاذبات بدأت تمزقه منذ الآن. فأهم قادة «لواء التوحيد» و من ضمنهم عبد القادر صالح يدعون إلى «دولة مدنية في سوريا يشكل فيها الإسلام المصدر الرئيسي للتشريع و يحترمون كافة الأقليات السورية» عكس التحالف الوطني السوري الذي أسس مؤخرا بقطر و الذي يدعو إلى قيام دولة إسلامية بسوريا. و علاوة على هذا التنظيم هناك حركات أخرى مثل «جبهة النصرة» أو «صقور الشام» أو «أحرار الشام» و ختاما يقول عبد الله ياسين : «إذا لم يختر الغرب أن يساعد المجموعات التي تمثل الشعب السوري و ترك قطر تدفع ببيادقها فإنه سنجد أنفسنا و الغرب أيضا في مواجهة الإسلاميين .لا زال الوقت أمامنا لكن ينبغي العمل بسرعة إذا كنا نريد منع ذلك» «لوفيغارو» الفرنسية عدد 5 ديسمبر 2012