تعتبر ظاهرة التهريب آفة اقتصادية خطيرة تنخر جسد كل القطاعات الحيوية في التجارة ، وتساهم في خلق إطار لاتنافسي و غير مشروع في العملية التجارية ، و كباقي القطاعات يعاني قطاع التجارة و التسويق داخل الموانئ الوطنية من هذا الداء العضال، و نظرا لكون تجار السمك بميناء الصويرة تضرروا بشكل كبير و حاد من شيوع هذه الظاهرة و تأثيرها على مدخولهم التجاري و على الاقتصاد الوطني و على مداخيل المكتب الوطني للصيد البحري ، وبالتالي أصبحوا عرضة للإفلاس و الضياع ، فقد ناشدوا جميع الجهات المسؤولة من سلطة و على رأسها عامل المدينة و الوزارة الوصية عن الصيد البحري ، وهو ما دفع المندوب الجهوي إلى زيارة مدينة الصويرة قصد التحري و المساهمة من جانبه في توقيف هذه الظاهرة، إلا أن هذا اللوبي الخطير ، حسب تعبير بعض التجار ، و المكون من شبكة لبعض أرباب مراكب الجر ، مدفوعين ببعض التجار الذين يلجؤون إلى هذه الظاهرة بكل الطرق حتى ولو تطلب الأمر اللجوء إلى القوة ، مازال يفرض قانونه الخاص به! مجموعة من هؤلاء التجار المتضررين اتصلوا بالجريدة مدلين بلائحة تحمل 28 توقيعا، مستنكرين تفشي هذه الظاهرة السلبية التي أضرت بتجارتهم و أثرت على مردودهم التجاري و على منتوج السمك و على الاقتصاد الوطني ، مشددين في نفس الوقت، على أن أغلب سمك الاخطبوط لا يلج السوق الموجود بالميناء و يصدر مباشرة بأوراق وهمية، و يحملون بعض موظفي وزارة الفلاحة والصيد البحري و المكتب الوطني للصيد البحري المسؤولية في حماية هذه الأطراف ، وهم بذلك يدقون ناقوس الخطر و يدعون عامل اقليمالصويرة و كل الجهات المسؤولة، التدخل للحد من تفشي هذه الظاهرة الخطيرة للغاية. وفي نفس السياق وعلى هامش اللقاء التواصلي الذي نظمته الفيدرالية الوطنية لتجار منتوجات الصيد البحري بالموانئ و الأسواق الوطنية يومي 3و4وماي2012 بمدينة الدارالبيضاء، اتصل بالجريدة رئيس جمعية تجار السمك بالجملة بميناء العيون ليؤكد أن أكبر مشكل يعاني منه تجار السمك بالجملة بميناء العيون هو التهريب المرخص له ، حسب تعبيره، و الذي يخص سمك العبور... و يضيف المتحدث أن هذا المشكل كان في الوقت الذي كانت فيه الموانئ دون أسواق، و لم تكن الأمور متطورة بالشكل الموجودة عليه حاليا وكان أرباب المراكب ساعتها أحرارا في اختياراتهم. رئيس جمعية تجار السمك بالجملة بميناء العيون «امبارك السطيلي» العضو في الفيدرالية الوطنية لتجار منتوجات الصيد البحري بالموانئ و الأسواق الوطنية، أكد في حديثه مع الجريدة ، أن التهريب المرخص له هو التصريح المزيف ، فالمقدم من طرف أرباب هذه المراكب لمحتويات مراكبهم ما اصطادوه و الذين اعتادوا على هذه الحالة رغم تواجد اكبر سوق للسمك على الصعيد الإفريقي بميناء العيون ، هذا الأخير يعتمد في تدبيره اللوجستيكي على المعلوميات المتطورة تضمن له الشفافية في عملية البيع ، فمثلا حين تكون من بين هذه الصناديق ما يفوق 300 صندوق للسمك الباهظ الثمن «كالصول..