تمثل الثقة في النفس، عند ممارسة الديبلوماسية، ورقة قوة، كما تعتبر منهاجا لرصد التحولات برصانة وتؤدة وتعميق التفكير. وتنشر الثقة في النفس، في العلاقات الديبلوماسية للدولة، الطمأنينة والحوار الجدي والسرعة على التفاعل مع القرارات، مهما كانت طارئة بمرجعيات قوية وصلبة تحميها من الإرتجال والبحث عن الأزمات. وقد اختار المغرب، منذ مدة التعامل ببينة في التوجه إلى حلفائه الاستراتيجيين والإقليميين، عندما فضل لغة الحوار، والتطمين والهدف المشترك، والتعاون. والمغرب يعيش اليوم في منعطف قلق ومضطرب، وجوار لم يستقر بعد على سكة نهائية، يلزمه التبصر والتريث، والخطاب العقلاني الهاديء، ومعالجة الأوضاع التي قد تخلقها القراءات المتسرعة أو المرتجلة للأحداث. فلم تكن صدفة أن يخاطب ملك البلاد الجارتين إسبانياوالجزائر بلغة العقل والجوار والهدف المشترك. فمازلنا نذكر أن الفترة التي سبقت الخطاب الملكي تميزت بعلاقة توتر مع الجارة إسبانيا، عندما زار وزير داخليتها الريف المغربي، وظهر جليا تضارب المواقف في الحكومة المغربية، وتم استدعاء السفير الإسباني حول الأمر، وطوي الملف بدون أن يعرف الرأي العام الأسباب التي بنت عليها الديبلوماسية المغربية، ووزارة الخارجية بالذات، موقفها. وقد تقدم المغرب بيد المساعدة والتعاون إلى إسبانيا في محنتها الحالية، كما جعل من الأمر موضوع خطاب السلطة العليا في البلاد. كما يستحضر المتتبعون والمهتمون بالشأن الديبلوماسي للمغرب التوتر الذي طبع العلاقة مع الجزائر في الآونة الأخيرة، والتي جعلت العلاقات تزداد تأزما وتوترا، بشكل مثير . والتسرع الذي طبع التصريحات الخاصة بها، سواء من حيث التسرع في إعلان التفاؤل، كما هو حال فتح الحدود ، أو التسرع في إعلان التشاؤم كما هو حال القمة المغاربية. ولهذا كان الخطاب الملكي استراتيجيا في التعامل مع تحولات المنطقة، بناء على قواعد ثابتة في الممارسة الديبلوماسية المغربية. مؤطرا، كما قال جلالته ب« الثقة في الذات ، واحترام الشرعية الدولية ، والإلتزام بكل ما يعزز السلم والامن الدوليين ، ومناصرة القضايا العادلة ، وتقوية علاقات التعاون الدولي في كل مجالاته. ففيما يتعلق بمحيطنا المغاربي المباشر، فإن التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة ، تمنحنا فرصة تاريخية للإنتقال بالإتحاد المغاربي من الجمود الى حركية تضمن تنمية مستدامة ومتكاملة . لقد سبق لنا أن دعونا الى انبثاق نظام مغاربي جديد ، لتجاوز حالة التفرقة القائمة بالمنطقة ، والتصدي لضعف المبادلات ، بقصد بناء فضاء مغاربي قوي ومنفتح . وإلى أن يتم تحقيق هذا المبتغى الإستراتيجي ، سيواصل المغرب مساعيه في أفق تقوية علاقاته الثنائية ، مع كافة الشركاء المغاربيين ، بمن فيهم جارتنا الشقيقة الجزائر. وذلك استجابة للتطلعات الملحة والمشروعة لشعوب المنطقة، لاسيما ما يتعلق بحرية تنقل الأشخاص والسلع ورؤوس الأموال والخدمات».