عندما كتبت الصحف المصرية «أميدو» الفرنسي.. يفاجئ الجميع بالقاهرة أثناء تقديم«الحياة الحب الموت» بقولته «الحمد لله وحده» حميدو بنمسعود المغربي كان هو النجم العربي الثاني الذي استطاع أن ينطلق إلى آفاق العالمية بعد نجمنا الكبير والعالمي العربي الأول عمر الشريف . كانت انطلاقة عمر الشريف قد بدأت في الستينيات من القرن الماضي عبر عدة أدوار رئيسية في مجموعة من روائع السينما العالمية منها «لورانس العرب» و«د.زيفاجو» و«أكثر من معجزة». على نفس الدرب سار حميدو المغربي، حيث بزغت شهرته العالمية في عدد من الأفلام التي لا تنسي من ذاكرة السينما عبر أدوار مهمة في أفلام أمريكية وألمانية وإيطالية وفرنسية، منها تفرد الإنسان وشمس الربيع وتوجها برائعة كلود ليلوش «الحياة، الحب، الموت» في نهاية الستينيات أيضا. ويمكن اعتبار الدور الرئيسي الذي أداه في هذا الفيلم وجائزة أحسن ممثل التي نالها عنه من مهرجان ريو دي جانيرو السينمائي الدولي في مطلع السبعينيات بالبرازيل هما اللذان عرفا به عالميا على نطاق واسع. تواصلت بقوة مشاركات حميدو المؤثرة في عدد من أهم الأفلام العالمية ومع مجموعة من أبرز المخرجين دون أن يتوقف تعاونه مع المخرج الأشهر كلود ليلوش. وأمكن لحميدو عبر مسيرة سينمائية طويلة أن يقدم أدوارا متنوعة وأن تتألق موهبته في مساحة واسعة وممتدة من الشخصيات في طبيعتها ومشاعرها وخلفياتها السياسية والاجتماعية. وأن يثبت تميزه ومذاقه الخاص في الأداء. وأن يتواجد أيضا على ساحة السينما العربية ربما بنفس قوة تواجده على ساحة السينما الأوروبية والعالمية. وحميدو ليس فقط نموذجا فنيا رائعا، ولكنه أيضا يمثل تجربة إنسانية نادرة تتمثل في رحلة كفاح شاقة ومسيرة حياتية خصبة في أرض واسعة لم تكن ممهدة على الإطلاق. عن ذلك يقول في تصريحات مقتضبة: «عرفت جميع وسائل الحرمان والعذاب الشديد حتي وصلت إلى ما انا فيه الآن.. عرفت النوم على الرصيف، عرفت مشاكل مع أولادي وكذلك المرأة.. زوجتي الامريكية تركتني ورحلت، لأنها لم تستطع أن تتحمل ظروف عملي الصعبة. وقد شاءت الأقدار إن أتزوج مرتين، إحداهما كانت الأمريكية، وكان لي ابن توفي في حادث سير بباريس. كما حققت وجودا على الساحة العالمية، استطعت ان أحقق لنفسي اسما في بلدي المغرب، وسوف أكمل الطريق لأني مازلت، والحمد لله قادرا علي العطاء.» إبداع نصف قرن على امتداد نصف قرن لم يتوقف عطاء حميدو مسرحيا وسينمائيا وتليفزيونيا. وكان ميله القوي للتمثيل قد ظهرت أعراضه منذ طفولته التي انجذب خلالها لعالم السينما وراح يتابع العروض السينمائية الأمريكية والفرنسية والمصرية والهندية باهتمام وشغف في مسقط رأسه بالرباط بدور عرض رويال وكوليزي وغيرهما. وسرعان ما اتخذ قراره بامتهان التمثيل والتوقف عن مواصلة دراسته التقليدية منذ المرحلة الإعدادية. والتحق بفرقة مسرحية تابعة لاذاعة «راديو ماروك» في مطلع الخمسينيات تحت إشراف الإذاعي الرائد عبد الله شقرون. وتمكن بعد فترة قصيرة مع مجموعة من زملائه من أن يقف امام كاميرا السينما لأول مرة كممثل في عام 1955 في الفيلم الفرنسي المغربي المصري المشترك «طبيب رغم أنفه » للمخرج هنري جاك. وشجعته هذه التجربة المبكرة على حسم اختياره والبحث عن طريقه في السينما الذي لم يكن متاحا في ذلك الحين في المغرب فهاجر إلي باريس، عاصمة الثقافة والفنون. والتحق بالدراسة الأكاديمية بمعهد التمثيل في باريس. كان قبوله كطالب أجنبي أمرا نادرا، فالقانون يحظر قبول طلاب غير فرنسيين، لأن النجاح في تلك المسابقة ثم الحصول علي الجائزة من المعهد كانا يعنيان الانضمام مباشرة إلي الفرقة القومية الفرنسية. وبعد تخرجه بتفوق وحصوله على المركز الأول بين زملائه تم قبوله كحالة استثنائية في فرقة الأوديون المسرحية الفرنسية ، ومن هنا كانت البداية الفعلية والحقيقية له كممثل. ولادة جديدة كانت فرقة الأوديون هي المدرسة الحقيقية التي صقلت موهبة حميدو ودربته على القيام بمختلف الأدوار وعلي اكتشاف مواهبه وقدراته الصوتية والحركية. من يشاهد أداء حميدو علي شاشة السينما يدرك كيف تشكلت هذه الموهبة واستوت على نار هادئة فصبغت أداءه بهذه الأسلوبية من الرصانة والثقة والطبيعية