غارات إسرائيلية تخلف 19 قتيلا في غزة    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت        بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موتسيبي يتوقع نجاح "كان السيدات"    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب    صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة        الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    ما صفات المترجِم الناجح؟    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !        تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استقالتي من «التقدم والاشتراكية» نهائية، ولا أستبعد التحاقي بالعدالة والتنمية
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 05 - 05 - 2012

أكد يوسف بلال، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية (سابقا)، أن استقالته من الحزب لا تطرح بالنسبة إليه أي مشكل، خاصة أنه لا يؤمن بالانكماش في الحزبية أو الدفاع عن أجهزة تعرف انحرافا على مستوى القيم والمبادئ التي يؤمن بها. مؤكدا أن دافعه نحو الاستقالة هو أن قيادة الحزب عوض أن تدعم التجربة التي يقودها الإسلاميون، والتي يشارك فيها كحزب من أحزاب الأغلبية الحكومية، أصبح يخدم مصالح القصر والاستعمار الجديد...
- يقول بعض المراقبين إن بيان استقالتك من حزب التقدم والاشتراكية يحمل في طياته تقاربا مع العدالة والتنمية. هل ستلتحقون بهذا الحزب؟
- أنا الآن سأتفرغ لأبحاثي الفكرية، لكن المستقبل منفتح على جميع الاحتمالات، ولا أستبعد أي شيء. فشخصيا، لم يسبق لي أن آمنت بالانكماش في الحزبية أو الدفاع عن الأجهزة الحزبية التي أصبحت هوية و شيئا مقدسا عند البعض. ذاك هو الفخ حينما تصبح مثل هذه الأجهزة امتداد للهوية. وأعتقد أن الممارسة السياسية ينبغي أن تعود إلى نصابها. الحزب مجرد آلية ووسيلة، والأساس هو المبادئ والقيم.. وفي نظري، يمكن خدمة هذه المبادئ من أي موقع، ومن مواقع مختلفة على المستوى الفكري والإيديولوجي.
هناك مسألة أخرى، إذا كان حزب العدالة والتنمية ينخرط في التجربة بشكل صحيح ويأخذ مبادرات قوية ويتلقى ضربات ويوجه هو أيضا ضربات ويتموقع في الحرب الباردة ضد جزء كبير من محيط الملك. إذا استطاع أن يواجه فليس لدي أي مشكل. لكن إذا كان سيصبح حزبا مثل الأحزاب الأخرى، فلا يمكن..
- نفهم من ذلك أن هناك اتصالات مع العدالة والتنمية؟
- لا. ليست هناك أي اتصالات من أي نوع. فأنا موقفي هو أن المبادئ يجب أن تتجاوب مع الإطارات السياسية. والرهان اليوم ليس أن تكون القوة السياسية حزبا، بل أن تربط جسورا مع القوى الاجتماعية الموجودة، وعلينا أن نتجاوز ، كما قلت سابقا ، التعارض بين اليسار والحركة الإسلامية..
- هل معنى ذلك أنك لن تلتحق بالإسلاميين؟
- ليس لدي مشكل مع الإطارات، و انطلاقا من التحليل الموضوعي، ليست لدي أي مشكلة مع العدالة والتنمية، ولا مع الحركة الإسلامية بصفة عامة. بل أعتبرها جزءا من المجتمع، ويمكنها أن تلعب دورا في الانتقال الديمقراطي. والسؤال هو: كيف يمكن التعامل معها مع الحفاظ على المسافة الضرورية معها.
- أنا أيضا أطرح معك هذا السوال؟
- نتائج الانتخابات لا تكون شيكا على بياض، وعلى الحزب الفائز أن يأتي بنتائج ملموسة، وأن تكون له شرعية انتخابية قوية مقارنة مع انتخابات 1998 مع الفارق في السياق، فالسياق الذي أتي بالعدالة والتنمية هو الحراك الشعبي. ولقد حقق هذا الحزب الاكتساح، لأنه راهن على الجانب الأخلاقي.
