إذا استمرت الحكومة على منهاج رئيسها، فإننا سنعود بحول الله ورعايته، إلى زمن البغال. فالأستاذ بنكيران يقول لنا بالحرف، إن الزيادة لا راد لها، وعاب على من انتقده بأنه يريد أن يكون هو قوام علينا. قال بنكيران «واش بغيتو تشريو السيارات وبغيتوني نخلص ليكم المازوت». وعليه، فإنه لا أحد يملك سيارة يمكنه أن يتبرم من الزيادات الأخيرة في المازوت وليسانس. لا أحد يمكنه اليوم أن يركب سيارة ولا يدفع الزيادات، وكل من ركب سيارة، لا يلوم إلا نفسه.. فالأمر أصبح جديا، وبما أن السلف السابق، الذي كان صالحا، لم يسبق له أن ركب سيارة. وكان «يقضي» بالجمال والنوق والحمير والبغال، والخيل، التي كانت تشبه مرسديس في شعاب قريش، أو على مشارف بني تميم.. وما دمنا سنعود إلى الماضي المجيد، فلنعد إليه على ظهر البغال. هكذا أفضل، فهل تخليتم أننا سنعود إلى «الأصول» الطيبة لأجدادنا، وندخل عليهم إلى بواديهم الطيبة، ونحن نركب الكونغو؟ أبدا، لن تكون لنا عودة، إن شاء الله، إلا على الدواب. وما من دابة في الارض إلا على الله رزقها. ونفهم اليوم لماذا كان بنكيران يردد على مسامع المعطلين: اطلبوا الله يرزقكم. وسيرزقنا، إن شاء الله، باعتبارنا دواب ندب فوق الأرض.. لا دخل للدولة فينا، وفي عملنا وأرزاقنا.. ولا دخل لها في ثمن البنزين والمازوت... ونفهم، أيضا، لماذا كان رئيس الحكومة غير ودي بتاتا مع العاطلين، لأن منهم من يملك «ليسانس». وهو كلما سمع ليسانس إلا «وزاد فيه».. زاد فيه، بالدارجة المغربية، وطلب منهم أن ينسوا آمالهم في التوظيف المباشر، وينسوا وعوده بالعمل، وزاد فيه، وطلب منهم التضرع إلى العلي القدير، فهو الرازق، سبحانه تعالى ربي عما يصفون، سيتولى تشغيلهم ويرزقهم.. وزاد فيه، وطلب منهم أن يتوجهوا إلى التجارة، وهو ما قاموا به، إذ بدأوا في بيع القزبر والمعدنوس والكرافس حتى.. ثم لما وجد نفسه أمام «ليسانس» المحروق، أحرق أعصاب الناس، وزاد فيه، ومرة أخرى زاد في الثمن .. وهو بذلك، وفي لردود فعله: كلما سمعت ليسانس أخرجت زيادتي..! بنكيران لا يحب السيارات التي يشتريها الموظفون الصغار، والرجل الذي تثقله الكرافاتا، يريدكم أن تتخلوا عن ثقل البنزين. وغدا سيكون مفيدا أن نرى الأساتذة وهم يربطون بغالهم أمام الثانويات، والممرضات فوق النوق والجمال يتوجهن إلى مستشفى بن رشد، والموظفون في الأبناك، يتوجهون فوق قطيع من الحمير الوحشيين إلى مقرات العمل. وسيصبح الكوتشي مرحلة متقدمة في التنقل.. ولا نعرف بالذات ما سيكون موقف السيد الرباح، هل سيقبل بوزارة تعنى بالحمير والبغال والنوق والخيول، وهو سيضيف إلى وزارة التجهيز والنقل، عبارة ورعاية الحيوانات.. أتصور بأن العودة إلى الأصول، هي عودة إلى ما قبل البنزين.. وما قبل البترول؟ أليس هو سبب البلاء أصلا؟ تذكروا كيف كانت شبه الجزيرة العربية في أمان، تحت رعاية محمد بن عبد الوهاب السعوي، قبل أن تأتي حفارات النفط الكافرة، ويبدأ استغلال البترول في النقل وتسيير الشاحنات والحافلات والسيارات؟ تذكروا كيف كان أجدادهم في صحة جيدة بدون تلويث ولا تلوث ولا غازات.. فهل تريدون من الأستاذ بنكيران أن يغفر لكم أنكم تسببتم في ثقب الأوزون، وأن سياراتكم وراء كل الاضطراب الكوني الحاصل اليوم؟ كونوا مثل الوزراء، قليلي العدد، وحتى إذا ركبتم السيارات، فإن عددها سيكون قليلا، بالرغم من استهلاكها العالي؟ ومن لم يرد أن يكون وزيرا، فليركب حمارا .. ويهنينا من صداعو! ومن أراد حمارا بدون متاعب ولا عيوب، فما عليه سوى أن يركب .. قدميه! ويمشي في الطرقات، ففي ذلك فوائد شتى.. ومن فوائد ركوب البغال مثلا، لست مطالبا بالحصول على رخصة، أو دفع تأمين، أو دفع ضمان الصيانة، ولا تكون دائما في صراع مع الشرطي الذي يضبطك تسير بسرعة فائقة.. فأنت حر في بغلتك أو في حمارك، وحر في ركوبها أو في محاورتها. هل يمكن أن تشكو همومك على سيارتك؟ أبدا، مع البغل أو الحمار يمكنكما الحوار مطولا؟ هل يمكن للسيارة أن تتحرك بإرادتها وبدون مفتاح؟ أبدا الحمار يمكنه أن «يحرن» ويعطيك الشارة بأنك لا تروقه في سلوك ما.. لهذا كله يريدكم بنكيران أن تنسوا السيارات وتركبوا مغامرة العودة الطيبة للحيوانات الألفية.