تضمن الفصل 29 من الدستور الجديد وعلى غرار الدساتير السابقة فقرة تنص على أن حق الإضراب مضمون ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته. وعبر العقدين الماضيين وفي شروط سياسية واجتماعية مغايرة للواقع الحالي وضعت الحكومات السابقة العديد من مسودات مشاريع للقانون المنظم للإضراب على طاولة الحوار الاجتماعي ولم تستطع الأطراف المعنية التوافق على أي نسخة لاعتبار أن الحكومات السابقة كان لها هدفان أساسيان من إخراج هذا القانون التنظيمي : * الحد من ممارسة هذا الحق الدستوري بتضمين إجراءات تعجيزية قبل اتخاذ قرار الإضراب من طرف النقابة. * تعميم الاقتطاع عن أيام الإضراب على الوظيفة العمومية والجماعات المحلية على غرار ما يقع بالقطاع الخاص وبعض المؤسسات العمومية. إن الحكومة الحالية التي وضعت من ضمن أولوياتها إخراج القانون المنظم للإضراب وبسرعة TGV تشتغل وكأنها أول حكومة في تاريخ المغرب لتغييبها التراكمات الإيجابية والسلبية للحكومات السابقة اعتقادا منها بأن غياب هذا القانون هو الذي ساهم في تزايد درجة الاحتقان الاجتماعي واستمرار الإضرابات في بعض القطاعات, في حين تثبت المعطيات أن أسباب هذا الاحتقان هو التوجه الحكومي نحو التضييق عن الحريات النقابية والحريات الفردية وعدم مأسسة الحوار الاجتماعي مركزيا وقطاعيا ومحليا والتملص من تنفيذ الاتقاقيات المبرمة وخير دليل هو قرار النقابة الديمقراطية للعدل بتعليق الإضراب الذي كان مقررا يومي 17و18 أبريل 2012 بعد التوقيع على الاتفاق بين النقابة ووزير العدل, وفي القطاع الخاص مثلا عن سنة 2011 وبتدخل من أعوان تفتيش الشغل تم تفادي اندلاع أزيد من 930 إضرابا. إن الاهتمام الحالي لوسائل الإعلام العمومية من قنوات تلفزية وإذاعات بهذا الموضوع لا يخرج عن نطاق توجيه الرأي العام بضرورة إخراج هذا القانون التنظيمي الذي يعتبر في نظر الحكومة سببا رئيسيا في اتخاذ قرارات الإضراب, وكأن النقابات هوايتها وسبب وجودها هو الإضراب, في حين أن الدستور الجديد ينص على العديد من القوانين والقوانين التنظيمية المفروض أن تضعها الحكومة الحالية ضمن سلم أولوياتها, وكشغيلة مغربية نتساءل أين هو قانون النقابات الذي يحدد تأسيس المنظمات النقابية وأنشطتها ومعايير الدعم المالي للدولة وكيفية مراقبة تمويلها وكذا احترام دورية المؤتمرات ؟ ولماذا استمرار العمل بالفصل 288 من القانون الجنائي ؟ ولماذا يتم من جديد الاستعانة بالفصل 111 من الدستور الجديد للحيلولة دون التصديق على الاتفاقية 87 المتعلقة بالحرية النقابية وحماية هذا الحق النقابي ؟ إن الأجواء الحالية لا تشجع على مناقشة مضمون المشروع وعلى الحكومة الحالية أن تعمل أولا على إزالة أسباب التوتر, ومنها احترام الحقوق النقابية لإعادة الثقة بين الفرقاء وأن أي قانون مرتقب ينظم هذا الحقل لابد أن يحمي حق ممارسة الإضراب وفقا لمنطوق الدستور عوض أن يقيده ويصبح أمرا مستحيلا.