الدارالبيضاء: 5 شتنبر 1915 (يواصل الماريشال ليوطي هنا تحليله لمعنى الإنتصار لتنظيم أول معرض دولي بالدارالبيضاء في زمن الحرب العالمية الأولى. الذي اعتبره انتصارا للتنمية على الحرب. هنا يواصل تحليله للحدث). ليس فقط من أجل زيارة تفقدية عسكرية دورية عادية، ذهبت منذ أيام، بعد أن اطلعت على آخر ترتيبات هذا المعرض، إلى تادلة، هناك في الصف الأمامي للمواجهة (مع المقاومة المغربية)، وعدت منها البارحة. لقد أحسست إلحاحية الإبقاء على رؤيتي الواضحة لما يفرضه علي واجبي هنا، حتى أكون دوما أمينا في نقل واقع الحال كما هو، فوجدتني ملزما بتجديد التواصل مع قواتي العسكرية، وقبل أن أعود هنا معكم بصفة المقيم العام، كنت في حاجة أن أعود إلى جلد القائد العام. آه، كم أود أن أشرككم جميعا في ملاحظاتي الأولية السريعة. البداية كانت في برشيد، تلك المدينةالجديدة، حيث قدمت لي معلومات حول أشغال البناء والسكة والمدراس. ثم مررنا على ابن أحمد، حيث شاءت الصدفة أن يتزامن مروري مع موسم سنوي، ما جعل حوالي 5 آلاف فارس متجمعين هناك، بلباسهم النظيف وكانوا يحتفلون بسباق جيادهم وإطلاق البارود، حيث أحاطوا بي فرحين بالغلة الجيدة هذا الموسم، بالعدل المضمون، بالأمن المستعاد، بالغد الواعد، هنا في أطراف الشاوية التي كانت متروكة للفوضى من قبل، تعمها السرقات. واليوم، هناك أمن مطلق وليس هناك ولا سبب واحد لعودة فوضى البارحة غير البعيد، والجهد العسكري المتواصل هو الضامن لذلك الأمن. ثمانين كلمترا بعد ذلك، أخدتني السيارة إلى وادزم، تلك الجبهة المتقدمة المشتعلة البارحة قريب، والتي هي اليوم قاعدة عسكرية لنا تتجمع فيها كتائبنا في ثكنات تضم السينغاليين، والمتطوعين المحليين، والجنود الفرنسيين، وكلهم على أهبة الإستعداد للإستجابة لأول نداء للتحرك لمواجهة الخطر. وبعد عشرين كلمترا، نجد أنفسنا في أبي الجعد، المدينة المقدسة، التي جوارها توجد فرقة احتياطيينا، التي هي عبارة عن كتيبة فرنسية عادت منذ أيام من جبهة الحرب في فرنسا. وأخيرا، وصلنا قصبة تادلة. الخط المتقدم للمواجهة على نهر أم الربيع.، والذي تمتد وراءه عالية جبال الأطلس التي لا تزال متمنعة علينا، بينما على السفح تلمح بالعين المجردة جماعات الفرسان الصغيرة، بسلاحها المرفوع، في انتظار الخروج للمواجهة. وفي تلك الثكنات، تحت شمس حارقة، في خيام وتحت مخابئ معدة بسرعة، التي يطلق عليها زوارهم بتلطف، لكن بدقة، صفة «أفران محرقة تادلة». تعيش على مدار السنة مجموعات جنود تعايشت مع الخصاص والعزلة والحرب اليومية، دون أن يمس ذلك بشعرة من إصرارهم، ومن علو عزيمتهم، ومن استعداداهم البدني. آه. إن ذلك هو الحصن الحصين الحي، الذي يمنحنا أن ننجز ما ترونه اليوم هنا. وكم هو جميل ذلك الإحساس الذي عشته جنب أولئك الرجال الطيبين، في تلك الساعات القليلة التي جمعتني بهم