تستمر فعاليات المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا في الإحتفاء بالفن السابع الدولي والوطني، عبر فقرات متنوعة غنية، تسم الدورة السادسة بميسم خاص. وتعتبر فقرة المسابقة الرسمية للأفلام السينمائية الروائية الطويلة أحد أهم فقرات المهرجان. وفي هذا الصدد ترك عرض فيلم البوسنة والهيتسيك بعنوان «دجيكا» (أطفال سراييفو) استحسانا كبيرا من طرف جمهور النقاد والسينمائيين الحاضرين. تحكي قصة الفيلم البوسني حياة الشابة رحيما 23 سنة، صحبة أخيها نديم 14 سنة، يتيمان يعيشان حياة مختلفة على طرفي نقيض، بعد مخلفات الحرب ووفاة والديهما. ويبدو أن مخرجة الفيلم عايدة بيجيتش توفقت في تقريب الجمهور من حيثيات أوضاع اجتماعية كثيرة عرفها البلد حديثا، في تنصل تام لما يمكن أن يربط المجتمع بالأطفال والشباب. وبتوظيف موفق لقدرات المخرجة عايدة بيجيتش في مجال إدارة الممثلين حصلت على نتائج مهمة على مستوى عمل الشخصيات، وخاصة ما تعلق بتمكن شخصية رحيما وشخصية نديم من إبراز قدرات فنية كبرى سهلت تسليط الأضواء على تحولات مجتمع تغيرت بنياته السياسية والإجتماعية والنفسية كليا. وبالعودة إلى أحداث الفيلم، نجد رحيما شخصية بوسنية متحجبة مسلمة، ترعى أخاها بعد وفاة الوالدين، تأمل أن يتابع نديم دراسته ويمثل النموذج والقدوة، لكن تكتشف متأخرة أن أخاها يهرب من الدراسة ويملك أصدقاء أشرار، مما ينعكس على حياته كتلميذ عنيف بالفصل الدراسي، يقوم بالاعتداء على أحد أبناء نافذين سياسيا بالمدرسة، ليؤثر الأمر كليا على مسار حياة أخته رحيما، ويدخلها دوامة مشاكل. ولعل أبرز المكونات الجمالية للفيلم هو الحرص الشديد للمخرجة على تتبع شخصيات الفيلم وخاصة الشخصية البطلة عن قرب، عبر لقطات تركز على وجه رحيما وقسماتها وانفعالاتها، مما ييسر ولوج العوالم الداخلية للشخصية، كما أن اعتماد تصوير أغلبية المشاهد داخليا (البيت، العمل، ملات التسوقن المدرسة..) يرسخ فكرة انقطاع الشخصيات وهروبهم من عوالم الخارج السلبية. ويتجه منحى الإظلام بدوره في نفس سياق إنتاج معنى الواقع الإجتماعي الأسود. في المقابل، شد أيضا جمهور المهرجان الفيلم الهولاندي «أنكريد جونكر».. وهو الفيلم الذي حاور تيمة مغايرة لما سبق، من حيث كونه يعود بالمتلقي إلى سنوات الستينيات في جنوب إفريقيا، حيث تعيش ابنة وزير الرقابة الجنوب الإفريقي إنكريد مع زوج لم تختره طوعا، فقط لتنجو من سلطة أبيها، الذي كتم أنفاسها منذ الصغر، ورغم محاولات أنكريد كسب حب الأب مرات عديدة. راهنت المخرجة الهولندية باولا فان دير أويست على تقديم عمل سينمائي مختلف، تسلط الضوء على علاقة الشعر بالحب والجسد والجنون.. إنها قصة الشاعرة أنكريد التي تنجو من غرق وسط البحر على يد الأديب الشهير جاك كوب، لتسقط في شراك حبه من النظرة الأولى. بعد عدم توافق العشيقين على الزواج ورفض أبيها مساعدتها على نشر إبداعاتها، ومشاهدتها لجملة أحداث اجتماعية وسياسية عمقها ميز عنصري