مر أكثر من 15 شهرا على إحالة المدير السابق محمد الطالبي على التقاعد، مازالت مؤسسة التعاون الوطني بدون مدير. و ينتظر أن تعين وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة و التضامن باعتبارها الوصية،على القطاع المدير الجديد للمؤسسة، وذلك بعد المصادقة من طرف البرلمان على القانون التنظيمي الخاص بالتعيين في المناصب العليا. فبغض النظر إلى هوية الشخص الذي سيشغل منصب المدير وما يصاحب ذلك من تخمينات وتأويلات، مازالت مؤسسة التعاون تعاني من عدة مشاكل وصعوبات ،من قبيل التحجيم و التهميش اللذين يطالانها داخل المشهد المؤسساتي الاجتماعي،فضلا عن ضعف الموارد المالية و البشرية،إذ لم تتجاوز ميزانية المؤسسة لهذه السنة 363 . 255 مليون درهم، وهي ميزانية لا تكفي حسب تصريحات أحد أطر التعاون الوطني لتطوير برامج المؤسسة وتوسيع مدى تدخلاتها في الميدان الاجتماعي والإنساني، بالرغم من ارتفاعها بنسبة 43،75 في المائة عن ميزانية السنة الماضية2011 ،حيث تمثل ميزانية التعاون الوطني 87 في المئة من ميزانية التسيير المخصصة للقطب الاجتماعي و 23 في المئة من ميزانية الاستثمار،فالمؤسسة مالبثت تشتغل بأدوات وأساليب عمل متجاوزة يقول هذا الإطار وذلك بالرغم من المجهودات التي بذلت خلال العقد الأخير والتي أفرزت مجموعة من النتائج الايجابية التي لايمكن إنكارها،لكن مع ذلك تظل محدودة الأثر والنطاق،فالمتتبع لأحوال المؤسسة لابد أن يلاحظ الوضعية التي آلت إليها العديد من مراكز التربية و التكوين ومراكز التدرج المهني ورياض الأطفال في حاجة إلى الدعم المادي لتطوير خدماتها وتجديد تجهيزاتها ومعداتها وكذا إصلاح و توسيع بعض البنايات و المرافق التابعة لها،كما أن العديد من البرامج و المشاريع التي وضعتها المؤسسة لم تجد طريقها إلى التنفيذ والتعميم بسبب نقص في الموارد المالية،وأيضا بسبب التهميش الذي تعاني منه المؤسسة بشكل عام من طرف السلطات العمومية لفائدة مؤسسات وجمعيات شبه رسمية. و على مستوى الموارد البشرية، فالمؤسسة تسجل ضعفا كبيرا بفعل الإحالة على التقاعد وكذا نتيجة عملية المغادرة الطوعية التي نظمتها المؤسسة خلال السنة الماضية حيث غادر المؤسسة عدد لايستهان به من الموظفين و الأعوان و لم يتم تعويضهم بالشكل الكافي،فالعديد من مراكز التربية و التكوين و مراكز التدرج المهني و كذا رياض الأطفال أصبحت شبه فارغة وتواجه صعوبات على مستوى التأطير وتقديم الخدمات المطلوبة،كما أن العديد من المؤسسات الاجتماعية و المندوبيات الإقليمية و المنسقيات الجهوية، صارت تعاني هي الأخرى من هذا المشكل،خاصة مايتعلق بأعوان النظافة و الحراسة و سياقة سيارات المصلحة،هذا دون الحديث عن الأطر المتخصصة في مجالات التسيير الإداري و الاجتماعي والمحاسبة المالية التي تحتاجها بعض المصالح الجهوية في القيام بمهامها على مستوى مراقبة مؤسسات الرعاية الاجتماعية ومدى احترامها لمعايير القانون رقم 14.05 الذي ينظم فتح و تدبير هذه المؤسسات الصادر سنة 2007 بعد الزيارة الملكية الشهيرة لخيرية عين الشق بالدار البيضاء. في نفس السياق، نشير إلى أجواء التذمر التي تسود بعض أوساط مديري و مديرات المؤسسات والمراكز التابعة للتعاون الوطني بسبب هزالة التعويض عن المسؤولية الذي لايتجاوز 300 درهم شهريا والذي لايتناسب وجسامة المسؤوليات الملقاة على عاتقهم خاصة