فإذا كان جزء من اليسار، وأقصد حزب التقدم والاشتراكية، قد انخرط في الحكومة لإنجاح التجربة، ودعم القرارات التي تذهب في الاتجاه الصحيح، وهي قرارات مرتبطة بمحاربة الفساد وإعادة بناء المشهد الإعلامي بما يمثل تنوع الهوية المغربية. فإنه عوض أن يدعم هذه التجربة، أصبح يخدم مصالح القصر والاستعمار الجديد. وهذا هو الإشكال الحقيقي.
- إذن تعتبرون أن دور التقدم والاشتراكية داخل الحكومة هو كبح المسعى الإصلاحي؟
- الإشكال مطروح على العديد من المستويات. لقد لاحظتم كيف خرج الأمين العام للحزب ليعلن بأنه يرفض الكشف عن اللوائح في القطاع الذي يشرف عليه وأنه لا يهتم بالماضي، بل يتوجه للمستقبل، فهذا معناه بأنه يرسل إشارات لطمأنة المستفيدين..
لنكن واقعيين، فدفتر التحملات خضع لجميع المساطر القانونية، والدليل على ذلك أن «الهاكا» صادقت عليه..
- في ظرف 24 ساعة، حتى دون أن تناقشه؟
- أنا أتحدث على مستوى المضمون والمرجعية، فحينما تنص دفاتر التحملات على دعم اللغة العربية، أتساءل: أين هو الإشكال؟ هل نسينا أن اليسار والحركة الوطنية كلها كانت تدعو إلى التعريب. فمجلة أنفاس بدأت بالفرنسية ثم انتهت إلى العربية. علينا أن لا ننسى ذلك. على هذا المستوى أنا مع دفاتر التحملات. أما أن يأتي الحزب اليوم ليساند المهنيين الذين انتفضوا ضد هذه الدفاتر، فهذا ما لا أفهمه. ولا ينبغي أن ننسى أيضا أن هناك اليوم صراعا طبقيا بين من ينطق باللغة الفرنسية ومن ينطق باللغة العربية، بدعوى أن الفرنسية هي التي تتمتع بالقوة الاقتصادية والعلمية والثقافية. وهذا هو النقاش..
- النقاش ليس مطروحا على مستوى اللغة الفرنسية في علاقتها باللغة العربية فقط. بل أيضا على مستوى اللغة العربية التي ستستعمل في الإعلام، هل هي اللغة النحوية أم اللغة الوسطى أم الدارجة، خاصة أن دفتر التحملات نص على وظيفة «المدقق اللغوي»؟
- هذا جزء من النقاش. لكن جوهر النقاش في الواقع كان بين الناطقين بالفرنسية الذين ليس لهم أي إلمام باللغة العربية ولا يبذلون أي مجهود للتمكن منها، وبين الناطقين باللغة العربية. أما المتمكنون من اللغة العربية فليس لديهم أي مشكل.. الذين انتفضوا ضد اللغة العربية يريدون أن يأتي المجتمع بكامله إليهم عوض أن يذهبوا إليه. فالأقلية تريد أن تفرض نفسها على الأغلبية، وهذا إشكال كبير. وحينما نتكلم عن الاستعمار الجديد، فاللغة العربية تدخل في صلبه. فمثلا، المرحوم شمعون ليفي يفتخر بوثيقة سياسية مكتوبة باللغة العبرية- وهي موجودة في المتحف اليهودي- تدعو اليهود المغاربة إلى عدم التفريط في اللغة العربية، لأن التفريط فيها خطة استعمارية.. ولهذا، لم يخف شمعون أبدا حرصه على اللغة العربية.
الآن حينما نلاحظ أن حزب التقدم والاشتراكية، الذي كان جزءا من الحركة الوطنية، لا يدافع عن اللغة العربية، فهذا تعبير عن التغيير الهيكلي الذي وقع في الحزب منذ سقوط جدار برلين..