و الكلامار...» و أنواع أخرى يتم التصريح فقط بنوع من السمك ثمنه جد «رخيص» ثمن الصندوق منه لا يصل إلى ثمن الكيلوغرام الواحد من الحوت المهرب ، أي من الحوت الموجود بالمركب و الذي لم يتم التصريح به. مضيفا « هنا يتجسد دور الوزارة الوصية على قطاع الصيد البحري لأن عملية التصريح تتم عند مندوبية الصيد البحري، فأين هو دورها في المراقبة الحقيقية و الصارمة لوقف مثل هذه الخروقات الخطيرة خصوصا إذا علمنا أن الشركة المكلفة بمراقبة الكميات المشحونة من داخل الميناء هي تابعة للمكتب الوطني للصيد البحري؟ فأين هو دور هذا المكتب في مراقبة مبيعات هاته المراكب التي تشحن هذا النوع من الأسماك؟ و هناك مثال آخر، فبعض المراكب لا يتعدى ثمنها 5 ملايين درهم تبيع بميناء العيون بطريقة شفافة و معقولة تصل مبيعاتها أحيانا إلى 160 ألف درهم بعكس البواخر التي يناهز ثمنها 15 مليون درهم و لم تصرح للمكتب الوطني للصيد بالمبيعات خارج ميناء العيون حتى بربع ما صرح به المركب الأول الذي باع كمياته بميناء العيون! ، لكل هذا و لأمثلة أخرى لوقائع افظع، ففي نظرنا كجمعية تجار السمك بميناء العيون، يضيف رئيسها، أن ما يقع بهذا الميناء يعد مسؤولية المكتب الوطني للصيد البحري و سبق لي أن عرضته و صرحت به مباشرة لمديرة المكتب الوطني للصيد البحري لكن لا حياة لمن تنادي، و مازالت دار لقمان على حالها، و حتى من خلال اطلاعنا على أحوال بعض البحارة حول مدخولهم الموسمي، يؤكد رئيس الجمعية، يتضح أن الذين يبيعون عبر ميناء العيون، غالبا ما يكون ذلك من اجل التملص الضريبي و الربح السريع، و أصبح هو الأخر من اقتصاد الريع لم تستفد منه الدولة و البحارة و تجار السمك الذين من المفروض أن يكونوا هم من كان عليهم توصيل هذا السمك. و أكد امبارك السطيلي في نهاية حديثه أن الوالي السابق لولاية العيون كان ينفي وجود التجار بميناء العيون و قد بنى ذلك على المعطيات التي كانت تزودها به بعض الجمعيات ، و التي كانت تستحوذ على جميع الكميات المصطادة ، وتفعل فيها ما تشاء عن طريق التهريب المرخص ! و تساءل في الأخير : إلى أي وزارة هم تابعون «تجار السمك»، هل لوزارة الفلاحة و الصيد البحري ، أم لوزارة التجارة و الصناعة... ؟ هذه السياسة أثرت بشكل سلبي على المنظومة الصحية ككل وبصفة خاصة كان أثرها أكثر على تطور الموارد البشرية الكفأة ( من أطباء وممرضين) . وبمناسبة اليوم العالمي للممرضة والممرض ، سنتطرق إلى الخصاص المهول الذي يعرفه هذا القطاع نتيجة سوء التدبير الذي عرفه هذا المجال . في سنة 1984 تم اتخاذ قرار على مستوى وزارة الصحة يقضي بإغلاق كل مدارس تكوين الممرضين الإعداديين وتقليص عدد مدارس الممرضين المجازين من الدولة من حيث العدد ومن حيث التخصصات، حيث أصبح عدد المتخرجين لا يتجاوز 700 ممرض في كل فوج، ما جعل عدد الممرضين المتخرجين من مدارس التكوين يتضاءل، والمناصب المحدثة لا تواكب المتطلبات ولا تتطابق مع المعايير الدولية والمنظمة العالمية للصحة. والتوظيفات التي تم اعتمادها لا تكفي حتى لتعويض المحالين على التقاعد.