الكاملة والبعد التام عن التكلف والاصطناع. عمل في الفرقة تحت قيادة المخرج الفرنسي الكبير جان لوي بارو وشارك في مسرحيات: الستائر ، هنري السادس ، البخيل ، حقائق وأكاديب . هذا بالاضافة إلي مسرحيات عديدة مع فرق أخري . وانطلاقا من ممارسته للمسرح داخل وخارج فرقته تم اكتشافه من طرف المخرج السينمائي الفرنسي الكبير كلود لولوش من خلال إحدى مسابقات التمثيل، ومن وقتها أصبح ممثله المفضل ومن أكثر من ساهموا بالتمثيل في أفلامه في أدوار محورية. شارك حميدو في 13 فيلما من توقيع لولوش أولها «تفرد الانسان » ((1960 وآخرها «والآن سيداتي سادتي » ((2001 ، الذي صور جزئيا بفاس ، إلى جانب أفلام أخرى لمخرجين فرنسيين أمثال أليكسندر أركادي وروجي هنان وجورج لوتنر وفيليب دو بروكا وغيرهم. وهناك حادثة طريفة خاصة بعرض فيلم «الحياة الحب الموت» في مصر، حيث اتصل به زملاؤه المصريون وأشادوا بالدور وبالفيلم. وسافر إلي القاهرة ضمن وفد فرنسي لحضور العرض وكتبت الصحف المصرية أن الفيلم يشارك فيه الممثل«اميدو بالالف وهو فرنسي! ولكن عند حضوره قال في حفل تقديم الشريط أمام الجميع «الحمد لله وحده» وكانت مفاجأة للحضور وحدثت ضجة، وخرجت الصحف اليوم الثاني تقول حميدو الممثل العربي المسلم وأقامت له نقابة الممثلين احتفالا لا ينساه. قدم في السينما الفرنسية وحدها خمسين فيلما. كما قدم عددا كبيرا من الأفلام الأمريكية من أشهرها «قافلة الخوف » ((1977 و «جحيم الواجب » ((2000 لوليام فريدكين و «لنا النصر » ((1981 لجون هيوستون و «لعبة الجواسيس » ((2001 لتوني سكوت ... هذا إلي جانب عدد لا يستهان به من الافلام الالمانية والإيطالية. وفي بلده المغرب ساهم بقوة في نهضتها السينمائية عبر مشاركته في العديد من التجارب الجادة ومنها «شمس الربيع » ((1969 للطيف لحلو و «للا حبي » ((1996 لمحمد عبد الرحمان التازي و «قصة حب » ((2002 لحكيم نوري و «لا هنا لا لهيه » ((2004 لرشيد بوتونس و «هنا ولهيه» ((2004 لمحمد اسماعيل و «أركانة » ((2007 لحسن غنجة و«موسم لمشاوشة » ((2009 لمحمد عهد بنسودة. شارك أيضا حميدو في العديد من الاعمال التليفزيونية الفرنسية والمغربية منها علي سبيل المثال : « علي بابا والأربعين لصا» لبيير أكنين و «بن بركة : المعادلة المغربية» لسيمون بيطون و «مليكة » لرشيدة كريم و «عائشة» ليمينة بنجيجي و «المطاردة» لليلي التريكي و «رأس العين» للراحل محمد لطفي. شجاعة الاختيار وعلى الرغم من هذا الإنتاج الغزير، فإن حميدو يري أن غيابه لفترات عن الساحة العالمية كان يرجع لتدقيقه في اختيار أدواره. في الغرب كانوا يرون ان ملامحه لا تصلح فقط إلا لأداء ادوار لها علاقة بالعرب او شخصيات عربية، وعندما كانوا يعرضون عليه ادوارا من هذا النوع، لكنها تحمل اساءة للمواطن العربي كان يرفضها، لأنها كانت تعطي صورة سيئة عن العرب، وهذا ما يرفضه تماما، وكان الامر يستغرق سنوات بين كل عمل يظهر فيه حميدو كممثل سينمائي. « لأن الاختيار أنا الذي أحدده، لان اختيارهم لي جاء علي أساس الوجه، ولكن الاختيار يعود إلىّ في قبول الدور أؤ لا. وإذا كان فيه مساس بالعرب أؤ الدين الاسلامي أو وطني الحبيب المغرب لا أقبله اطلاقا، ولذلك كان عملي على مدى 35 عاما أشبه بأسنان المنشار في صعود وهبوط علي فترات ». لحميدو مشاركة وحيدة في السينما المصرية من خلال فيلم عصفور من الشرق عن قصة توفيق الحكيم مع الفنان نور الشريف، وكانت الفتاة الشقراء التي تمثل أمامه هي زوجته الامريكية في الحقيقة، وعندما رآها المخرج يوسف فرنسيس طلب منه ان تشارك في الفيلم وعرض عليه أحد الادوار في الفيلم ووافق. لكنه كان يتمني أن يكون وجوده في السينما المصرية التي يعشقها أكبر من هذا . وهو يري انها قدمت افلاما سينمائية تساوي احسن الافلام التي قدمتها السينما العالمية في امريكا وأوروبا. حصل حميدو على جوائز وتكريمات عديدة في مختلف البلدان الأوروبية والعربية. وهو الآن يتهيأ للحضور لمهرجان الإسكندرية كأحد أهم نجوم العرب ودول البحر المتوسط الذين تخطت شهرتهم حدود إقليمهم الكبير والذين قدموا أداء فنيا متميزا وارتقوا بفن التمثيل بموهبتهم العالية ودراستهم الأكاديمية وخبراتهم الواسعة.