- طيب، إذا كانت القيادة الحزبية هي التي تصرح بمواقف غير داعمة للإصلاح ، كما تقولون، فهل هذا يبرر الاستقالة من الحزب، وليس فقط من الديوان السياسي، علما بأن الأجهزة المقررة لم تجتمع للتداول في مثل هذه الإشكالات؟
- أولا الحزب منذ سقوط جدار برلين، بدأ يعرف تغيرات. نعم إنني أعتبر المشاركة في التوافقات التي تمت في مرحلة التناوب تجربة مشروعة. لكن لم يكن هناك أي مبرر للمشاركة في حكومة جطو (2002) . أما اليوم، فأعتبر أن التجربة، مع حكومة بنكيران، يمكنها أن تكون تجربة ناجحة ومشروعة، لأنني أعتبر أن هذه الحكومة هي امتداد لحكومة اليوسفي..
- البعض يطلق عليها حكومة التناوب الثانية..
- نعم.. هذا صحيح. إذن في المدة الأخيرة، هناك مناضلون، ومنهم الراحل شمعون ليفي، اتخذوا مسافة من الحزب، بسبب اختفاء الروح النضالية التي كانت سائدة. والآن، لاحظنا بعد مؤتمر 2010 أن اللجنة المركزية تضم 750 عضوا. وهذا تعبير عن رغبة لدى القيادة في طمس أي فضاء للعمل داخل الحزب، حتى لا تكون هناك مراقبة. كانت هناك رغبة أكيدة في جعل الأمين العام وأعضاء الديوان السياسي يسيرون في نفس الاتجاه..
- هل الاستقالة هي «إعلان عجز» عن مقاومة التيار الغالب في الديوان السياسي، خاصة أن سعيد السعدي أيضا اختار الانسحاب من القيادة..
- نعم. انسحب من الديوان السياسي وبقي عضوا في اللجنة المركزية. لكن السؤال هو: كيف ستعمل من داخل لجنة مركزية تضم هذا العدد الكبير من الأعضاء؟ ثم هناك جانب آخر، ويخص المرجعية. فالمرجعية الفكرية للحزب كانت معروفة، وكان الحزب يعتمد، على مستوى التحليل، على الماركسية اللينينية. أما الآن، فالمرجعية ، كما يقول الأمين العام ، هي الحداثة، وكأن الحداثة شيئا جديدا. الحداثة في الغرب أصبحت متجاوزة، وهي مرتبطة بالبورجوازية الليبرالية، كما أن النقاش من خلالها يكون حول قضايا جزئية عوض أن يرتبط بالقضايا العامة. كما أنه ليس هناك أي تعارض بين الحداثة والدفاع عن الهوية.. نحن الآن بحاجة إلى جسور تربطنا بالتراث. فالاتحاد الاشتراكي كان يضم في صفوفه مناضلين يلعبون هذا الدور مثل الفقيه البصري ومحمد عابد الجابري والحبيب الفرقاني.. كما أن عبد الكريم مطيع، زعيم الشبيبة الإسلامية، كان عضوا فاعلا في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وأنا أذكر هذا على مستوى التحليل، لأبين أن المغرب كان يتوفر على إطارات جامعة..
إن إشكال علاقتنا بالماضي والتراث يدخل في سياق الاستعمار الجديد الذي تحدثنا عنه، لأن العديد من النخب تعتبر أن تاريخ المغرب بدأ في 1912 أو في 1956، وهناك من يعتبر أن الاستعمار شيء عظيم وجلب لنا «عصر الأنوار»، وهذا خطير جدا. والحال أننا أصبحنا بصدد جيل جديد ليس مغربيا بمعنى الكلمة، بل متشبعا بالحقد على الماضي والهوية العربية الإسلامية، و يتمنى في لاشعوره أن تحقق القطيعة مع الماضي وأن يصبح المغرب بلدا من ضواحي أوربا، وأن يتحول المغربي إلى أوربي أو فرنسي. وهذا شيء خطير.
الإشكال المطروح اليوم هو أننا أمام الحركة الإسلامية التي يحضر لديها التراث أو الماضي بقوة، واليسار الذي تخلى عن هذا الجانب.
