لم نجد أي شيء عن ثقل الماضي، الذي طبع إنشاء وكالة إيفي للأنباء. لاشي ء من ماضي ثقيل بدأ منذ 1938، مع نهاية الحرب الأهلية وانتصار الجنرال فرانكو، وكل ما وجدناه انشغالات حاضر ثقيل، ومستقبل يطرح الأسئلة الصعبة على إحدى أقدم وكالات الأنباء في العالم. ولا يبدو، أيضا، أن ملاذه في حضن قلعة فرانكوية، كبديل للوكالة الأم، قد عرقل تطورها، فهي اليوم، رابع وكالة من حيث حجم الانتشار، كما أنها تدافع عن استقلالية واسعة في عملها. قال الوفد المستقبل لنا، أمام عمارة من طوابق عديدة، إن الوكالة تشغل في إسبانيا ما لا يقل عن 3 آلاف صحافي وعامل، وتتواجد في 120 بلدا، إنتاجاتها، كانت موضوع افتخار، بالكاد تخفيه السيدة المديرة المسؤولة عن قسم التواصل وصديقها كالفوس. منذ بداية الجلسة، سيعتذر المدير، لأن حدثا كبيرا هز مدريد «استقالة عمدة الحكم الذاتي في العاصمة، ايسبيرانسا اغيري، عن عمر يناهز 60 سنة، قضت نصفها في دواليب السياسة». بدا التوتر واضحا على مجمل الحاضرين من إسبانيا. قالت مرافقتنا إن السيدة تحظى بالاحترام حتى ولو كان الإنسان لا يشاطرها الرأي والقناعات. كان ذهابها قد تزامن مع وقفة احتجاجية في البويرطا ديل الصول دعت إليها تنسيقية الغاضبين ورفعت خلالها نخب الرحيل. أول ما يثير في تعريف إيفي أنها شركة مجهولة الاسم، وأن 60 % من ميزانيتها هي نابعة من مساهمات الزبناء، من مختلف القطاعات، والباقي بناء على عقدة مع الدولة. في مجلس الإدارة تجد الصحافيين والوزراء وممثلين عن القصر الملكي، «لاكازا ريال». وعن سؤال حول التدبير الإعلامي والاستقلالية، كان المسؤولون حريصين على إثباتها، والتأكيد على مساحة الحرية في عمل الصحافيين بالرغم من حضور الوزراء أو ممثلي الوزارات في مجلس الإدارة. كانت الجولة في قاعة الوكالة مناسبة للإطلاع على حجم الحضور البشري، ولكن، أيضا، عن بعض «المستملحات» مثل «شارع الجمهورية» المكتوبة على باب المديرة التي استقبلتنا. لم تفتر الوكالة وقد تأثرت كثيرا بالأزمة التي تعصف بإسبانيا حاليا. لكن المثير فعلا هو أن فيدرالية الجمعيات المهنية لإسبانيا، وهي فيدرالية الصحافيين والباطرونا الصحف والاذاعات.. كشفت عن رقم مهول يتحدد في فقدان 8 آلاف صحافي لمناصب الشغل. الأغلبية الباقية، تقول إيلسا دياث واوروليو مارتيناث، تقتطع من أجورهم. يسلم الصحافيون، أحيانا، بالأزمة في إسبانيا ووقعها، ويحتكمون إلى سلامة المؤسسة، أحيانا أخرى، كما قع أمام مقر إيل باييس يحملون الصفارات و«يملأون» الدنيا صفيرا، كلما دخل وفد أو شخص، كما وقع مع الوفد المغربي. ووصلت الأزمة إلى حد إغلاق مؤسسات إعلامية أبوابها، وفتح باب المغادرة الطوعية، بدون دراما أو تواكل. علق أحد الصحافيين المغاربة الحاضرين قائلا: «لم تعد هناك عقدة من الآن فصاعدا، فإذا فعلتها إسبانيا لماذا لا نفعلها نحن». وعرج الوفد على تجربة مؤسسة وطنية عريقة، وكيف هدد الصحافيون فيها «بنصب خيام أمام الجريدة»،..! أخلاقيات أقرت السيدة الزا دياث بتأثير الأزمة الاقتصادية على أخلاقيات المهنة! وسجلت انخفاض منسوب النزاهة والتعامل الشفاف وعدم الخضوع للتأثير. وهناك «من يستمر في عمله باستعمال أساليب غير شريفة أحيانا». وأخبرتنا بأن لجنة الأخلاقيات في إسبانيا ترأسها شخصية محترمة، وهي تسعى إلى التنظيم الذاتي والضبط الطوعي لسير المهنة الإعلامية. نائبها السيد اوريلو تحدث عن «الفوضى أو الثورة» التي تطبع حالة الإعلام، وعلى مستويات عديدة، وهي فوضى سببها مرحلي ومحوري، مرتبط بالأزمة وبالتغييرات الإلكترونية الهائلة التي تهز النسق المهني .. وقد تابعت الرئيسة ونائبها كلمة توفيق بوعشرين، باسم مكتب الفيدرالية المغربية للناشرين، باهتمام بالغ، لاسيما عند الحديث عن الحوار الذي يطبع اليوم حياتنا المهنية بخصوص المجلس الوطني للصحافة، والذي يمثل محور النقاش المؤسساتي حول الإعلام إلى جانب قانون الصحافة وعقد البرنامج. كان مفاجئا أن تصرح بأن إسبانيا تعطلت في وضع قانون خاص بالوصول إلى المعلومة، وأن المشروع لم يقدم سوى حديثا إلى البرلمان تحت مسمي قانون الشفافية، وكان مثيرا، أيضا، أن تطلب توضيحات أكثر بخصوص المجلس الوطني للصحافة ومبررات تنظيمه. من مقر الفيدرالية «لافابي»، الذي وجدناه في بناية لوزارة الاتصال!! إلى مقر إيل باييس، وجدنا السيد سامبريرو في استقبالنا. وقبله بقليل، كان المتظاهرون يحملون صفاراتهم ويشقون عنان السماء بالضجيج، تعبيرا عن رفض طردهم. طبعا، كان سمبريرو هناك، لكي يقول لنا بأن «المتظاهرين ليسوا من إيل إلباييس». طبعا المسأله: هل جاؤوا من إيل موندو لكي يحتجوا أمام إيل إلباييس، لأننا كنا نعرف بأنه لولا قليلا من الحياء، لقال إنهم جاؤوا من .. لوماتان المغربية!! هو ذا سامبريرو العظيم، الذي قال في حقه صحافي إسباني إنه «مراسل المغرب من مدريد»، لأنه أصبح مقيما في عاصمة بلده، ويكتب عن عاصمة بلادنا، بسبب عجز مالي سببته الأزمة. على كل مع إيل باييس كانت الجلسة ذات طعم خاص، لا ينافسه سوى طعم الجلسة مع صحافية إيل موندو التي طردها المغرب.