ماذا بوسعك أن تفعل حين تشعر بأن جسدك كله مجرد قدم حافية تمشي بوقاحة في مستنقع غوير؟ هل بوسعك، مثلا، أن تصحح مزاجك السيء بأن تضع إكليل ورد على كتف تمساح، ثم تمضي إلى حال يأسك مرفوع الرأس؟ ليس أمامك، وأنت أعزل وموحل ومشقق، سوى أن تشن هجوما صاخبا، كضواري العصر الحجري الأول، بكل الأسلحة الثقيلة والمحرمة، وأن تكتب ضد الجميع، وضد الأحلام الشائعة، وأن تستدعي الأكفان والنعوش لتدفن البشرية كلها دفعة واحدة، وأن تتحول إلى بكتيريا قذرة تكتسح كل الخلايا الحية التي تعترض طريقها، وأن تكون سكينا حادة عوض أن تطمئن للحم الغفير القابل للتعفن، وأن تكون أنيابا غير مهذبة في كبد إجاصة غادرت لتوها البستان. كي تكون كاتبا «جيدا» عليك أن تنتج نصا سيئا بأخلاق دراكولا. النص الذي يشبه الصفعة المفاجئة. النص الذي يتحيز للقنابل النيترونية الخرقاء بدل أن يعلن انتماءه لابتسامة طفلة تمد باقة ورد للجنود الأمريكان. النص الذي يتفوق على قوانين حمورابي، لأنه مثل فأس في خاصرة، ومثل حصاة مشاغبة في حذاء، ومثل شق ماكر تحت أرضية شرفة مفتوحة.. أن تكتب نصا «سيئا للغاية» معناه أن تأكل ابتسامتك قبل أن تصفق الباب وراءك بعنف، أن تترجم الركاكة بدل أن تقتفي النظام.. أن تكون مستعدا دائما لحمل الطمأنينة على نقالة موتى.. أن تكفر بكل الأوثان وتحرق كل العواصم.. أن لا تكون بركانا ميتا أمام الطغاة وحاطبي الأرواح الأشرار.. أن تقع على النقيض تماما من توقعات النشرة الجوية.. ليس جديرا بك أن تكتب مثل فرنسيس فوكوياما عن «الثورة الهادئة»، ولا يعنيك أن تنتصر للتاريخ، وليس مطلوبا منك تماما أن ترتدي قميصًا من الطحالب للتعرف على عمق الماء. لا تكن قياسا لأي شيء. لا تبحث عن طريقة جديدة لتقبيل يأسك. اجعله يقبلك، وحدِّثه بجدارة الند عن الأرض التي تتبرع كل يوم بعشرة آلاف جثة.. إذا أردت أن تكون كاتبا طريا على الدوام، عامل الأرض مثل كوكب مذبوح. أكتب دون أن تنسى بأنك ميت ميت لا محالة. لا تركض خلف «المجد الأدبي» و»الأيادي التي تصفق» و»الحناجر التي تهتف». حاول أن تغمض عينيك على اتساعهما ثم اركض بكل قوتك (وأزيد قليلا) كحصان أهوج فوق سهل فسيح أجرد.. لا تكتب مثل الآخرين، ولا تتعبأ بالمعجزات. كن أنت المعجزة التي لا يؤمن بها أحد سواك. لا تحاول أن تكون ورعا، ولا زنديقا. كن أنت وكفى. أقتل جميع الآخرين، واخترع لغة أخرى، وعش في مغارة باردة. لا تشعل النار لتنكشف، ولا تسرقها، ولا تكن جسدا وثيرا للأناشيد. لا تعر هوميروس اهتماما، ولا تكن ظهرا طافحا بالملاحم القديمة.. لا تكتب عن الطائر المحلق في السماء، ولا عن ماسح الأحذية ذي العينين الحزينتين الغائرتين، ولا عن الوردة التي تغتسل كل صباح بالندى قبل أن تُمزِّق حبل وريدك. لا تكن رومانسيا. كن، مثلا، طاعونا أو مجاعة، ولا تكن قنبلة موقوتة.. لا تكن ممتلئا بالأعياد، كن جبارا كمقصلة؛ حتما أيها الكاتب السيء ستكون أجمل من آخر زفرة على الحلبة.. أقصد حلبة الكتابة وهي تحولنا إلى كيس تداريب، الأقوى هو من يتحمل.. والأقوى هو من يستطيع أن يثرثر قليلا حين يحتقن بالمقابر والضجيج..