قرّر «س» أنْ يتخلّى نهائياً عن الأقنعة الزائفة، ويظهر مبرزاً حقيقة صورته فتسمّر أمام المرآة فلم يجد له وجهاً.. قصاصٌ الأرق أجهد «س» وحرمه من لذائذ النوم، سرح تفكيره في الإهانة التي تجرعها كرهاً؛ أمام حشد زملاء العمل المصطفين، ومدير المكتب يزعق برقاً، ويرعد توعداً، ويمطر شتائمَ. كظم «س» مرجل غضبه الفائر متماسكاً، وغادر المكان منكسراً.. امتدت يد «س» إلى ألبوم الصور، وأخرج صورة مديره، وقصّها قصاصات متناهية الصغر، ورماها في دورة المياه البالعة، شعر «س» بدبيب الراحة يتسلّقه، وتنهد بعمق، وعاد إلى فراش نومه... بوارُ صفقةٍ... رهن «س» عرقه في بُورصة القيم، سال عرقه مدراراً؛ عبر تموّجات مدٍّ وَجَزْرