ليست نهاية "جيت فور يو" مجرد علامة على انسحاب العملاق الأوربي TUI من قطاع النقل الجوي المغربي، إنها كذلك خاتمة استراتيجية حرب تنافسية قبلتها السلطات العمومية على أمل دعم السياحة الوطنية، فتحولت إلى حرب مباشرة على الناقلة التاريخية، وحصيلة الخسائر هي ما لا يقل عن 17 طائرة للمسافات البعيدة مع إرغام الخطوط الملكية المغربية "لارام" على مباشرة إعادة هيكلة صعبة وحرمان مهنيي السياحة من الدعم الجوي. "جيت فور يو" لم تعد موجودة، والشركة الجوية المغربية ذات الكلفة المنخفضة أنشئت سنة 2006 تحت غطاء الاستجابة للديناميكية الهائلة المستمدة من رؤيا 2010، وبعد 5 سنوات من الخسارة المتتالية، تم امتصاصها من طرف الشركة البلجيكية الأم "جيت إير فلاي" التي تعتبر بدورها فرعية لعملاق قطاع السياحة الأوربية ، المجموعة الألمانية "توي TUI " منذ أبريل 2012 تم، بتكتم شديد، وضع ألوان الناقل البلجيكي الزرقاء محل اللون الأخضر الذي كانت ترتديه طائرات الناقل المغربي، وإذا كان الأسطول لا يزال في الوقت الراهن مستقرا في المغرب, فإن الترقيم المغربي للطائرات "CN" التي ترمز ل "شريف chérifien" ترك مكانه منذ مدة لرمز سجل الطيران المدني البلجيكي "00" حاليا، لا تزال البوابة الإلكترونية للشركة مفتوحة أمام العموم, ولكن إغلاقها النهائي لم يعد إلا مسألة وقت، فكل الرحلات، كما تؤكد الشركة، تنجز من طرف "جيت إير فلاي"، وفي نفس السياق فإن الرمز 8j الذي خصت به المنظمة العالمية للطيران المدني الناقلة المغربية لم يعد له وجود في أبراج المراقبة. أية حصيلة يمكن استخلاصها من التجربة القصيرة ل "جيت فور يو"؟ بفضل الاستفادة من الدعم المعلن للسلطات المغربية الوصية على قطاعي النقل والسياحة، فإن "جيت فور يو" استقرت سنة 2006 في العاصمة السياحية مراكش وفتحت خطوطها الخمسة الأولى في كبريات الطرق السياحية للخطوط الملكية المغربية، فيجب القول أن شروط اللاتنافس غير مطبقة في المغرب وأن أطرا قدامى للخطوط الملكية المغربية أفادوا "جيت فور يو" بمعرفتهم الجيدة لشبكة خطوط الناقلة الوطنية، وهكذا، وفي وقت قصير انتقلت الشركة إلى الدارالبيضاء، والخطوط الخمسة الأولى التي فتحتها كانت مرة أخرى متقاطعة مع أقوى خطوط الناقلة الرسمية "لارام". من هنا تتضح إستراتيجية النقل الجوي المنخفض التكلفة التي رسمت ضمن أولوياتها الاستحواذ على الطرق ذات المؤهلات العالية، والتي تم تاريخيا تطويرها بفضل الشركات الكلاسيكية، فحصة الخطوط الجديدة لم تتجاوز 9% من مجموع الترددات في اتجاه المغرب المستغلة من طرف الشركات المنخفضة التكلفة . لقد عملت الشركة المغربية المنخفضة التكلفة منذ نشأتها، على أن تتخذ من مطار الدارالبيضاء القاعدة الأساسية لعملياتها لتتطور في اتجاه الأسواق التي تستقر فيها نسبة عالية من المغاربة المقيمين بالخارج، وخاصة فرنسا وإيطاليا، وأيضا بلجيكا، فقد فضلت خيار المواجهة مع الناقلة الوطنية "لارام" على خيار المساعدة والتطور في اتجاه الأسواق السياحية ذات المؤهلات العالية مثل روسيا وأوربا الشرقية، وإستراتيجية الافتراس المعتمدة منذ البداية تضررت بدخول الشركة الثانية المنخفضة الكلفة "العربية "AIR ARABIA" للمغرب منذ 2009 معتمدة نفس أسس التطور ونفس الوجهات، فالشركات المغربية المنخفضة الكلفة لم يسبق لها أن عرقلت نشاط عمالقة القطاع الأوربيين مثل "إيزي جيت Easy Jet" و "ريان إير Ryan Air " ذلك أنها ركزت طلقاتها على الخطوط الملكية المغربية وعلى خطوطها التاريخية داعمين بذلك الشركات الأوربية ومساهمين في هشاشة الناقلة الوطنية التاريخية, لقد فشلت هذه الإستراتيجية المتعمدة والهادفة لإضعاف الناقلة الوطنية اعتمادا على غزو خطوطها الرئيسية، كما أن تدمير القيم كاد أن يؤدي إلى زوال الخطوط الجوية الملكية المغربية. في الواقع، لفهم فشل الشركتين المغربيتين الصغيرتين