كما أن دراسة القرار العام، تهدف من بين ما تهدف إليه، الإجابة عن السؤال الجوهري في السياسات العامة، كاهتمام من بين اهتمامات علم السياسة، وهو من يقرر؟ وكيف يمكن قراءة الواقع السياسي استنادا إلى الظاهرة القرارية ؟ (8) إن قراءة هذا الواقع لفهم كيفية صنع القرار تدعونا إلى تحليل المحيط العام المغاربي والبنى الاستقبالية، لأن ذلك يشكل زاوية نظر علمية للتحليل وللتوصل إلى فهم واستيعاب القواعد الناظمة للفعل أو السلوك السياسيين، يذهب الاتجاه الإدراكي إلى اعتبار أن دراسة المحيط العام، تكون آلية ووسيلة لفهم الظواهر الاجتماعية والسياسية على حد سواء. فمن خلال المحيط العام، يمكن أيضا أن نتساءل من يحكم ؟ من يقرر ؟ من يؤثر في صنع القرار؟ ما هي طبيعة الدولة ؟ وما هو مناط وجودها ؟ «sa raison d?etre» وماهي طبيعة السلطة داخل الدولة ؟ وهل هناك نخبة فاعلة ومؤثرة ؟ وما طبيعتها ؟ وإلى أين يصل حجم أدوارها؟. إن هذه الأسئلة التي تنتمي إلى حقل علم السياسة، لا نتوخى منها مجرد إجابات تقنية، ولكن ذلك سيساعدنا على الغوص في فهم بناء النظم السياسية، وفي صنع القرارات، وفي الدور الذي تلعبه النخب المغاربية، وبالتالي يعتبر ذلك النمط من التحليل، بمثابة قناة معرفية أساسية، يمكن من خلالها الولوج إلى محاولة تفسير الكون السياسي، فماذا عن المحيط العام؟ أثناء حديثنا عن النخبة في البلدان المغاربية، تجدر الإشارة إلى أنه كان من الصعب الحديث عن نخبة بالمعنى المتعارف عليه حتى وقت قريب، بحيث إنه كان هناك حكم مطلق متحالف مع الأعيان، الذين يختلفون عن النخب في المرجعية والبنية والوظائف (9(. يختلف الأعيان إذن، عن النخب، بسبب الأهمية التي تلعبها أصولهم العائلية، وإلى انعدام أو ضعف آلية التدوير، وكذلك لأن أنشطتهم تسير في اتجاه واحد، هو خدمة مصالح السلطة المركزية على المستوى المحلي، واستحصال مقابل مادي أو رمزي لهذه الخدمة، وقد ظلت النخب الناشئة بعد الاستقلال، تعاني بدورها من منطق الممارسة الأعيانية، حتى عندما تنشط في بنيات حديثة مثل الحزب أو النقابة أو الجمعية أو المقاولة العصرية، وهو ما جعلها تقتل روح المبادرة والخلق والإبداع في هذه الكيانات، وتسند لها أدوار أقرب ما تكون إلى تلك التي تؤديها البنيات التقليدية (10) . ويمكن الحديث عن دائرتين للنخب في المغرب العربي، البؤرة والأطراف (11)، يعنى بالبؤرة، النخب الأكثر تأثيرا وقربا من القرار، ويمكن تحديدها في النخب القبلية في ليبيا وموريتانيا، والمدينية في تونس والمغرب، والعسكرية في الجزائر، داخل هذه البؤرة، يمكن أن تترابط عوامل قد تزيد من هذه التأثير كالمزاوجة بين القبيلة والجيش أو الانتماء إلى فئة الأعيان التقليديين والعمل داخل حزب سياسي، ووشائج النسب والمصاهرة، وقد نجد شخصيات تتقاطع فيها هذه السمات جميعا. وإذا كانت النخب التي تمثل البؤرة متنافرة، بحسب الخصوصيات التاريخية والثقافية لكل مجتمع مغاربي، فإن نخب الأطراف التي تقتصر على تأثيث المشهد أو على التأثير الظرفي، تبدو متماثلة في عموم هذه المجتمعات، وتتمثل في