منذ سنة، أي في 1 يوليوز 2011، استطاع المغاربة أن يجسدوا لحظة قوية تميزت بالتدبير السلمي للأفق السياسي، الذي عبرت عنه عموم الفآت الشعبية بانفجار كل التطلعات، السياسية والاجتماعية والثقافية، واستطاعوا أن يعطوا للامكانية السلمية للحل السياسي، كل أبعادها. لم نسقط في أي منزلق ولا في أي نموذج، بالرغم من إغراءات التشابه. ولم نعطل الدينامية التي دخلنا فيها منذ نهاية الستعينيات. ولم نسقط في أية استحالة سياسية تجعل الحلول الصعبة هي وحدها المطروحة، بالرغم من وجود دعوات وتوجهات بهذا القدر أو ذاك كانت تبحث عن تعميم منطق الانتفاضات العربية على كل الخارطة في المنطقة.. منها المغرب. كل الدروس، التي يمكن استحلاصها من المغرب الحديث رأيناه فعليا وعمليا على أرض الواقع: 1 أثبتت الملكية المغربية، مرة أخرى، قدرتها على التطور، مع قيادة هذا التطور في الاتجاه الذي يجعل الاستجابة مع الحركية المجتمعية التي قادتها شبيبة المغرب ومناضلوه، معطى سياسيا حيا، ولتحقيق إضافة إلى التراكم السياسي الذي حققته الحركة الديموقراطية 2 أبانت الحركية الشبابية قدرتها على رسملة التاريخ المشرق لأجيال من المناضلين ،قبلها و لم تشكل معهم قطيعة بقدر ما كان فعلها السياسي استمرارا لهذا التاريخ الطويل من القتالية والصراع من أجل الديمقراطية، فلم يكن أمامها فراغ نضالي أو فجوة كفاحية كما وقع في بلدانمغاربية وأخرى مشرقية، بل تراث من التضحيات والتسويات التاريخية كذلك. مما يستنتج منه،حايلا وبالرغم من المواقف المؤسسة لسلوك هذه الحركية، تعبئة جميع الموارد البشرية والفكرية لمواجهة «احتياطي الردة» والتأويل غير الديموقراطي للدستور.. 3 إن الدستور لا يمكنه أن يكون دستورا لكل المراحل ولكل الدول ولكل الأنظمة،إنه بذلك لا يكون دستورا، بل حلما..مفرطا في الميتافيزيقا، وعليه، فإن ما هو مطروح، سياسيا ووظيفيا هو المعايير والتطلعات والأسس المادية والمؤسساتية لإنجاج الانتقال الى الديموقراطية والفصل بين السلط والسيادة الشعبية.. ون هذا المنطلق فإن ما يهدد الدسترة الحية للسياسة في البلاد هو المنحى الذي قد تتخذه النزعة الشمولية والاستبدادية، في أن تعتبرأن الوصول الى أو بالدولة ، يعطي الحق في «بناء الرأي العام» حسب الرغبات السياسية، وحسب إرادة التحكم ؛ كما لو أن خيار «تصفية كل من يزعج» هو، أول ما يجب أن تنص عليه قوانين الدستور.. وقد تكون الاغلبية العددية مساعدا فعليا في فرض التحكم وارادة صناعة الرأي العام، في لحظة تتطلب الاجتهاد ومواصلة الطريق على المشترك السياسي الذي خلقه دستور 2011 يوم 1 يوليوز بين مكونات الشعب المغربي، كما لو أن التصويت، هو بحد ذاته أهم شيء في عملية تنزيل الدستور! أو تطبيقه. وقد لاحظنا فترات قوية من الحياة السياسية القصيرة للحكومة كانت فيها أهم فقرة في العمل الحكومي من أجل تفعيل الدستور هي رفع الأيادي بالتصويت! وهنا دور المعارضة الدستوري يضيع في متاهات لاحصر لها،عندما تكون القوة العددية هي البديل، لكل ما يجب أن ينضجه الفعل السياسي المشترك. 4 ما بدأ مشتركا يجب أن نواصله بشكل مشترك، لا يمكن أن تستفرد أية مؤسسة، وتحت أية ذريعة كانت، من قبيل الشعبوية السياسية بتنزيله لوحدها أو الاستفراد بإعطائه المدلول السياسي الذي تريده.. لا يمكن لأحد أن ينكر وجود النزعة البونابارتية، التي تريد أن تجعل من الدستور فعلا غامضا قابلا للتأويل الابتساري والاختزالي، بشكل لا يكون له أثر في مراقبة فعل الحكومة وعملها، بل لربما لن يكون له حضور في فرملة انزلاقات الحكومة.. 5 ما يميز المرحلة الحالية، وجود مفارقة مثيرة، من جهة شاهدنا فقرة من التأويل المتقدم، كما في حالة المجلس الدستوري لمسألة التعيينات، والممارسة المتأخرة،إن لم نقل الرجعية،من طرف الحكومة، مبنية على نوع من «التردد» أو التأويل التراجعي للدستور. أو التسليم يخرقه كتدبير انتقالي!!! 