هناك إشكال رابع، هو تشكيلة الحزب على مستوى السن، وعلى مستوى العلاقة التي تحكم بين المناضلين التي تحولت إلى علاقة زبونية. فما هو سائد في الديوان السياسي اليوم هو علاقات الزبونية، وأصبح التموقع الاجتماعي هو الذي يحكم الأداء السياسي. وربما هذه هي الأزمة التي تعيشها اليوم أحزاب اليسار..
- ألا تعتقد أن جزءا من هذا الأداء يتحمله مثقفو الحزب، خاصة أنهم يمثلون الضمير المرجعي للمناضلين؟ وهل معنى ذلك أن المثقفين فسحوا المجال أمام هذا النوع من القيادات؟ وهل الاستقالة من الحزب هي الحل في نظرك، عوض المواجهة من الداخل؟
- هناك اختيار، إما أن يكون اليسار أقلية مؤثرة وإما أن لا يكون. فعلى المستوى الانتخابي، لا أتصور ، في السنوات المقبلة ، أن يحقق هذا اليسار نتائج مهمة. لماذا؟ أولا، بالنظر إلى طبيعة التشكيلة الاجتماعية للكتلة الناخبة. ثانيا، الخطاب الأخلاقي الذي تقوم بتصريفه الحركة الإسلامية، والذي أعتبره شيئا أساسيا.. وللأسف حتى الأحزاب اليسارية التي حاولت أن تحافظ على الجانب الأخلاقي لا تتوفر على وزن اجتماعي ولا على امتداد جماهيري..
- لكن المفارقة أن الأحزاب اليسارية، مثل «الاشتراكي الموحد» و«الطليعة» و«النهج» هي التي تحتل الشارع، وهي التي تقود الاحتجاجات، وهي التي تتزعم التنسيقيات..
- لكن علينا أن نميز هنا بين وظيفة الاحتجاجات ومن يقوم بها ، وبين الزمن الانتخابي والقدرة على تدبير الحملات واستمالة الناخبين والارتباط بالجماهير. لا بد أن تكون لدينا رؤية واضحة من التمييز بين الزمنين.
وبالنسبة لي، لنصحح ما يمكن تصحيحه، لا بد أن ننطلق من التشكيلة الاجتماعية للأحزاب. فمثلا، حزب التقدم والاشتراكية، بالنظر إلى خطاباته ومواقفه حاليا ، أصبح توجهه يمينيا..
هناك مسألة أخرى لا بد من الإشارة إليها، وهي أن التعارض بين الحركة الإسلامية واليسار ينبغي تجاوزه، لأنه تعارض مبني على بعض الجزئيات، أو بالأحرى مبني على سوء التفاهم. فمثلا حين تعود إلى «الاختيار الثوري» للمهدي بنبركة، فإنه يقول «نحن لا نعرف العلمانية، ولو لم تكن الحركة السلفية الدعوية لاعتنق الإلحاد العديد من الشبان المغاربة الذين درسوا في أوربا». وعلينا فعلا أن نعود إلى تاريخ اليسار لنرى أن المرجعية الإسلامية كانت حاضرة، ولذلك أرى أنه يتعين علينا أن نتجاوز هذا التعارض، وأن ننطلق في ذلك من التحليل المجتمعي والتحليل الفكري الواقعي والموضوعي، كما علينا أن لا ننسى أن اليسار ، في الستينات والسبعينات ، كان له هذا الإدراك. لماذا ينبغي أن يزول هذا التعارض؟ لأن اليسار والحركة الإسلامية يتوفران ، على المستوى السياسي، على التاريخ النضالي والتجذر في المجتمع والرغبة في تغيير العلاقة ما بين الدولة والمجتمع لصالح هذا الأخير..
وعلينا أن لا ننسى أننا نعيش اليوم في فضاء دولي يستحيل العيش فيه دون القدرة على بناء هوية وطنية لها علاقة قوية بالماضي ومنفتحة على المستقبل. وأنت تلاحظ أن الخطاب حول الذاكرة، إما أنه يفضي اليوم إلى إظهار حقد جزء من النخبة، وإما إلى برور خطاب دعائي مرتبط بالملكية. وهذا يقتضي فعلا طرح السؤال التالي: «من نحن؟».
الجواب، في رأيي، يتعلق بالمستوى الثقافي الذي ينبغي أن يحضر بقوة في السياسات. فالعديد من التجارب، مثل الصين والهند وتركيا واليابان، راهنت على الهوية لتحقيق التنمية. وهذا الجانب لا ينبغي إهماله. فإذا راهن البعض على الحداثة، فهذا لا يسمح ببناء الهوية، بل يسهل الانغماس في الواقع الذي فرضه الغرب بكل قيمه الرأسمالية والليبرالية. علينا أن نتحلى بقليل من التحفظ والحذر حيال ما يقدمه الغرب لنا، لأن لدينا تراكما مهما لبناء هذه الرؤية.. وسنرى إن كان المغرب جزءا من ضواحي أوربا أو أنه بلد عربي أو إفريقي..
- في المغرب اليوم هناك صراع بين مرجعيتين. هناك المرجعية المرتبطة بالتراث ( العروبة والإسلام) والمرجعية المرتبطة بالحداثة (الغرب)، وتأسيسا على ذلك يقول البعض بأن هناك صراعا بين مرجعية الجابري ومرجعية العروي.. ما رأيك؟
- إذا قرأت عبد الله العروي، فهو أقرب إلى الجابري في الواقع. فإذا قرأت «الإيديولوجية العربية المعاصرة» أو «نحن والحرية»، فإنه يقول بأنه يتعين القيام بمقاربة نقدية تجاه التراث وتجاه الغرب. والجابري ليست له نظرة مخالفة لذلك، فهو يقول بالمقاربة النقدية، وفي هذا السياق كتب «نقد العقل العربي» واشتغل على بناء المستقبل انطلاقا من نقد التراث. ربما كان هناك صراع فكري، لكن التساؤلات التي كانا يطرحانها والأجوبة التي يقترحانها تشير إلى أنهما في الواقع يتفقان. فالعروي لديه نصوص يقارن فيها بين ميكيافيل وابن خلدون في تحليله للصراع على السلطة.
- بمعنى أنه كان يحاول أن يقوم بنوع من التأصيل للفكر الذي أنتجه الغرب..
- نعم. بمعنى أن العديد من المفاهيم التي يستعملها الغرب كانت موجودة في التراث..
أن تعيش اليوم في زمن الحداثة السياسية يقتضي أن تسمح بأن توجه إليك انتقادات وأن تفسر لماذا اتخذت هذه القرارات، وأن تقدم في شأنها توضيحات، وأن تحاسب وتساءل. فإذا كانت الملكية تتخذ قرارات دون أن يحاسبها أحد، فهذا شيء غير مقبول. لقد كانت الملكية قبل الاستعمار قابلة للمساءلة من طرف أهل الحل والعقد، ثم اتخذت اليوم اتجاها معينا. فإذا كنا نريد الحفاظ عليها من المخاطر، ليس هناك أي إشكال شرط أن لا تكون لها سلطة تنفيذية حقيقية، وينبغي أن يكون دورها رمزيا.. هذا هو الأفق والمبدأ. لكن في الواقع السياسي، الملكية هي التي تحكم..
اليوم، التجربة الحالية التي يقودها العدالة والتنمية، لا ينبغي أن ننسى أنه في ما يخص «التي جي في»، جرى التراجع عن المواقف التي عبر عنها الحزب قبل الانتخابات، حيث نرى الآن كيف أصبح يدافع من موقعه الحكومي عن المشروع. هذا تراجع في رأيي واضح. لنلاحظ أيضا نص التعيينات في المناصب السامية ( المؤسسات العمومية)، ماذا تركوا لرئيس الحكومة؟ هذا تراجع خطير. لكن في نفس الوقت إذا قارنت التجربة في مجملها مع هذين الملفين، فإن التراجع يبدو جزئيا. فعلى الأقل هناك محاولة تجلت في المأذونيات (الكريمات)..
