Moins plus كلما رن محموله ولا من مجيب ، وكلما وجدت نفسك قد وقعت كرها في قبضة علبته الصوتية، فتأكد بأن نور الدين التلسغاني منكب على التأسيس لمؤامرة أو مفاجأة ، لا ريب ستدهش رائيها وسامعها وكل من تحركه حاسة شمه - نحو رائحة فائقة الشهرة تنبعث من مكان وزمان تعذر المكالمة - من زمرة محبيه الذين لا يملون من محاولات ربط الخط مرارا وتكرارا بمُشَغل يبدو أنه غارق حتى الرأس في الإعداد لما يفتح الشهية ويلبي حاجة جمالية في غاية الأهمية والإلحاح . فطال المدى أو قصر يبقى أمل الجميع واردا في الحصول على نصيب عادل من هذه الكعكة التي لا يعرف أحد سواه، مكوناتها بالمقادير المطلوبة، ولا طقوس تهييئها النفسية، ما هو بديهي معروف بالنسبة للعادي والبادي ، هو أن (شْهِيوة) في منتهى اللذة عادة ما تنضج تحت أضواء هادئة ، نور الدين من القلة الهائلة ، التي تملك مفاتيح استخدامها، متى يشعلها ومتى يطفئها وكيف ينجز المهمتين:(زَايْدْ نَاقَصْ) في وقت واحد كمن يصفق بحرارة يَد عارية عاليا من غير أن تحترق أصابعه في الهواء الطلق . هَاهُوَ بَيَشْعَلْ هَاهُوَ بَيَطْفَى . نور الدين جندي معروف يصطاد الصور بأحدث المشاعر: الأمر شبيه بتسمية مولود، بقطع شريط ، بحفل عقيقة أو ختان ، بإزاحة الستار عن تحفة أو تمثال أو تذكار، كان غائبا عن الذهن طي الكتمان ، وسيبقى كذلك لولا مشيئة الفنان بالتبرع بقسط وافر من جهد وعرق ودم وحبر ودمع وفرح وأرق وثورة وغضب،هذا جانب لا يستهان به من عدته المنهجية التي يُسَخرها لتنشيط شبكة العين وتوسيع رقعتها كمقر لائق يسع الأشخاص والممتلكات وسُيولة مواقفهم وأحوالهم دونما إحساس بضيق يُذكر، أو بصيغة أخرى هذا عَتادُه وإن لم يكن واردا فعلا وإسما في تاريخ الطوارئ والأزمات البارد منها والساخن وما هو في حكم مجهول الهوية ، فلا بأس أن ننسبه من الآن فهابطا لهذا الفتى المجند بحرصه الفني على استثباب الأمن والسعادة وما جاورهما من الأحاسيس الرقيقة في العيون تحديدا،بحكم كونها أكثر من غيرها عرضة على مدار الوقت ، لتحرشات مدوية، تروم إضعاف فتوتها العصبية رُوَيْدًا رُوَيْدًا، إلى أن تفقد بالتدريج الممل قدرة السيطرة على مواهبها ، المشهود لها ميدانيا بعلو الكعب في الصيد وحسن العوم فيما وراء الخرائط أو في قيعان الأسرار الهاربة من بين الأصابع كأسماك من حلم خالص ، يظهر لي جليا أن نور الدين يقبض عليها بإعمال أحدث المشاعر التي رباها منذ الصغر على الطيران بسرعة مجنونة من علو فائق . توازن التجربة والقلب: على ظهر الساحة عبرت قوافل كثيرة ، في الطريق من الجغرافية إلى التاريخ ومن التاريخ إلى الجغرافية، ومنهما معا إلى الحاضر والخيال بحمولتهما الصورية واللغوية . مر قوم وخلق كُثر ، حفاة عراة، أو بجلاليب مكيفة للهواء أو بأنصافها. مر آخرون بأحذية لماعة وربطات أعناق، ومعاطف شتوية وأقمصة صيفية. مر أيضا المخبرون والسحرة وأولاد الذين من السفلة والإرهابيين. مرت متفجرات ورؤوس أموال وأفكار وأشعار وأذكار وملائكة وخونة . ومر التقليد جنبا إلى جنب مع الحداثة. معظم هؤلاء وأولئك مروا مرور الكرام، ولم يحظوا برضى وعطف الساحة ولا الجامع المجاور، ببساطة لأنهم ليسوا على إلمام تام بأبجدية سير تعطي الأولوية لدوي السوابق الجمالية، في اجثتاث كمائن وضعت في طريق الأحلام بكميات خطيرة، حتى لاتصب في نقطة نوم محدثة نفس الوقع الجميل المحبب للقلب والشعور، الذي أحدثه شاب في مقتبل الفن والسحر على مسمعها ، كما لم يصدر عنهم نفس الصمت الذي يسقط من الرجل مدرارا وهو بصدد التحقيق في أمهات الذكريات والنكث مما يحدو بالساحة إلى الالتفات بأم أذنيها في محاولة لالتقاط محاصيل يديه وعينيه من خيرات ما عُدّل ونُقّحَ وحُقّقَ فَرُكّب في طبعات أنيقة،مجرد تصفحها يحيل إلى نوستالجيا بادخة من الشجن على ما فات والضحك على ما هو آت ، الضحك الذي يعيد للساحة قسماتها الضائعة ،وهي تتقدم عُمْريا في الفناء دونما حاجة إلى أنين أو عكاكيز. إنها أروع الصور أتيح للفنان التلسغاني أخذها عن نفسه وعن الساحة وهو يسندها في الفراغ . لنور الدين التلسغلاني مكانة تضمن توازن التجربة والقلب في قلب الصورة، مرة إلى مزار في كبد السماء ، وأخرى في الأرض إلى مسار طويل نقطعه على وجه السرعة فننعم براحة البال ، كرسالة قصيرة تنقال على شحنات بتعبئة مضاعفة ، تفي بالغرض الذي من أجله يفتح نو الدين الكاميرا ويغلق الهاتف ويختبئ في الضوء ورصيده من الصور على أتم صحة وعافية يتضاعف يوما بيوم.