تعيش فرنسا اليوم تفاصيل أعقد عملية تبييض الأموال في تاريخ محاربتها للجريمة المالية، كما تواجه أول شبكة تهريب مخدرات على المستوى الدولي أكثر دقة وتنظيما، يديرها مواطنون سويسريون وفرنسيون من أصل مغربي، هم الآن رهن الاعتقال. الشبكة، التي يتوقع أن يكون أفرادها من أصول يهودية مغربية، كانت تهرب القنب الهندي من المغرب الى فرنسا عبر إسبانيا متبنية حيل التبييض وغسل الاموال وإعادة استثمارها ،ومعتمدة على شخصيات بارزة في المجتمع الفرنسي. لم يكن العقل الأمني الفرنسي يصدق أن التحقيقات الميدانية التي باشرتها السلطات الامنية منذ فبراير الماضي سوف تميط اللثام عن شبكة تضم وجوها جد مهمة من المجتمع لفرنسي من بينهم محامون، مديرو مؤسسات بنكية، مهندسون معماريون، ورجال اقتصاد، ونائبة العمدة بالمقاطعة الباريسية الثالثة عشرة. شبكة أكثر دقة وتنظيما اعتمدت علي أخوين سويسريين من أصل مغربي صاحب شركة مالية في جنيف كان مدبر حيل التبييض وغسل الأموال وإعادة استثمارها. فقد سلط الإعلام الفرنسي الضوء على الطريقة الذكية التي اتبعتها هذه الشبكة، معتمدة في ذلك على شركة مالية في جنيف لسويسريين من أصل مغربي، لتبييض الأموال المتحصلة من تجارة المخدرات وتحويلها، والتي اتسمت بالدقة وتعدد الأطراف والمسارات الجغرافية. وذكرت مصادر إعلامية أن تبييض وتحويل الاموال« الوسخة» كان يعرف مسارات متعددة قبل أن تتحول إلى أموال يتم استثمارها في قطاع العقار بالمغرب، فأموال الحشيش المهرب من المغرب إلى فرنسا عبر اسبانيا، كانت توزع على شخصيات فرنسية وازنة في المجتمع بعد خصم عمولة المهربين الإسبان، لتتحول بعد ذلك إلى أرصدة في سويسرا مقابل عمولات للمستفيدين، وبعد غسلها يتم تحويلها إلى بريطانيا، ثم إلى «باناما»، في طريقها الجغرافي يتم استثمارها، ليصل جزء منها إلى المغرب. وقال المحققون إن إيرادات الشبكة الأكثر دقة وتنظيما، والتي يديرها مواطنون سويسريون وفرنسيون من أصل مغربي، هم الآن رهن الاعتقال، الشبكة، كانت تنقل عبر نظام معقد من الحسابات البنكية السويسرية والشركات الوهمية، وقالت ان الشبكة نقلت نحو 12 مليون أورو بين ماي واكتوبر . وقال مكتب المحامي العام السويسري في بيان" «سمحت هذه الآلية بإخفاء العلاقة بين تهريب المخدرات في فرنسا وغسل الارباح في سويسرا"». وتقدر الشرطة الفرنسية حجم المبالغ التي تم تبييضها خلال الأشهر الخمسة الماضية، بنحو أربعين مليون يورو. ويقول مارك سوفيرا من المكتب المركزي لمكافحة الفساد المالي «"هناك مهربو مخدرات وهناك وسيط يستعيد الأموال، ويسلمها لزبائن يحتاجون الى النقد، وعملية بهذا الحجم تعد الأولى في فرنسا"». سويسريا فقد داهمت السلطات السويسرية، في اطار هذه القضية، مكانا سريا مخبأ خلف خزانة ملابس يحتوي على نقود وأغراض ثمينة بقيمة نحو ثلاثة ملايين فرنك سويسري 3.2 مليون دولار). وتستجوب الشرطة السويسرية أيضا موظفين في «شركة قديمة في جنيف» وموظفا في بنك دولي كبير يتخذ من جنيف مقرا له، يشتبه في أنهما ساعدا عمليات سداد الاموال. ووفقا للقيود التي تفرضها سويسرا على السرية لم تعلن السلطات أسماء الشركات. وتسعى سويسرا لتعزيز سلطات وحدة مكافحة غسل الاموال لديها، وأعلنت في العام الماضي أنها رصدت تدفق أصول مريبة وصلت الى نحو ثلاثة مليارات فرنك سويسري إجمالا، وهو رقم لم يسبق له مثيل. فرنسيا كانت المفاجأة كبيرة في الحقل السياسي الفرنسي بعد أن انتشر خبر الاشتباه بفلورانس لومبلان، المنتخبة البلدية نائبة عمدة المقاطعة الثالثة عشرة بباريس في مساعدتها لشبكة فرنسية سويسرية كبيرة في تبييض الأموال. ففي الوقت الذي تنفي فيه لومبلان تورطها في القضية، تتسارع ردود فعل الطيف السياسي في باريس، منهم من يطالب بتقديمها لاستقالتها مع التأكيد على أن «المتهم بريئ إلى ان تتثبت إدانته» كما قال بيرتران دولانوي عمدة باريس. وهو الامر الذي جدد النقاش أيضا حول طبيعة العلاقة بين سياسيين من عيار ثقيل وبعض أطراف المجتمع الفرنسي «المشبوهة» من أجل وساطة أو تسهيل مأموريات أو الوصول الى شخصيات لقضاء مآرب معينة، ثم إن ذات العلاقات بالنظر لعدد القضايا التي طرحت أمام القضاء الفرنسي تنتشر في أوساط بعض المنتخبات والمنتخبين البلديين( أجانب حاملين لجنسية فرنسية) سواء في أمور بسيطة مثل التوسط في من «أجل الحصول على سكن» أو «تسوية الوضعية غير القانونية» لمهاجرين غير شرعيين كان آخرها لمنتخبة فرنسية من أصل مغربي في الضاحية الباريسية منذ أقل من سنتين. وقالت مصادر أمنية فرنسية إن ثمانية أشخاص يتم التحقيق معهم وضعوا تحت المراقبة القضائية، ودفعوا كفالات تتراوح بين ثمانين ألف يورو ومليون يورو، وقد دفعت لامبلان أقل مبلغ، أما الشخص التاسع فقد بقي رهن الايقاف التحفظي لتورطه في الاتجار بالمخدرات. وفي المجموع سبعة عشر شخصا استدعتهم الشرطة الفرنسية للتحقيق خلال الأسبوع الحالي، كجزء من تحقيق يتعلق بالاتجار بمخدر القنب بين المغرب ومنطقة باريس، وثلاثة آخرون تم استدعاؤهم في مدينة جينيف السويسرية. كما صادر المدعون أكثر من مليون يورو نقدا ولوحتين فنيتين تبلغ قيمتهما معا مليون أورو، وسلاحين آليين وست سبائك ذهبية.