6 بعيدا عن الطموح القانوني والتشريعي للدستور وتنفيذه، هناك الدينامية الاصلاحية ذاتها والدفعة القوية التي من المفروض تكريسها عبر النص الدستوري الجديد. وهو ما يعني الممارسة الدستورية للسياسة وليس الممارسة السياسوية للدستور, وقد تابعنا العطب التنفيذي في تفعيل الدستور ، ومثال ذلك المساواة، والوعود الدستورية بخصوصها، والمناصفة وكذلك إعادة تشكيل النظام القانوني والتشريعي المغربي، وذلك عبر المعايير الدولية وأولويتها وسموها على ما هو محلي.. 7 للاستاذ عبد الله ساعف عبارة موحية للغاية ،تتعلق بالتصريف الزمني للدستور يتحدث فيها عن«الإصلاح الدستوري والاستعمال الزمني،أو المدى الطويل».. وهو مايعني أن الدولة هي رحلة صبر طويلة، ولكن ذلك لا يعني بأنها، لكما وجدت أمام منعطف مادي لا تتفاعل معه. ويحيلنا هذا القول الى صناعة الدساتير في بلادنا وما تعنيه الطريقة المعتمدة في الدستور الجديد. وما تلزمنا به. فقد ظلت طريقة تهيء الدستور والتواجد القوي في المؤسسات التي تقوم به ، هي بذاتها رهانا سياسيا قائما منذ مغرب الاستقلال، كما ظلت مراقبة وسيطرة الدولة والملك الراحل محل احتجاج وطعن سياسي دائم من طرف القوى السياسية الرئيسية في البلاد الى حدود 1996، واعتبرت بذلك رهانا قويا بالنسبة للأطراف المتصارعة في مغرب ما بعد الاستقلال. وقد اختار المرحوم الحسن الثاني دوما نصا دستوريا يضعه الخبراء، بعضهم اجانب ، يقدم من بعد للاستفتاء في حين ذهبت القوى المعارضة الي المطالبة بالمجلس التأسيسي. منذ 1972، دخل المغرب في أسلوب جديد في تدبير المطالبة بالتعديل الدستوري، وهي طريقة المذكرات. والتي رفعتها القوى السياسية ولا سميا الاتحاد الوطني- الاتحاد الاشتراكي، والاستقلال والكتلة الديموقراطية، خصوصا في اللحظات التي عرفت تشنجا بين القصر والمعارضة أو - وهي مفارقة- اللحظات التي دعا فيها الحسن الثاني أطراف المعارضة إلى تقديم تصوراتها. ،مع ذلك فالاقرار بدورها في تقديم البدائل السياسية الاصلاحية، لا يلغي بأن المذكرات نفسها تكريس لدور الملك في الاصلاح، وفي تقديم التصورات التي يراها البناء المؤسساتي للدولة.. وكان دستور2011 تطورا ملحوظا في هذا السياق... 8 ما هي التحديات المطروحة والتي طرحت على الدستور الجديد: كان أمام الدستور، مباشرة بعد التصويت عليه، الرهان المتعلق باعطاء مصداقية للعملية السياسية ، خصوصا مع سقف الانتظارات التي خلقتها الأوضاع المحيطة بنا، والاوضاع الداخلية والانحسار السياسي الذي كان سائدا والذي عرف استنفاد الدينامية التي انطلقت مع منتصف التسعينيات بكل حمولاتها. كان التحدي هو إعطاء المؤسسات المنتخبة، وهي إلى حد الآن البرلمان أساسا، الغرفة الأولى كل المضمون والمعنى المطلوب في البناء الديمقراطي، تنظيم السلطة حول توازن يضمن الاستقرار والتطور الهاديء، التسليم بالتعددية السياسية والفكرية للمجتمع.. والسماح للأحزاب السياسية بتقوية ذاتها بواسطة ممارسة مفتوحة وتوازن يقوي بنياتها. الرهان الآخر يرتبط بالاستقرار، وقد نجح الدستور الجديد في اعطاء الانتقال و التحول ، صبغة سلمية وضمان الاستمرارية الكاملة للدولة المستقرة. 9 ضمان استمرار الملكية ومركزيتها الاصلاحية وقيادتها للتغيير مع «تغيير النظام» الذي كان ساءذا في العهد لسابق هو القلب النابض للسياسة اليوم. ولا يمكن التسليم بكركزية الملكية ، مع التسليم بضعف الحكومة. أي المعادلة التي يشتغل بها الفريق الحالي. المصالحة مع المستقبل، وهي تعني بناء مستقبل بدون مخاوف تعني أن الديموقراطية ليست فقط سلطة الصناديق, بل هي ايضا بناء نظام قادر على الاستجابة لمطالب الشعب الناخب في اطار الديموقراطية ذاتها. لقد اختار ملك البلاد أن يكون رجل الدولة في قيادة الاصلاح وهو ما يجعل من تموقعه الشخصي الي جانب المؤسسات الجديدة ، والمعالجة الديموقراطية للأزمات الممكنة هدفا للسياسة. وبالتالي لا يمكن أن نجعل من هواجس «التطبيع» سياسة عمومية ، كما تريد الحكومة الحالية. وهي بذلك تضيع على المنغرب ازيد من 15 سنة في بناء الثقة بين مكونات الحقل السياسي وتعيد العداد الى الصفر. وهوما ليس من حقها.