نتيجة للإشعاع الذي بدأت تمثله وحدة السلك الثالث للهندسة الثقافية والفنية، بطلبتها وأساتذتها، الذين تجدهم هنا وهناك، في مدينة الدارالبيضاء وغيرها، يشاركون بجهدهم لإنجاح مشاريع، تحتاجها المدينة الأكبر من كل مدن المغرب، التقت جريدة الاتحاد الاشتراكي الدكتور عبد الباقي بلفقيه، الأنتروبولوجي ومنسق الوحدة، وكان لنا معه هذا الحوار: ما الذي دفعكم لإنشاء وحدة الهندسة الثقافية والفنية؟ في البداية كنا قد قمنا بإنشاء وحدة السلك الثالث للهندسة الثقافية والفنية سنة 2006، في جامعة ابن امسيك، لأننا وجدنا أن هناك حاجة لتكوين طاقات متخصصة، في مجال الهندسة الثقافية والفنية بالبلاد، ليشكلوا إضافة نوعية للساحة الثقافية في المغرب، وتحديدا بالدارالبيضاء. أوقفنا التكوين سنة 2009، لكن شيئا فشيئا ظهر لنا أن هناك نقصا في تبني الفن كشكل للتعبير بالدارالبيضاء. لقد كوننا عدة طاقات لحد تلك الساعة، لكن لاحظنا أنها كانت قد استقطبت من الاعلام والاتصال وميدان الصحافة تحديدا. في سبتمبر 2011 استأنفنا هذا الماستر، بعد أن كنا توقفنا لمدة سنة، إذ أنه بعيد أحداث عشرين فبراير في المغرب، أحسسنا أننا محتاجون أكثر من أي وقت مضى لاستئناف التكوين، لأننا وصلنا لخلاصة أن هناك نقصا حادا في الإبداع الاحتجاجي، ذلك الإبداع الذي يمرر رسائل قوية، أكثر من تلك الأشكال الاحتجاجية التي استعمل فيها الكلام المباشر والعبارات المحتدة.. فذلك شجعنا على فكرة الاستئناف التي طالما كانت تلح علينا، لنستضيف هذه السنة 24 طالب. ما المجالات التي تعملون فيها؟ كل مجلات الثقافة، كل ما يقرأ، الكتب والصحف والكتب المصورة، إلى جانب مجال الصوت، ثم مجال الصورة، وأيضا المحافل الثقافية والفنية، التي تدعو الناس للخروج من الخاص إلى المشاركة في المجال العمومي، إننا ننكب على دراسة وبحث كل ما يتعلق بالشطرين، الفني والثقافي، بما يسمح بإعادة تأمل والمساهمة في تحريك الفعل والمفاهيم الثقافية. ما هي المرتكزات التي يقوم عليها هذا التكوين؟ يرتكز تكويننا أساسا على «المشروع»، كيفية بناء المشاريع وهندستها.. والمهندس يختلف عن التقني الذي قد يتخصص في الاضاءة أو العلاقات العامة أو اللوجستيك والتحرير .. أما المهندس الثقافي، فهو شخص يعرف معرفة شاملة لمختلف مكونات الحقل الثقافي والفني بالمغرب، وأيضا يشخص مشاكله وفاعليه وآفاقه وانتظارات الجمهور وحاجيات الفنانين والمادة التي يقدمونها، ومحترفا لفنون التواصل، والعلاقات مع الصحافة، ومع ذلك وجب أن يكون متحليا بالقدرة على تسيير المجموعة الثقافية، والتنسيق والتوجيه للتقنيين الذين ينجزون المشروع في الواقع؛ هو يقع في مركز من كل ذلك، حتى يستطيع الهندسة للمشروع الثقافي أو الفني، ويكون موضع المساءلة، ونحن محتاجون لهذا النوع من التكوين . نحن مضطرون لإظهار وظيفة المهندس الفني والثقافي في بلدنا، والانطلاق باتجاه المجموعات والمؤسسات لتعريفهم بأهمية هذا الدور، وبأنه حاجة حاليا للمشهد الثقافي والفني ببلادنا. ما المشاريع التي تعملون عليها؟ ما قمنا به هذه السنة، هي الانطلاق من أفكار ومشاريع طلبتنا، لإنجاز مشروع نموذجي سيدوم لمدة سنة، والذي سنشتغل من خلاله على مدينة آزمور، وهي مدينة ليست بعيدة عن الدارالبيضاء، وتملك امكانيات جيدة من خلال هويتها التاريخية وموقعها الطبيعي، وتحتوي تراثا كبيرا (بحر وواد وشعب وجدران وأماكن عذراء..) تستحق أن نقترب منها. لقد أخذنا طلبتنا إلى هناك، ومكناهم من الوثائق اللازمة، وطرحنا عليهم سؤال «العلاقة بين إنجاز الثقافة وكل تلك الأشياء الموجودة في آزمور، وتأثيرها في المجتمع الأزموري». وقد صممنا برنامجا للإجابة عن هذا السؤال، يقسم العمل إلى أربع مراحل، وبدأنا المرحلة الأولى، قمنا برحلة إلى هناك برفقة دليل سياحي متخصص في تاريخ المدينة، والتقينا بفناني المدينة وزرنا مؤسساتها الفنية والثقافية، وقمنا بإنجاز حوارات خاصة مع كل تلك الشخصيات الذين التقيناهم بهدف انجاز خلاصات. المرحلة الثانية هي ساعة سنعود إلى المدينة في بداية شتنبر للمدينة، حتى نستمع لسكان المدينة عن حاجياتهم، وفي نونبر سننظم في المرحلة الثالثة سننظم مائدة مستديرة للنقاش، نجمع فيها فاعلي المدينة ونخبتها، للتفكير والتأمل في تلك الخلاصات التي كان قد أنجزها الطلبة من الميدان. المراحل الثلاثة السابقة ستدلنا على ممرات لمشاريع نفعية للمدينة، بما يمكننا من بلوغ المرحلة الرابعة، الذي ننوي فيها إطلاق المشاريع المهنية التي سيؤسس لها الطلبة المهندسين. يساهم في البرنامج عدة شركاء أهمهم البرتغاليين، الذين ما زال لهم تراث في المدينة، سنرى ما يمكننا فعله مع القطاع الخاص والمؤسسات. وهذا البرنامج كمثال على التكوين الذي نقوم به، هو يهدف لتحصيل المعرفة الحقيقية، التي هي في حالة تخصصنا ليست ثمرة للتأمل النظري، بل هي مرتبطة بالممارسة والخلاصات التي ننجز على الواقع، والانطلاق منها في المشاريع التي نقوم بإنشائها. ما الذي يفترض أن تتوقعه الساحة الفنية والثقافية من هؤلاء الخريجين؟ أخبركم أن عدد الخريجين الذين سننتج هذه السنة، هو تقريبا 20 طالبا.. وهذا العدد يبقى محدودا جدا بحاجة السوق، في بلاد فيها أكثر من ثلاثين مليون مواطن، لكن نحن نحاول تحريك الوضع، ونجمع هذا العدد، مع خريجين آخرين كونوا في مؤسسات أخرى، ونتحرك لأنني صدقا لا أومن بانتظار الدولة ، ولا القطاع الخاص الذي غالبا ما يصير بخيلا ساعة يتعلق الأمر بصناعة الثقافة والمشاريع، اذ بلادنا تزخر بالكثير من الإمكانيات والطاقات، وجب أن تتجمع، ونحاول أن نهيء لذلك اليوم، الذي تكون فيه للشأن الثقافي والفني في بلادنا الكلمة المتقدمة، وعندي أمل كبير، هناك الكثير من المادة للمعالجة، أتمنى أن تتهيأ لنا الظروف لنستطيع العمل بشكل أكبر. أما الهدف فهو صناعة مشاريع، وإنتاج فرص، والبحث عن فريق عمل وخطة وموارد، والمرافعة من أجل مشروعه.