وجدت بعض الأعمال الدرامية في ثورات الربيع العربي مادة دسمة لنصوصها التي تشق طريقها نحو المشاهد، ف «مصائب قوم عند قوم فوائد». تحدث الاعلامي محمد سعيد/ سوريا، عن سينما تنبع من الثورة الداخلية لهذا البلد الذي يعرف أحداثا دامية بفعل الحرب التي تدور رحاها هناك. إنها سابقة فنية تحمل في طياتها مخاطر متعددة لكنها محك حقيقي لكل المشتغلين بالدراما التي تجسد نبض الشارع العربي ومعاناة أهله. الثورات العربية من خلال سيناريوهات جديدة حدث تطبعه جمالية خاصة فرغم مشاهد التقتيل والاغتصاب والتنكيل وغيرها من الأساليب المستحدثة في الحروب جاءت بلون مغاير عما سبقها من الأعمال وحملت بذلك أسلوبا جديدا في التحريض على التحرر والانعتاق من الاشكال الكولونيالية الداخلية والتي تجسد غطرسة وجبروت الحاكم العربي وذل وهوان باقي المستضعفين فوق الأرض. المشاركة في مثل هذه الاعمال الدرامية اعتبر متنفسا جديدا ومنعطفا منفتح التشكلات صلب البنية وبالغ المعنى، ومدرسة ينهل العارفون بها من معين فنها الذي لا ينضب. «هيك صار معنا» دراما سورية ثوتق للمقاومة من وسط الثورة وتضع المشاهد أمام تحد كبير من خلال مشاهد تعري المخبوء في عالم السلطة والتسلط واشكال مقاوتهما بأبسط الوسائل من اجل كرامة الإنسان العربي خاصة وغيره في بلدان العالم بوجه عام. رغم ما تقدمه هذه العينة الجديدة في حقل الدراما من مشاهد صادمة، والتي أصبحت معتادة، عن معاناة الشعوب ورفضها لأساليب القمع والتجويع وتكميم الأفواه، وانتفاضتها الجارفة ضدا على واقعها الموشوم بالانتهاكات الخطيرة وإيمانا منها بأن ضريبة الحرية تستوجب نضالا حتى الموت، فإن قيمتها الفنية على مستوى المتن وبلاغة صورها توحي بالشيء الكثير وتطلع المشاهد من المحيط الى الخليج على مفهوم الثورة ورجالاتها وأن لاحياة بدون كرامة وأنه يكفي الايمان بقضية التمرد على الخوف المطبث للعزائم والتسلح بالشجاعة والشهامة العربية لبلوغ مرحلة التغيير التي اطاحت بالديكتاتوريات العربية كما وقع بمصر وتونس وليبيا. مثل هذه الاعمال السينمائية تسوق وبشكل مباشر نمطا جديدا في التعامل مع الاحداث، وهو ما يذكرنا بمرحلة سابقة من تاريخ المغرب، حيث اتخذت المقاومة ضد المستعمر الفرنسي والاسباني من المسرح والموسيقى والغناء والفن بشكل عام وسيلة واذاة لطرده من البلاد واسترجاع حرية وكرامة المغاربة عن طريق اعمال درامية انتهت بأصحابها الى السجن منهم من قضى نحبه هناك من أجل الوطن. كانت الغاية واحدة ولاتزال منذ تعرف الانسان على اشكال التعبير بحيث فكر بثاقب بديهة وتفتق موهبة وقوة إرادة ان يجعل من كل الوسائل الفنية المتاحة قنطرة بلوغ كل الغايات النبيلة السامية التي تنشد مناهضة أشكال العنف وعدم احترام حقوق بني الانسان وسلب الحريات والكرامة البشرية. لم تكن الثورات العربية زوبعة في فنجان، بل كانت رافدا من روافد الابداع الادبي والفني، فكما القصيدة والقصة والرواية تحكي صور الهمجية الحاكمية، فإن المسرح والسينما وأعمالهما الدرامية بمختلف مشاربها وتشكل أنواعها أثارت كل النعرات التحررية الاخرى فمن ميدان التحرير المصري والذي شهد تقديم العديد من العروض الفنية تسخر من تشبث الرؤساء بكراسي الدولة ونياشين البذل انتقلت عدوى هذا المشهد الكبير الى سوريا حيث أتت على الأخضر واليابس وأسست لمشهد جديد هناك صورته أكثر قتامة وأبلغ حكمة. الدراما إذن لاحدود لها ولا تعرف المستحيل ولا تقف عند المتخيل، بل تتعداه إلى أكبر من ذلك في قالب فرجوي معاكس يبكي ويضحك في نفس الآن لكن بمادة من صنع الشعب يقدم من خلالها للشعب أيضا موارده البشرية أجسادا كديكور يؤثث كل الشوارع والمنازل وبنادق ورصاص أكسوسوارات تملأ الفضاء بدخان الفيموجين الحقيقي بمخرجين جدد من الجيش الحر وكومبارس من شباب الثورة ولباس ملون من رايات جديدة تؤرخ لدراما الدم العربي الأصيل.