- لكن مسلسل التراجع لم ينقطع، فماذا يمكننا القول بخصوص دفاتر التحملات؟
- ليس لدينا الوقت الكافي للحكم على هذه التجربة، والأمور لم تتضح بعد..
- كيف ذلك، وقد أعلن وزير الاتصال، بعد شراسة في الدفاع عن دفاتر التحملات، بأنه قام بما يتوجب عليه القيام به، وبأن الدفاتر بيد الحكومة لتفعل بها ما تشاء.. رغم أنها خضعت للمساطر القانونية، وجرت المصادقة عليها من قبل الهاكا.
- ليست لدينا مسافة نقدية للحكم على هذا الأمر، والأسابيع المقبلة كفيلة بالجواب عن ذلك. لا نعرف حقيقة ما دار بين الملك وبنكيران والخلفي بخصوص هذا الملف. وما حملته إلينا الصحافة متباين ومتناقض..
لكن بصفة عامة، لا يمكن أن نحكم على التجربة إلا بعد سنة، كما فعلنا مع تجربة التناوب، لنعرف هل سارت في الاتجاه الصحيح..
- هل، في رأيك، التجربة الحكومية الحالية تحمل أسباب النجاح، خاصة أنها تُسير برأسين وتوجهين، كما أن وزراء بنكيران انخرطوا في حرب التصريحات ضد بعضهم البعض ؟
- وجود العدالة والتنمية مرتبط بالشرعية الانتخابية، أي بالرأي العام.. فنحن نعلم كيف تم التهجم على هذا الحزب بعد أحداث الدار البيضاء الإرهابية (16 ماي) - وطبعا لا مقارنة لذلك مع ما تعرض له اليسار في وقت ما- وكيف حاول الهمة الوقوف في وجهه، وعلى هذا الأساس جرى تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة.. إذن، وجوده في الساحة السياسية مرتبط بحضوره الانتخابي القوي وتعاطف الرأي العام، عكس اليسار الذي كان يعتقد بأن لديه حضورا اجتماعيا قويا لكن الانتخابات يجري تزويرها، ولهذا فإن جزءا كبيرا من اليسار، وليس كل اليسار، مازال يعتقد أن وجوده مرتبط بإرادة القصر، وبتحديد مواقفه من القصر، وبحماية القصر، وبأن لا خير يرجى من المناضلين والشعب. أنظر إلى حزب التقدم والاشتراكية، فليس هناك أي قيادي على مستوى الانتخابات التشريعية، باستثناء أوعمو الذي قام بتجربة ناجحة في تيزنيت. فأين هو التجذر في المجتمع؟ هذا هو الاختبار الحقيقي.
إذن، بالنسبة لي، الجديد في التجربة الحكومية الحالية هو الشرعية الانتخابية. وما أتمناه هو أن تنجح هذه التجربة انتصارا للديمقراطية، حتى لا نعود إلى الوراء. وفي رأيي فإن العدالة والتنمية ، حتى الآن، تموقع جيدا في الحرب الباردة، وأصبح يعبر عن مواقفه بكل شجاعة، ويتعامل مع الرأي العام كحليف، ومع الحركة الاجتماعية.. فإذا عرف كيف يقدم استقالته ، في حالة التدخل القوي للدولة، سيكون هذا جيدا. نعم الاستقالة ليست حلا، لكنها يمكن أن تكون كذلك إذا جرى توظيفها في التوقيت الصحيح..
- وهل استقالتك من حزب التقدم والاشتراكية هي الحل؟
- نعم هي الحل بالنظر إلى مبادئي ومواقفي السياسية، وبالنسبة لانسجامي أو عدم انسجامي الآن مع الحزب. فأنا لست مع المقاربة الفكرية المحدودة وغير المنفتحة على التراث..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.