بمناسبة الإقدام على نشر اللوائح التي تهم مقالع الرمال ، نعرض لأوجه الاختلاف بين الريع والعمل, اذ يسهل التمييز بينهما لكونهما يقعان على طرفي نقيض. فالريع يعرف بأنه الدخل الدوري المضمون الممتد في الزمن و غير الناتج عن العمل، ففي البداية ارتبط ظهور مفهوم الريع بالعائد المحصل عليه من قبل ملاك الأراضي الزراعية نتيجة وضع ملكيتهم بتصرف الآخرين مقابل دخل معين عينيا كان أو نقديا، وقد سمي في هذه الحالة بالريع تمييزا له عن الربح العادي الناتج عن العمل المرتبط بالكد والتعب . إلا أن هذا المفهوم تطور عبر الزمن، وتنوعت وتشعبت أشكال ظهوره ، وتغلغل في كل الدواليب الاقتصادية، مقترنا في بعض الأحيان باستغلال النفوذ حتى أصبحنا أمام ما يسمى باقتصاد الريع، ومع ذلك بقي محافظا على جوهره المتمثل في كونه الدخل غير الناتج عن العمل والمؤدي الى الربح السريع في غياب المساواة وتكافؤ الفرص . ويمكن القول بأن أول ما يتبادر إلى ذهن المواطن العادي عند إثارة موضوع الريع هو استئثار نخبة من الوصوليين والمحظوظين من ذوي النفوذ والمقربين منهم بالإمتيازات الناتجة عن احتكار واستغلال الرخص والمأدونيات،أو ما يسمى شعبيا «بالكريمات» المتعلقة بكل أنواع النقل الطرقي، واستخراج الرمال والأحجار من المقالع، والصيد في أعالي البحار. غير أن هذا المفهوم الشائع يظل مع ذلك قاصرا عن استيعاب جميع الحالات التي يتم الحصول فيها على المال وغيره من الامتيازات دون أي استحقاق موضوعي أو سند قانوني ودون بدل أي مجهود ذهني أو جسدي يعطي المستفيد الحق في الاستفادة من المزايا المحصل عليها . ومن هذا المنطلق, فإن اقتصاد الريع يتحقق كلما كنا أمام حالة يتم فيها الاستفادة من الامتيازات كيفما كان نوعها دون أي مرجعية قانونية كانت أو موضوعية وفي غياب أي جهد أو تعب مناسب يبرر ما يحصله المعني بالأمر أو باللجوء إلى طرق ملتوية تصل في بعض الأحيان الى ارتكاب أفعال يجرمها القانون . وفي هذا الصدد وعلى سبيل المثال فقد تم الكشف في السنوات الأخيرة عن شبكات تمتهن النصب من أجل الوساطة للحصول على المأدونيات الخاصة بالنقل قام القضاء في حينه بإدانتها. فإلى جانب ما هو شائع مثل مأذونيات النقل, هناك رخص استغلال المقالع التي يستخرج منها الرخام والكرافيت والرمال و الأحجار الضرورية للبناء وتستغل من طرف شخصيات وازنة وسياسيين ومسؤولين في السلطة يتم إخفاء أسمائهم وراء شركات وهمية تحقق عائدات خيالية ، يمكن اعتبار أن ما خفي كان أعظم مثل العقود الاستغلالية والاحتكارية المختلفة مع الدولة وعقود الامتياز والتدبير المفوض والصفقات العمومية، والاستغلالات المتعلقة بالمياه والغابات والمناجم وكراء أراضي الدولة لمدد طويلة بأثمنة رمزية ورخص الصيد في أعالي البحار وقطاع التأمين المدر للربح الكبير بمختلف أشكاله ومستوياته. وفي القطاع العمومي وشبه العمومي يمكن ذكر الرواتب والمزايا المقدمة دون أن تتناسب مع الأعمال المنجزة أو دون القيام بأي عمل بالمرة رغم التواجد بمقرات العمل وكذلك مجموع الرواتب المحولة للموظفين الأشباح الذين لا يكلفوا أنفسهم عناء الحضور إلى مقرات عملهم، ومع ذلك تظل كل هذه الحالات التي يمكن أن يتحقق فيها الريع على سبيل المثال لا الحصر تبعا للتشعب الذي تحدثنا عنه من قبل. وتجدر الإشارة إلى أن تحقيق الريع في الحالات التي أشرنا إليها في غياب السند القانوني أو الموضوعي وبالإقتران باستغلال النفوذ والفساد، مخالف للقانون وللمبادئ المنصوص عليها في الدستور الجديد للمملكة وعلى وجه الخصوص مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص المنصوص عليهما في المقدمة والمادة 4 و 6 منه وهذه الأخيرة تلزم السلطات العامة بتوفير الظروف الملائمة لتحقيق المساواة بين المواطنين في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما أن جميع أفعال استغلال النفوذ والسلطة وإهدار المال العام والتربح غير المشروع يطالها القانون الجنائي ومعاقب عليها بمقتضاه. ويمكن إجمال مظاهر إفساد الريع للحياة العامة فيما يلي : 1 - التبخيس والحط من قيمة العمل وتفضيل السبل والوسائل الاتكالية الموصلة للربح السريع ولو بطرق غير مشروعة؛ 2 - تثبيط دوافع الاستثمار والعمل المنتج في الاقتصاد الوطني، وتقويض منظومة السوق من خلال سيادة الإحتكار والمنافسة غير الشريفة؛ 3 - استنزاف موارد الدولة المحدودة في نفقات وهمية أو غير مجدية بدل صرفها للوفاء بالاحتياجات الأساسية للمواطنين؛ 4 - حرمان الخزينة العامة من الرسوم التي يجب ان تستخلص عن الأرباح الخيالية المحققة من المستفيدين من المزايا والتسهيلات الممنوحة من طرف الدولة. ولمواجهة هذه الآفة الخطيرة التي تستنزف الاقتصاد الوطني وتساهم بقسط وافر في افساد الحياة العامة, لابد من إعادة النظر في السياسات القديمة التي أدت إلى الواقع التي نشهده. وسلوك استراتيجية جديدة تعتمد بالأساس على الشفافية المطلقة والالتزام الكامل للمساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين والحرص على موارد الدولة وتنميتها، وذلك باعتماد مخطط محكم يستهدف كل المنافذ التي يأتي منها الريع وهي كالتالي : 1 - المأذونيات و الرخص وعقود الامتياز والاحتكار والتدبير المفوض ؛ 2- استغلال أملاك الدولة والدومين العام وخيرات البلاد السطحية والباطنية؛ 3- الرواتب والامتيازات المقدمة لموظفي الدولة والمؤسسات العمومية و شبه العمومية ؛ 4 - الصفقات العمومية ومجمل نفقات الدولة . وهكذا فأمام الإجماع القائم على وجوب الحد من اقتصاد الريع فإن الأمر لا يحتاج إلا إلى امتلاك الشجاعة الكافية لمواجهة جيوب المقاومة التي ستلجأ بكل الوسائل المتاحة للحفاظ على مكاسبها وامتيازاتها, إلا أن هناك ترقبا كبيرا من قبل المواطنين لترجمة الأقوال والوعود الحكومية الخاصة بهذا الشأن إلى افعال ومنجزات وإلا فسيكون الحساب عسيرا في آخر المطاف.