وهم يستحقون أكثر، لكنها كانت كافية لأصدر حكمي عليهم. وكم كانت سعادتي بلا ضفاف حين قلدت وسام صليب الحرب لقائدهم، الجنرال غارنيي ? دوبلسيس (Garnier ? Duplessis)، وللآخرين الذين استحقوه عاليا، سواء في هذه الجبهة أو في غيرها بفرنسا. ولقد استعرضت أمامي تلك المجموعات الرائعة التي كانت ضمنها كتيبة الزواف (Zouaves)(1)، التي تكاملت معها فرق المجندين من المجموعات 14 و 15 و16، أي أبناؤكم وإخوتكم، الذين كبروا في الجندية، والذين تشرفوا بضمان تحقق الحرية والسلاسة لأعمالكم هنا. آه. لن تستطيعوا قط إيفاء هذه القوات حقها، التي من أكادير حتى مراكش ومن تادلة حتى خنيفرة، ومن تازة حتى ملوية وورغة، تضمن أمن المغرب وتطور تنميته. ففي الثلج والبرد القارس في فصل الشتاء، وتحت قيض حر الصيف، يعملون بدون كلل. إنهم فعليا، أشقاء جنودنا على الجبهة وفي الخندق بفرنسا. وإذا كانوا لا يواجهون القصف العنيف المتواصل هناك، فإنهم يواجهون طلقات البنادق الفجائية عند كل منعطف هنا. ويواجهون تعب المشي الطويل والحرمان اليومي. والأكثر من ذلك، أنهم يشعرون أنهم بعيدون، عزل، وليسوا مثل إخوانهم الذين يحاربون وهم مسنودون بدعم وحماسة أمة بكاملها وراءهم. لقد واجهوا أياما سود، وكانوا يستشعرون عن جهل أنهم منسيون. وتلك الأيام ذهبت بغير رجعة. لقد حملت إليهم من فرنسا، اليقين أن بلدهم تقدر عملهم وجهدهم، وحملت إليهم الدليل الحاسم على ذلك، من خلال الرسائل الرسمية الحكومية، المرفوقة بأوسمة صليب الحرب، التي يعتزون بها أيما اعتزاز. آه. نعم. إنهم يراكمون العرفان، هم وقادتهم. وكم كنت أود لو كانوا جميعهم هنا جنبي، وفي المقدمة منهم الجنرال هنريس (Henrys). لكن، في آخر لحظة، هو والكولونيل سيمون (Simon)، قد ناداهم الواجب في تازة بشكل طارئ. وإن الرصيف الذي يحمي ظهوركم هنا، إنما هو قائم، ثابت بقوة هناك، لأننا نراقب جديا أي شقوق تظهر فيه ونعالجها. وأن نرقب هذا البحر الهائج (مغاربة الجبال) الذي يصطدم بها، وأن نرقب كل تياراته التي قد تخلق العاصفة. على الأقل، لقد تمكنت من إحضار الكولونيل دولاموت (de Lamothe) معنا، هو الذي يحرس لنا أقصى الجنوب. والكولونيل توفنيل (Thouvenel) الذي يحرس جنوبمكناس، والجنرال دوبليسيس (Duplessis) محرر خنيفرة، الذي أحضرته معي رغم ممانعته في ترك فرقه وجنوده. لكنهم، ليسوا وحدهم هنا من يقوم بواجبه. بل هناك المعمرون، التابثون في ضيعاتهم وفي أماكن إنتاجيتهم. وتحضرني هنا ذكرى قريبة. لقد حاولت أن أحمل واحدا منهم على العودة إلى ضيعته، هو الذي كان يستجديني بعطف وإصرار أن يلتحق بفرنسا بصفته رقيبا من جنود الإحتياط، فقلت له: «هنا في هذه الأرض قم بواجبك العسكري، وسط هذه المئات من الأهالي التي تثق فيك والذين يضمنون لك العمل والقلقون من التوترات القريبة المجاورة لهم، ووجودك معهم ضمانة