« أنا لّي طلبت هاذ الحوار» ، « أنا ناخذ من عند هاذا ونعطي لهذا»، «ما يمكنش نخلّص ليك أنا» ... بقراءة بسيطة في حوار / خطاب السيد رئيس الحكومة ستبدو لنا «الأنا» متضخمة، وهي «أنا» فرضتها ربما جسامة المسؤولية ، لكنها تُغيّب الدولة وتُغيب الحكومة كوحدة، وتتضخم لتصبح نوعا من السكيزوفرينيا. و ما «الاستبداد» الذي مورس على الصحفيين خصوصا «كولحسن» من القناة الثانية سوى تجلٍّ لتلك «الأنا» التي أفرزتها ظروف صناديق الاقتراع بنسبة 27 بالمائة وما صاحب ذلك من تعديل للدستور وظهور مفهوم جديد هو « رئيس الحكومة » الذي اختُلف وسيُختلف على تمثُّله ما لم يتم تنزيل الدستور بشكل واضح المعالم و مُؤطر الحدود. وبقراءة بسيطة (للخطبة) التي تمحورت حول الزيادة في ثمن المحروقات التي أقرها رئيس الحكومة ويتحمل تبعاتها لوحده، يتبين للعيان أن القرار فيه نوعا من المغامرة غير المحسوبة ، مادام أنه قرار شخصي حسب «الأنا» لأنه إذا جاد الله جاد عمر هذا القرار الجريء أكثر من اللازم يستهدف جيب المواطن( الحيط القصير) لتغطية جزء من خلل صندوق المقاصة الذي يلعب دور «ممتص الصدمات amortisseur »، ذلك الصندوق الذي كان دوما بمثابة مشجب تُعلّق عليه الحسابات الخاطئة لاقتصاديات الريع ، حتى أصبح الصندوق بدوره اقتصادا ريعيا تغتني من ورائه الشركات التي تعتمد المواد المدعمة من سكر ودقيق وبنزين . إن تلك الزيادة البسيطة ،(درهمان لا غير) في منطق السيد رئيس الحكومة، لن تتأثر بلفحها الطبقات المُعدمة ، ولا قدرتها الشرائية المعدومة أصلا، لأن المغربي البسيط سيساهم في تأمين تعويض للمرأة (الهجالة ) وأبنائها التي ما فتئ السيد رئيس الحكومة يعطي المثل بها . وكأن التكافل اكتشاف حكومي جديد وغريب عن هذا المجتمع .. فلولا مبدأ التكافل (والستر) الذي يتشبث به المغاربة منذ «عام إيرني» لكان للشأن شأن آخر. وعلى اعتبار أن من يملكون السيارات هم الطبقة الغنية أولا، ثم الطبقة المتوسطة . إلا أنه ربما يغيب عن ذهن السيد رئيس الحكومة المحترم أن المغرب لا يُختزل في الموظفين فقط ، ولا في الدارالبيضاء والرباط فقط، وإنما هو قمم الجبال وأعماق الوديان والبراري والقفار، وأن أصحاب السيارات أيضا هم (مول الخبز ، ومول البيض ، ومول الهوندا ... ومول التريبورتور المحمل بالخضار، والبشر، ومواد أخرى)، و يقطع مدينة مثل الدار البيضاء في ظرف ساعتين ما بين شرقها وغربها، شمالها وجنوبها. إن درهمي الزيادة الأبيضين لن يحلا مشكل صندوق المقاصة المختل والذي يتحمل أكثر من 52 مليار درهم ، لهذا كان على الحكومة ، أو رئيسها المحترم، أن تبحث عن الحل خارج جيوب البسطاء من المواطنين ، إنما في الأرصدة التي تتفنن في التهرب الضريبي، في جيوب المضاربين العقاريين ، في أرصدة الشركات الأجنبية التي تستغل سنوات الامتياز الضريبي وتنتقل بعد ذلك لتتركنا (نكبو الما على كروشنا) . كان الأمل معقودا على هذه الحكومة .. وكان بودي شخصيا أن تتدارس الأمور بروية أكبر لتخرج بقرار أكثر جرأة يتوازى فيه تحرير الأسعار، والرفع من الحد الأدنى للأجور، والإلغاء النهائي لهذا الصندوق المشجب (ياك فهمتيني أولا لاّ) .