النخب الثقافية والنقابية والمجتمع المدني عموما(12). إن نخب الأطراف هذه هي التي عانت من الإقصاء، وفي أحيان كثيرة من الاضطهاد، وهي من قام بأهم المبادرات، وبذل أكثر الجهود من أجل تبرير مختلف للقرار، يأخذ بعين الاعتبار مصالح ووجهات نظر مختلف الأطراف. (13) ومن بين هذه المبادرات، نجد أن النخبة المثقفة المغاربية قامت بدور كبير في الدعوة لمشروع الوحدة المغاربية، حيث انطلقت فكرة هذا المشروع، على يد جمعية نجم شمال إفريقيا سنة 1927، التي بادر بتأسيسها مجموعة من شباب المغرب العربي المهاجر بفرنسا، بقيادة الجزائري «مصالي الحاج» وكان مسعى هذه الحركة الشبابية، العمل على خلق الوعي بفكرة المغرب العربي في مواجهة الاستعمار، والسعي لترسيخها في أوساط أبناء منطقة شمال إفريقيا. وجاءت الخطوة الثانية الأكثر دلالة في تطور فكرة المغرب العربي الموحد، مع تأسيس مكتب المغرب العربي، بتاريخ 15 فبراير 1947 بالقاهرة، وهو المكتب الذي انبثقت عنه لجنة تحرير المغرب العربي بالقاهرة في 9 دجنبر 1947على يد نخبة من أبناء المغرب العربي. وهذا المسار الذي ظلت تقوده النخب المغاربية المثقفة، والسعي لتجسيد فكرة الوحدة المغربية، تم تتويجه بانعقاد مؤتمر طنجة سنة 1958 لأحزاب المغرب العربي، عن تونس الحزب الحر الدستوري، وعن المغرب حزب الاستقلال، وعن الجزائر حزب جبهة التحرير. لكن المفارقة (14) أن فكرة الوحدة المغاربية التي انطلقت على يد النخبة المغاربية في عهد النضال ضد الاستعمار، ستنتقل في الستينات من القرن العشرين إلى مشروع يخص الحكومات القائمة، ويقصي النخب المثقفة، وهو ما تكرس بتأسيس اللجنة الاستشارية الدائمة المغاربية، ومنذ ذلك التاريخ، ستعرف فكرة الوحدة المغاربية، تراجعا وجمودا في كثافة المطالبة بها عند النخب المثقفة والحزبية، بفعل تهميشها ومحاصرتها. المراجع (1) Aron Raymond » Catégories dirigeantes ou classes dirigeantes« (2) ( R.C.AGR wal political theory, S chaud and company LTD ) 1996, PP: 438 - 444. (3) ( Jacques lagraye / sociologie politique / ed.Presses de sciences Po et Dalloz collect Amphi 4ème dition Paris 2002 P32 et suite ). (4) Badie Bertrand) et Ferstli (Jacques) : Lexique de sociologie politique, PUF, 1979,P. : 35. (5) John Lowenhardt/decision Making in soviet politics the mamillan presse/1981 London/P. : 9 (6) P.H Levinn/an decision making in publique administration journa sporing, 1972, P. : 27 عبد الله الساعف، تصورات عن السياسي بالمغرب، مطبعة فضالة، 1989، ص. : 100(7) (8) (Jean Claude Thoering/qui d?cide en politique in Revue Science humaine n°2,Paris ( mai / juin 1993). (9) نخب مغاربية : الخلفيات المسارات والتأثير ، أعمال المنتدى المغاربي الثاني . إعداد المختار بنعبدلاوي ص 5. (10) المختار بنعبدلاوي المرجع السابق الذكر - ص5 (11) المختار بنعبدلاوي المرجع السابق الذكر ص 5 (12) نفس المرجع السابق الذكر (13) نفس المرجع السابق الذكر