المنخفضتين التكلفة وما تسبب فيه ذلك من الخسائر التي تكبدتها الخطوط الملكية المغربية, يجب البرهنة على ذلك بالمنحنى البياني لأسعار الشركتين الجديدتين على خط معين، إذ ينطلق، قبل أمد طويل من إنجاز الرحلة، من مستوى جد منخفض ولكنه يتصاعد بشكل جلي قبل موعد انطلاق الرحلة بعدة أسابيع، بينما الخطوط الملكية المغربية تحافظ على مستويات أسعار ثابتة تقريبا، وعلى عرض وفير معزز بالارتفاع المتواصل لنسبة امتلاء مقاعد الطائرة بالركاب، فالأثمان والعروض التي تبنى عليها أسعار الشركات المنخفضة التكلفة تنتهي بإنجاز رحلات جد ممتلئة ولكن بأسعار غير كافية، إن هذه الوضعية فرضت على الخطوط الملكية المغربية اعتماد أسعار تقل عن الكلفة الحقيقية للحفاظ على وجودها ، وجعلتها تعاني من اختلال توازناتها لمستويات تفوق حتى القوى المتواجدة، وبالفعل فإن رحلة وحيدة مقترحة من شركة منخفضة التكلفة يمكن أن تؤثر سلبا على مجموع الترددات المتعددة المعروضة من طرف الخطوط الملكية المغربية على نفس الطريق. لتوضيح هذا المنطق، علينا أن نتصور رحلة ذهاب معروضة من طرف شركة منخفضة التكلفة بقيمة 450 درهما عند المنطلق، فيجب عليها أن تبيع بأسعار في تزايد مستمر إلى أن تصل إلى 2500 درهم لتصل إلى التوازن الاقتصادي للرحلة,، وإذا عرضت "لارام" بالمقابل عددا كافيا من المقاعد ب1500 درهم فإن الشركات المنخفضة السعر لا يمكنها أن تتجاوز سقف 1500 درهم، فبعد بضع سنوات وجدت شركات السعر المنخفض المغربية نفسها غير قادرة على مواصلة اللعبة فانزوت إلى الأقاليم, وخلال هذه الفترة حافظت "جيت فور يو" على زبنائها المعتادين المتمثلين في مسافري منظم الرحلات "مارمارا MARMARA" التابع لمجموعة TUI ، وبذلك فإنها قدمت خدمة ل "لارام " ما دام أن ضياع هذه المحفظة قد تحقق في أحسن فترة بالنسبة إليها، فعندما أدت أزمة القطاع السياحي إلى نقصان عدد مسافري "مارمارا" اضطرت "لارام" إلى إغلاق الطرق الأكثر خسارة من بين تلك التي كانت مستعملة بكثرة من طرف "مارمارا إن حصيلة إنشاء شركات مغربية صغيرة جدا للنقل المنخفض الكلفة، متسمة بالعجز عن مواجهة العمالقة الأوربيين وباختيار إستراتيجية الاعتداء على "لارام" ، كانت سلبية على القطاع الجوي المغربي بأكمله، فالخطوط الملكية المغربية التي تكبدت خسائر في حدود 20 مليون درهم في الأسبوع سنة 2011 اضطرت إلى تنفيذ مخطط صعب لإعادة الهيكلة بدعم من الدولة ، مخطط أسفر عن تقليص الأسطول وعن مغادرة ثلث المستخدمين. لقد بلغ مجموع الطائرات التي افتقدها المغرب منذ سنة 17 طائرة، منها 10 ل "لارام" و 5 ل "جيت فور يو" و 2 ل 3العربية" التي أعلنت مؤخرا عن عودة طائرة خلال الصيف, في هذه الظرفية يواجه قطاع السياحة وضعية صعبة ويطالب بالمزيد من الرحلات لتغطية بعض الوجهات, بينما الشركات الأوربية المنخفضة الكلفة شرعت في التراجع عن أنشطتها في اتجاه المغرب,ففي فصل الشتاء بلغت نسبة التراجع 19% ومن المنتظر أن ترتفع هذه النسبة لتصل إلى 29% خلال فصل الصيف، أما "لارام" التي أضعفتها سنوات إغراق السوق فلم يعد من الممكن اللجوء إليها كالسابق, إلا إذا قبلت الدولة والمهنيين بتحمل مخاطر الخسائر, بالنسبة ل "جيت فور يو" التي كانت تراهن عند نشأتها على أن تكون أول شركة طيران خاصة مغربية, فقد واجهت انسحاب المساهمين المغاربة من رأس المال منذ يونيو 2008 ، فحينها أقدم كل من أحمد بنعباس التعارجي (غيي مراش ) والشركة العامة عبر صندوقها الاستثماري "investima " و التجاري وفا بنك على بيع مجموع حصصها البالغ 60% إلى المجموعة الألمانية TUI التي تحولت إلى ربان وحيد للشركة، وقد تلا ذلك مفاوضات مع الخطوط الملكية المغربية ولكنها لم ترد بالإيجاب على طلبات الدخول في رأس المال. نفس التساؤلات تطرح كذلك حول مكانة المغرب في السياسة التنموية لشركة الطيران البلجيكية "جيت إير فلاي"