تدخلت النائبة رشيدة بنمسعود باسم فرق المعارضة بمجلس النواب في الجلسة التي عقدها البرلمان في موضوع «دعم الحملة الدولية لكسر حصار القدس يوم الاثنين 14 ماي 2012. وجاء في التدخل: «يعقد البرلمان المغربي اليوم هذه الجلسة في إطار الدعم السياسي والشعبي المغربي الثابت للشعب الفلسطيني، وكفاحه من أجل حقوقه المشروعة في استرجاع أرضه المغتصبة وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف. وإذا كانت هذه الجلسة تنعقد في سياق الفعاليات المغربية لدعم القدس وأهلها، فإنها تتزامن مع الذكرى 64 لاغتصاب فلسطين وإعلان قيام الكيان الإسرائيلي على هذه البلاد العربية. إنها ذكرى أحد أبشع أشكال الظلم في التاريخ البشري. لست في حاجة إلى التذكير بأشكال الدعم الذي قدمه ويقدمه المغرب ملكا وحكومة وشعبا وأحزابا وجمعيات مدنية للقضية الفلسطينية، ولكن اللحظة مواتية لأشير إلى بعض منها. فبيت مال القدس الشريف الذي يرعاه جلالة الملك يضطلع بدور كبير في الحفاظ على الوجود العربي في المدينة وفي دعم صمود المقدسيين حيث ينجز، دون ضجيج ولا بهرجة إعلامية، برامج مهيكلة في مجالات التعليم والاستشفاء وترميم الآثار والتكفل بالأيتام والمعوزين. وليس غريبا أن يكون المغرب في طليعة بلدان المعمور الداعمة للشعب الفلسطيني بالذكاء والوضوح اللذين يعرفهما العالم، حيث يترأس المغرب في شخص جلالة الملك لجنة القدس التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، وحيث من أرض المغرب انبثقت القرارات العربية والإسلامية التاريخية الداعمة للشعب الفلسطيني والتي كانت فاصلة في كفاح هذا الشعب. لقد كان المغرب بذلك، ولا يزال عمقا وسندا استراتيجيا للشعب الفلسطيني، دون تدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي ودون إملاءات على القيادة الفلسطينية، ودون اشتراطات على القرار الفلسطيني المستقل. نعقد هذه الجلسة في وقت تتصدر فيه قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي الأحداث المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وحيث يعرف هذا الملف تطورات خطيرة إذ يتهدد الموت حياة المئات من هؤلاء المضربين عن الطعام، دفاعا عن الحقوق المكفولة لهم بمقتضى القانون الدولي الإنساني بما في ذلك اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها وقوانين الحرب، ومواثيق حقوق الإنسان. وفي هذه اللحظات العصيبة التي يمر بها مئات الأسرى الفلسطينيين المدافعين عن الكرامة وعن قيم الحرية والحق في الحياة، نناشد بكل قوانا الضمائر الحية عبر العالم من برلمانات ومنظمات دولية وهيئات حقوقية ومفكرين خاصة في الدول النافذة في القرار الدولي والتي بإمكانها الضغط على دولة الاحتلال، للعمل على إرغام إسرائيل على تمكين الأسرى من حقوقهم الأساسية كاملة على طريق إطلاق سراحهم غير المشروط. إن الإهانة والظلم المسلطين على الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، ليسا سوى الجزء القليل من الظلم التاريخي المسلط على الشعب الفلسطيني، أو لنقل إنه جزء من الضريبة التاريخية ومن القرابين ومن الشهداء (وهم أكرم منا جميعا) التي يدفعها هذا الشعب المكافح دفاعا عن قيم الحق قبل أن يكون من أجل الأرض والمياه المصادرة من أصحابها الشرعيين. فالأسرى الفلسطينيون بهذه الأشكال النضالية التي يمارسونها، يدافعون عن مبادئ وقيم كونية وتاريخية، قيم الحرية والكرامة، والإنصاف، وإنهم بذلك يضعون الضمير الإنساني أمام مسؤولياته ويمتحنون كل ما راكمته البشرية من مواثيق وممارسات وكفاحات في المجال الحقوقي. فهل يسمو منطق العقل والحق ولو مرة واحدة ويكون إلى جانبالشعب الفلسطيني ويرفع البطاقة الحمراء في وجه الممارسات العنصرية الإسرائيلية. قضية الأسرى، كما قلت، لا تنفصل عن القضية الأم وعن جوهر المشاكل والمصائب في المنطقة والعالم. إنها قضية الاحتلال، أصل كل الشرور والتوترات. في هذا الشأن تتصدر القدس كل الرهانات، بكل ما تعنيه، وبكل ما تكثفه وبما ترمز إليه، إذ توجد في قلب الصراع التاريخي في الشرق الأوسط بين إرادتين : إرادة الاحتلال والمصادرة، وإرادة التحرير والاستقلال واستعادة الحقوق المسلوبة، إرادة التهويد وطمس المعالم العربية الإسلامية والمسيحية، وإرادة تثبيت هذه الهوية وهذه المعالم، كدليل قانوني وتاريخي وثقافي ورمزي على عروبة القدس، إرادة عنصرية متعصبة عابرة تبحث عن مسوغات لمصادرة الأرض في الأساطير، وإرادة تستند الى الجذور والحق في الأرض وفي التاريخ وفي الآثار الشاهدة على التنوع والتسامح الذي هو جوهر هوية القدس. بين هاتين الإرادتين يقف سيف الاستيطان، مسلطا على الأرض والإنسان، يقطع أوصال الأرض مقوضا مرتكزات الدولة الفلسطينية المقبلة. وفي هذه الحالة أيضا، أي أمام الممارسات الاستيطانية ومصادرة الأملاك الفلسطينية وإقامة جدار الميز العنصري التي يلتف كالثعبان على الأراضي الفلسطينية في الضفة والقدس، ملتهما زيتونها ورمانها ومقطعا أوصالها، يبقى الضمير الإنساني مساءلا، خاصة في سياق التحولات التي تشهدها المنطقة والعالم. وإسرائيل، بهكذا ممارسات، لا تقوض الحل السياسي فحسب، وإنما تلغي مسبقا فكرة الدولة باستباق تقطيع أوصال الأرض مجاليا وجغرافيا وبشريا وتكريس فكرة الكانتونات السهلة على الابتلاع. لسنا في هذه الجلسة بصدد تسجيل مواقف أو إصدار إملاءات على الشعب الفلسطيني، فهو خبير بكفاحه التاريخي ضد الاحتلال، ولكننا مطوقون بأمانة دعم الوحدة الوطنية الفلسطينية ولأننا في المغرب جعلنا القضية الفلسطينية قضية وطنية، فإنه يهمنا أن نقول لأشقائنا في فلسطين، أننا لن نساند إلا المشروع الوطني الفلسطيني القائم على وحدة الشعب والأرض والقضية، لن نقبل باستمرار تطييف القضية الفلسطينية، وبمنطق الدولتين، لأن قوة القضية في وحدة شعبها وقيادتها. إن استمرار التفكك الفلسطيني سيكون إمعانا في تبديد رصيد تضحيات شعب بأكمله حيث من كل عائلة شهيد أو جريح أو أسير. لقد قوضت الطائفية المقيتة كيانات تاريخية في الشرق الأوسط، ولن نقبل اليوم بأن تكون إحدى أدوات استمرار تضييع أرض فلسطين، فعليها، كما قال الشاعر محمود درويش « ما يستحق الحياة، فهي سيدة الأرض وأم البدايات وأم النهايات».