في طريق خالية، تلفح فيها الشمس أشد البشرات اسودادا، وتسمر أشدها بياضا، وتوهم بقرب نهاية الطريق، بين رمال متصلبة، متشققة على أرض "جديدة"، وحجارة مبعثرة على جنبات الطريق، ومنتأة تكاد تخترق حذاء "راعي البقر" المشدود على رصغ الرجل بشدة، بكعبه المتآكل، ومقدمته الحادة، تمشي وتمشي وأن تشتم رائحة الغدر، رائحة الموت، وترى أشباحا قصيرة القامة، محترقة البشرة، متصافة كعائلات بين جنبات المباني، أشباح على رؤوسها ريش طيور، وفي أياديها رماح مكسورة، وبين أرجلها قيود صدئة قديمة، بينها شيوخ ونساء وأطفال. ترى تحت الأفق على مد بصرك جبالا كلسية ضخمة مشققة القمم راسية على شكل رجال أقوياء، وفوقه سماء حمراء غاضبة، شمسها جديدة، وقمرها كبير دائم الاكتمال وشديد الاقتراب. تبدأ في الهرولة، فتمر على صحراء صامدة ذهبية ومقابر جماعية على رأس كل رأس صليب، وضع رغما عن عقيدة الأموات... أموات دفنوا دون ترك وصية، فأخذ الإرث كاملا، دون قسمة، حتى اكفهرت السماء. تمر على مقابر دون نهاية، مقابر حمر، ومقابر سود، ومقابر السمر، ومقابر عهود اللويزيانا بورتشايس تلغى وتقبر تحت الأرض، أرض الذهب، الأرض الشاسعة، أرض الثروات، أرض المستقبل، أرض الحلم، أرض اغتصبت، واغتصبت منها الأحلام بقوة... أرض الكلورادو، ذي أميريكاس. تركض وتركض، لتهرب من غضب الأرض وقوة امتعاض السماء، تركض لتهرب من ريح غدر أيادي بيضاء، وجشع عيون زرقاء، ومكر قبعات "الكاو بويز"، لكن الأشباح تلحق بك في كل مكان، والسماء تسبقك بلا نهاية، يسبقك غضب الإله، يسبقك مآلك الحقير، كما سبقت أفعالك الشنيعة التي لا زالت تلاحقك كلما ركضت. كما نزلت كلعنة على آكلي لحوم البشر، وجعلت خيامهم أكفانا لجلودهم الحمراء، عاجلا أم آجلا ستنزل عليك لعنة الكارما، وستقبر تحت سماء المحيطين، لتعود أشباح السود إلى موطنها، ولتنعم أشباح الهنود بانتقام الإله وتعذب في سكينة بين أراضي أميريكاس. بين أحداث إرهاب ضد الإرهاب، أحداث حروب ضد هجمات، أحداث قروض ضد استهلاكات، أحداث رئاسة ضد تكهنات، أحداث أحدثت لتنهك ساكنة وتسلب أرضا وتحدث دمارا وتسود في صمت، ستعود أحداث على أصحابها بحطام مهول، وفاجعة مدوية، ستأتي أحداث كارما وستدور على أصحابها بدوائر الفناء. استمتع بالموسيقى أثناء القراءة ديوان "مسك الليل" لكاتبته "مايسة سلامة الناجي" قريبا في الأسواق [email protected]