مايتعلق بالعقوبات و الغرامات الواردة في القانون 14.05،إضافة إلى ضعف الإمكانيات المادية و البشرية الموضوعة رهن إشارتهم وصعوبة التعامل مع الجمعيات المشرفة على مؤسسات الرعاية الاجتماعية،هذا بالإضافة إلى ضعف إن لم نقل انعدام برامج التكوين المستمر الموجهة إلى عموم موظفي و موظفات التعاون الوطني باستثناء تلك التكوينات التي تم تنظيمها السنة الماضية لفائدة المندوبين وكذا التكوينات الموجهة لمؤطري مراكز التكوين بالتدرج،و الدورات التكوينية التي تشرف عليها المفتشية العامة والموجهة أساسا لأطر ومستخدمي مؤسسات الرعاية الاجتماعية،في الوقت الذي تظل فيه العديد من الفئات محرومة من هذه البرامج. ومما زاد في استفحال هذه المشاكل، حالة الإحباط والغبن التي تسود في أوساط بعض موظفي و موظفات المؤسسة بسبب ضعف الأجور والتعويضات وتقادم القانون الأساسي لموظفي المؤسسة الصادر أواخر سنة 2004،وكذا غياب التعويض عن التنقل داخل الأقاليم،ينضاف الى ذلك غياب باقي المحفزات المادية و المعنوية الأخرى كانعدام التعويض عن السكن والتعويض عن التأطير والمهام ذات الطابع الاستثنائي، ناهيك عن ضعف الخدمات التي تقدمها جمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي المؤسسة وأفراد أسرهم على مستوى السكن والقروض السكنية و الاستهلاكية ومراكز الاصطياف والتخييم والتنقل عبر القطار،وغيرها من الامتيازات التي يحصل عليها زملاؤهم بوزارة التربية الوطنية وغيرها من المؤسسات العمومية. - على مستوى المصالح و الأقسام بالإدارة المركزية وكذا على مستوى المصالح الخارجية من مندوبيات و منسقيات، تسود حالة من الغضب نتيجة ضعف عدد الموظفين المعينين بهذه المصالح،وكذا نتيجة عدم تمكين بعض رؤساء المصالح المركزية من سيارات المصلحة،وأيضا بسبب التأخر في صرف التعويض عن المسؤولية بالنسبة للمناديب و المنسقين،هذا بالإضافة إلى المشاكل التي تسبب فيها توقيف العمل بالهاتف النقال الداخلي flotte la . أيضا نشير إلى المشاكل والصعوبات التي تعيشها المندوبيات التي أحدثت بالعمالات و الأقاليم الجديدة والتي مر على إنشائها أكثر من سنة و نصف ومازالت بالرغم من ذلك تعاني هي الأخرى من عدة مشاكل تتمثل في غياب وسائل العمل الضرورية من موارد بشرية وتجهيزات كافية، بل إن المناديب المشرفين عليها قد حرموا من التعويض عن المسؤولية منذ تعيينهم خلال شهر شتنبر من سنة2010 إلى الآن،كما حرموا ومنذ نفس التاريخ من سيارات المصلحة، وذلك بسبب المذكرة المشؤومة للوزير الأول السابق التي مازال مفعولها ساريا داخل مؤسسة التعاون الوطني، وذلك على عكس العديد من الإدارات والمؤسسات العمومية التي بادرت إلى تجاوز هذه المذكرة بحكم إكراهات الواقع ومتطلبات العمل. من المشاكل البنيوية التي تعرفها مؤسسة التعاون الوطني ضعف التنسيق مع مكونات القطب الاجتماعي المتكون من الوزارة الوصية ووكالة التنمية الاجتماعية. فالمندوبيات التابعة لمؤسسة التعاون الوطني والتي تعتبر بمثابة مصالح خارجية للوزارة وفق قرارات أصدرها مختلف الوزراء الذين تعاقبوا على هذا القطاع لاتقوم بهذا الدور وذلك بسبب عدم إشراك هذه المندوبيات في تنفيذ برامج و استراتيجية الوزارة وغياب قنوات التواصل و التعاون بين مكونات القطب الاجتماعي التي تبدو كجزر مستقلة و متباعدة، كل يغني ليلاه ويشتكي من ضعف الحكامة والتنسيق؟ هذا بالإضافة إلى المنافسة التي صارت تشكلها الأقسام الاجتماعية التي برزت للوجود داخل هياكل مختلف العمالات و الولايات،حيث يشتكي مسؤولو التعاون الوطني بمختلف الأقاليم و الجهات من تهميش هذه الأقسام للمناديب والمنسقين و استحواذها على اختصاصات التعاون الوطني ووكالة التنمية الاجتماعية وكل مايتعلق بالعمل الاجتماعي.وقد زاد من تفاقم هذه الوضعية ضعف الإمكانيات المالية الموضوعة رهن إشارة هذه المندوبيات لإنجاز المشاريع الاجتماعية المطلوبة و السرعة في التدخل بعين المكان لمواجهة كل أشكال الهشاشة والفقر،بسبب سيادة نوع من المركزية الشديدة في تدبير الشؤون المالية و الإدارية لمؤسسة التعاون الوطني وغياب رؤية واضحة و محددة لدور المندوبيات والمنسقيات التي صارت منكمشة على نفسها ضمن ادوار بروتوكولية تتمثل في الاستجابة لدعوات حضور الاحتفالات الرسمية والدينية ،وكذا القيام ببعض المهام الروتينية العادية التي تقتصر على إرسال التقارير و الإحصاءات الشهرية وتوزيع إعانات رمضان نيابة عن مؤسسة محمد الخامس للتضامن كل سنة وتنظيم المنافسات الرياضية بين نزلاء دور الطالب و الطالبة والاحتفال بذكرى تأسيس التعاون الوطني،يؤكد بعض المسؤولين بهذه المؤسسة. بعض العاملين بالمؤسسة أصبحوا يشككون في قدرة المؤسسة على الاستمرارية و مواكبة التحولات الحاصلة في المجال الاجتماعي وذلك نتيجة انشغال معظم الوزراء بالقضايا الحقوقية والسياسية لأوضاع المرأة والطفل وتهميشهم لباقي الجوانب الاجتماعية والمؤسسات الواقعة تحت وصايتهم خاصة مؤسسة التعاون الوطني،التي صارت مهددة بالاندثار يقول أحد أطر هذه المؤسسة إذا ماتم تسليم مراكز التربية و التكوين ومراكز التدرج المهني لمكتب التكوين المهني،وتم تسليم رياض الأطفال ودور الطالب و الطالبة لوزارة التربية الوطنية أو وزارة الشباب و الرياضة؟ متسائلا في نفس الوقت ماذا سيتبقى من مسؤوليات و مهام لهذه المؤسسة العريقة التي أسسها المغفور له محمد الخامس سنة 1957 ؟ تجدر الإشارة إلى أن مؤسسة التعاون الوطني قد أطلقت في السنة الماضية دراسة حول إعادة تموقع repositionnement المؤسسة داخل المشهد الاجتماعي الوطني،ومازالت إلى يومنا هذا لم تصدر بعد نتائج هذه الدراسة التي لاينتظر منها الشيء الكثير حسب بعض المتتبعين من داخل المؤسسة والسبب يعود في نظرهم إلى ضعف الحكامة والتشتت الذي يعاني منه العمل الاجتماعي بالمغرب بشكل عام و تعدد المتدخلين في شؤونه وبالتالي تنافر تدخلاتهم و مشاريعهم، بسبب غياب الالتقائية بين المشاريع و المؤسسات المتدخلة وعدم إسناد مسؤوليات العمل الاجتماعي الذي تشرف عليه الدولة للمؤسسات ذات الاختصاص و التجربة الطويلة في الميدان. نشير أيضا إلى خضوع مؤسسة التعاون الوطني لافتحاص المجلس الأعلى للحسابات حيث يتواجد مفتشو هذا المجلس بالمؤسسة منذ أواسط السنة الماضية و ينتظر أن يصدر المجلس تقريره نهاية هذه السنة ضمن تقارير 2011 . الإدارة المركزية لمؤسسة التعاون الوطني انتقلت إلى المقر الجديد بحي حسان الذي كان في السابق مقرا لمديرية الشؤون القروية التابعة لوزارة الداخلية وقد اقتنته المؤسسة بمبلغ مالي يبلغ ملياران و 300 مليون سنتيم،وذلك بعد تفويت المدير السابق للقطعة الأرضية المتواجدة بحي الرياض لفائدة الخزينة العامة،هذه القطعة الأرضية التي كان مقررا احتضانها لمقر الإدارة المركزية .