صارخ، ترفض أنكريد هذا الواقع الرديء، وتصطدم بصعوبات تحولها، رغم الهرب إلى باريس، إلى كائن بلا روح، وهي مدعومة بعزة النفس ورغبة استقلال جامحة تقوم بردود فعل يصفها البعض بالجنون.. اكتسى الفيلم الهولاندي «أنكريد جونكر» أهمية خاصة لكونه يطرق موضوعات غاية في الأهمية، كما شكل التصوير بالفيلم لوحات تشكيلية جميلة، فضلا عن بناءه الدرامي المحكم، إلى جانب مكونات فنية ساعدت في كسب العمل ميزة خاصة. وضمن فعاليات المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا تابع الحضور الفيلم السويسري «طفل الأعالي» للمخرجة أورسولا ميير، التي تقدم للجمهور فيلما أوروبيا مختلفا عن معاناة فئة اجتماعية لا يأبه إليها أحد بالمجتمع السويسري. تحكي قصة الفيلم أحداث من حياة سيمون، طفل ب 12 سنة، يعيش بمفرده بعد وفاة الأم والأب مع أخته لويز 18 سنة، التي تفقد عملها، لتجد نفسها مضطرة لقبول ما يأتي به أخوها سيمون من مال وأغذية عن طريق السرقة، من المنتج السياحي على مقربة من ثلوج أعالي الجبل المجاور للمدينة الصناعية حيث يعيشان. سيل من المقالب والوضعيات يواجهها الطفل سيمون، مرات يفلح ومرات يفشل في جلب ما يكفي من مال لحاجيات البيت. معاناة الوحدة والإنكسار والمهانة تخيم على قسمات وجه بريء، لكن المخرجة السويسرية أورسولا ميير تتوفق في تقديم حالة إنسانية صادمة لمجتمع جرت العادة تقديمه في مصاف البلدان المتقدمة المعتنية بحقوق الطفل والإنسان. ومن أعماق إفريقيا، تأتينا المخرجة الفرنسية بتجربة سينمائية مغايرة، لتحدثنا في فيلم «سر الطفل النملة» عن مسلكيات ونمط تفكير اجتماعي غرب، يؤدي بالطفل الذي تزداد لديه سن في عمر مبكر إلى الموت، باعتباره إنسان مسحور ومشؤوم. تنجح المخرجة الفرنسية كريستين فرونسوا، عبر قصة مستقاة من الواقع الاجتماعي لبلد البنين، أن تسلط الضوء على شريحة اجتماعية واسعة من الأطفال الذين يتعرضون للقتل العمد جراء معتقدات وشعودات بعيدة عن منطق العقل والحياة والإنسان. إنها شخصية الشابة الفرنسية سلين التي تسافر خلال عطلة إلى شمال البنين، حيث تصادفها فتاة تودعها طفلا رضيعا وتختفي وسط الغابة المترامية الأطراف. تقرر سيلين أن تتبنى الرضيع وتهاجر معه إلى فرنسا. وبعد أن يكبر يجد صعوبة في الإندماج، ترى معه البطلة ضرورة للعودة للبلد الأصل للبحث عن والدي الطفل. ورغم تثاقل الأحداث، وتواضع البناء الدرامي، إلا أن أبرز ملمح بالفيلم هو استغلال المكون الديني المسيحي بالعمل وترسيخ فكرة نبل الآخر أمام دناءة وجهل الإفريقي. ولجودة أفلام المسابقة الرسمية، لازال عدد من الفنانين المغاربة والأجانب، وفعاليات من عالم الأدب والنقد والمسرح والتلفزيون والإعلام، تراود المركب الثقافي والسينمائي هوليود عاد المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا لتتابع الدورة السادسة، عبر برمجة سينمائية تجمع بين المغربي والإفريقي والأوروبي والآسيوي والأمريكي، برمجة غنية ومتنوعة.