الشيء الذي جعل عدد الممرضين في القطاع العام يتأرجح بين 25000 و 26000 على مدى 20 سنة الماضية، واستحضارا للزيادة التي عرفها المغرب من الناحية السكانية خلال هذه الفترة، والتطور الملموس الذي عرفه القطاع في ما يخص عدد المستشفيات والمؤسسات الصحية وكذلك ما يعرفه المغرب من انتقال وبائي جديد ، حيث أصبحت الأمراض المزمنة تشكل ثقلا كبيرا وهي التي كانت تعرف بأمراض الدول المتقدمة ( أمراض القلب والشرايين، السكري، السمنة، السرطان ، أمراض الكبد...). كل هذا كان يستوجب مواكبة متوازنة في التكوين الكمي والنوعي والتوظيف لتلبية متطلبات وحاجيات المواطنين في العلاجات والخدمات الصحية في ظروف ملائمة. مع الأسف، المسؤولون المتعاقبون تجاهلوا الموضوع لفترة طويلة، وخلال العشر سنوات الأخيرة بدأ الكلام من طرف الوزراء الذين تعاقبوا على القطاع منذ سنة 2002 عن الخصاص في فئة الممرضين وحددوه بين 9000 و 15000 ممرض . ووقوفا عند هذه الأرقام، وإقرارا أن العجز هو فعلا ما تم التصريح به، نتساءل كيف يمكن سد هذا الخصاص، علما بأن عدد المناصب المخصصة لقطاع الصحة في الميزانية لا يتجاوز 2000 منصب لكل الفئات وحصة الممرضين بين 700 و 1000 منصب، وهو ما يعادل عدد المحالين على التقاعد. وحتى إذا افترضنا أن الحكومة خصصت مناصب أكثر، فإن عدد المتخرجين من معاهد التكوين المتواجدة حاليا لا يفي بالمطلوب ولو توفرت الإرادة لذلك. وإذا قمنا بمقارنة مع بعض الدول المجاورة وفي نفس المستوى الاقتصادي والاجتماعي، سنجد أن الخصاص أكثر بكثير من الأرقام الرسمية. - المغرب يتوفر على 8 ممرضين لكل 10000 مواطن - الجزائر تتوفر على 22 ممرضا لكل 10000 مواطن، أي بلغة الأرقام لنا عجز 42000 ممرض مقارنة مع هذا البلد. - تونس لها 29 ممرضا لكل 10000 نسمة، لنكون في نفس المستوى لنا عجز يبلغ 63000 ممرض الآن. أما المقارنة مع بعض الدول المتقدمة فإن الفرق شاسع جدا: - ففرنسا مثلا تتوفر على 80 ممرضا لكل 10000 نسمة، ويبلغ العجز عندنا مقارنة مع هذا البلد ما مجموعه 216000 ممرض - اليابان 95 ممرضا لكل 10000 نسمة - الولاياتالمتحدة 94 ممرضا لكل 10000 نسمة. من خلال هذه الأرقام يظهر جليا النقص الحاد لفئة الممرضين في بلدنا ، حيث أصبح الممرض (والممرضة) مطالبا بأن يبذل مجهودا أكثر من 4 مرات من الممرض التونسي، و10 مرات أكثر من الممرض الفرنسي...وفي ظروف أصعب وبإمكانيات أضعف. وبتبيان هذه الحقائق نطرح الأسئلة التالية: - هل فعلا القطاعات الاجتماعية التابعة للوظيفة العمومية ومنها قطاع الصحة، تعرف ارتفاعا في الموارد البشرية؟ - لو تم توظيف العدد الكافي من الممرضين أسوة بدول الجوار، هل سيشكل ذلك عبئا على الميزانية؟ - كيف يمكن إيجاد حل لهذه المعضلة ولو توفرت الإرادة عند المسئولين؟ إن النقابة الوطنية للصحة العمومية، العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل، قامت بهذه الدراسة مساهمة منها لتنوير الرأي العام المهني والوطني من أجل إثارة الانتباه لهذا الواقع من أجل فتح نقاش شامل ومسؤول من طرف كل الفاعلين لتدارك ما يمكن تداركه، وذلك يستوجب وضع استراتيجية محكمة ومستعجلة . كما نقترح أن يدرج هذا الموضوع في الندوة الوطنية التي تعتزم وزارة الصحة تنظيمها في أفق وضع منظومة صحية متوافق عليها من طرف المجتمع المغربي.