أما نهاد القاضي، ذلك الجندي المجهول الذي يتحرك في جميع الاتجاهات دون ابتغاء جزاء ولا شكورا. وكأني به يقاوم في ساحة قتال من نوع آخر. معتبرا المسألة مسألة حياة أو موت. لقد كان في اللجنة التحضيرية وما أدراك ما اللجنة التحضيرية. شأنه شأن عدد من الأشخاص ككاظم حبيب وتيسير الألوسي ودانا جلال وبلقيس حسن وغيرهم ممن لا أذكر أسماءهم. إنه شخصية لطيفة جدا، وبشوشة لا تتوقف عن الضحك. بعدها صار مرافقا لكل الوفود. هذا ينادي عليه من هنا وذاك من هناك. وهو يتقافز بينهم، بابتسامته الواسعة، يشاغب هذا ويتحدث بأدب مع ذاك. وبعد المؤتمر استمر في دأبه ونشاطه من بلاد الغربة (هولندا) يحاول الحفاظ على تواصل مع جميع المشاركين بنفس الروح وذات المرح المشوب بالنضج. قال لي ذات مرة وهو يرافقني إلى لقاء مع نائب رئيس كردستان، إنه صحافي يرأس تحرير إحدى الجرائد أو المجلات، لا أذكر جيدا. لكن ما لا يمكن أن أنساه هو تلك القدرة وذلك الإصرار الهائلين اللذان يتمتع بهما على العمل من أجل القضية الكردية، دون تبجح أو ادعاء. بتواضع كبير يذكرك بالروح القتالية التي يتميز بها الأكراد. وبخصوص دانا جلال فقد كان رغم شدة لطفه وكثرة ضحكه، لا يكف عن تذكيرنا في السليمانية أننا مقيمات على حساب المحافظة، من أجل التعرف على الأهوال التي تسبب فيها الديكتاتور صدام حسين للكرد خاصة في السليمانية وحلبجة، والتعريف بها، وليس لسواد عيوننا وبريق ابتساماتنا. وكان من حقه أن يقول ذلك، لأنه لاحظ أن بعضنا يتلكأ في الذهاب إلى حلبجة. كان خدوما وكريما بشكل لا يوصف. وقد حدثني عن أخيه دلير الذي تعرفت عليه بدوره، والذي كان مقاتلا في الجبال. وكيف أنه ما زال يعيش مضاعفات تلك الحياة لحد الآن، ويتعرض لأزمات نفسية بين الحين والآخر. وينتمي دانا إلى حزب الحل الكوردستاني المؤيد لحزب العمال الكردستاني فيما ينتمي دلير إلى الحزب الشيوعي العراقي. وهما حزبان يساريان تندرج مرجعيتهما ضمن المرجعيات التي كنت معجبة بها منذ بداية ثمانينات القرن الماضي. إذ أنني أنتمي لجيل كان يعجب ببعض الأحزاب دون أن يعرف بالضرورة تفاصيل ما تقوم به. تعرفت أيضا على الجميل غازي صابر وكيل وزير ديوان الرئاسة. إنه شخص متميز. لقد ساعدني كثيرا في ضبط عدد من الأمور، كما ساعدني في إجراء حوار مع نائب رئيس الإقليم، وساعدنا جميعا في المكوث بالإقليم على حساب الرئاسة، حيث اتصل بمحافظ السليمانية ليطلب منه عمل اللازم معنا. بل إنه لم يتردد عندما أصابتني وعكة صحية، أن ينادي على سيارة إسعاف وينقلني إلى أحسن مصحة للقلب والشرايين في أربيل. الشيء الذي اضطرني إلى البقاء يوما آخر بفندق «تانغرام»، لكنه أبى إلا أن تدفع الرئاسة ثمن الفندق، وبعث مع السائق الذي حملني إلى محطة سيارات الأجرة 100 دولار، ثمن الطاكسي الذي يقلني إلى السليمانية. وفوق هذا وذاك، جاء إلى السليمانية ليسأل عنا. كان متواضعا بشكل كبير لدرجة أننا لم نفطن إلى منصبه في السلطة، ولا إلى كلمته النافذة في الدوائر العليا، ولم يشعرنا أبدا بأنه اليد اليمنى لرئيس ديوان رئاسة الإقليم. وكان كلما استبد به التعب يقول مبتسما «إنني مقاتل، وقد تعودت على التحمل». وقد كان بالفعل مقاتلا ضمن الأكراد في الجبال. باسم محمد غير رأيي في العراقيين. فقد كنت أتصور أنهم أكثر ذكورية من المغاربة، لا لشيء إلا لكونهم شرقيين، وصلني عنهم الكثير من الممارسات المعادية للمرأة. بعد أن تعرفت على باسم، اكتشفت أنه، إذا كان هناك من فضل لليسار على الناس، فسيكون كونه ولد شخصا مثل باسم. فباسم ينتمي للحزب الشيوعي العراقي. وهو عضو مكتبه الإعلامي في البصرة. غير أن هذا لا يعني أن جميع أعضاء الأحزاب الشيوعية أو أحزاب اليسار يشبهون باسم. فهو أولا يحترم المرأة ويقدرها تقديرا شديدا، ولا يرى فيها جسدها بقدر ما تهمه شخصيتها ومواقفها في الحياة والسياسة. وهو ثانيا شديد التهذيب والأدب، وهو ثالثا مبتسم دائما، أي أنه اسم على مسمى، في وقت يتميز بندرة الابتسامة لدى الرجل الشرقي (أتمنى ألا أكون قد سقطت في أحد أحكام القيمة). إذ لا يمكن أن تلقي نظرة على باسم دون أن تطالعك ابتسامته. وهو رابعا وسيم، (الزين تيحشم على زينه والخايب غير إيلا هداه الله). هو أيضا متزوج وأب لولدين وبنتين (يطبق مفهوم المناصفة :))، وهو مدير فني في مركز التدريب المهني (خور الزبير) بالبصرة. وهو فرق هذا وذاك، سكرتير تحرير مجلة الغد الصادرة في البصرة، وكاتب ومحلل سياسي له أرشيفان في عدد من المواقع، كموقع الناس والحوار المتمدن وجريدة طريق الشعب كما أنه يكتب في جريدة المهارة، منذ 1974، بعد توقف بين 1978 و2003.