أمان لهم. وفي حال غيابك سأكون مضطرا أن أوجه إليهم فرقة أو فرقتين مما سيكون على حساب دفاعنا الوطني». فهم الأمر. هكذا أنتم احتياطيو الجيش والمقيمون بالمغرب. فأنتم تتوزعون المهام والمسؤولية، إما بدعم قواتنا في الجبهات وإما بضمان التهدئة في المناطق المحررة بالمغرب. ولا يمكننا أيضا التقليل من الدور الحاسم لضباطنا وإداريينا في ضمان التهدئة ضمن المغاربة المتواجدين في المناطق المحررة والتي قمنا فيها بالتهدئة. وهنا التضحية هائلة وكبيرة، لأنهم يقومون بذلك بدون ممكنات دعة دائمة التي تنغص عليها أسباب الإنتباه اليومية، ويواجهون الخطر بقلوب صلبة في مهامهم اليومية، وذلك بما يفرضه الواجب من أجل حماية هذا البلد. لقد أدركوا دورهم جيدا، كما يعبر عن ذلك واحد منهم، من خلال أبيات شعرية مؤثرة، أقرأ عليكم بعض مقاطعها: «لكننا لم نبح بشئ، من فؤادنا الجريح تمة واجب نط، مؤلم هو، لكنه جميل: ابقوا، للحفاظ على هذا البلد الجديد من أجل فرنسانا المجهدة. ابقوا، من أجل سنابل القمح في بيادرنا التي تنظف حزماتنا هناك مثل ماء نظيف. ومن أجل أن يوسع جنود فرنساالجديدة كتائبنا هناك. ابقوا، كي لا تضيع ثمان سنوات من الحرث والألم ابقوا، أخيرا، كي لا يكون دم فرنسا أهرق سدى على هذه الأرض المغربية». سيداتي، أعلن المعرض الفرنسي المغربي الكبير للدارالبيضاء مفتوحا». * هامش: * (1) الزواف، هي فرقة عسكرية جزائرية من منطقة القبائل في بداياتها، كانت تعمل مع العثمانيين لضبط مدينة الجزائر، وحين احتلتها فرنسا سنة 1830 التحقوا بالقوات الفرنسية. والإسم مشتق من الكلمة الأمازيغية القبائلية «زوافا» أو «إزوافن»، التي تعني المحاربين. وأصبحوا جزء من الفرق التي أنشأتها فرنسا الإستعمارية بالجزائر، والتي أسمتها «قناصة إفريقيا». وتؤكد المصادر العسكرية للتاريخ العسكري بفرنسا، أن هذه الفرقة الجزائرية هي من أكثر الفرق الأجنبية التي تلقت أوسمة عسكرية رفيعة وهي تأتي مباشرة بعد فرق المدفعية الإستعمارية بالمغرب. ولقد خلقت فرق أخرى مماثلة، من حيث الأدوار واللباس، في الولاياتالمتحدة وفي الدولة العثمانية. وكانت لها مشاركة كبيرة في كل حروب فرنسا بأروبا وإفريقيا. وكانت من أشد القوات التي عملت في المغرب، إظافة إلى الفرقة السينغالية. وإلى اليوم لا تزال الذاكرة المغربية تطلق على أولئك الجزائريين الذين حاربوا المغاربة إلى جانب فرنسا لقب «دوزيام فرانسيس» أي «النسخة الثانية للفرنسيين». وهناك من يحاول استغلال هذه التسمية، من موقع محاولة الإساءة للعلاقات القوية بين الشعبين المغربي والجزائري، فيعممها ظلما على كل الجزائريين. بينما الحقيقة، أن للتسمية سياقاتها التاريخية وتعني أفرادا جزائريين محددين، أساؤوا أول ما أساؤوا لإخوتهم الجزائريين قبل المغاربة، كونهم كانوا خدما عسكريين للمؤسسة العسكرية الفرنسية الإستعمارية.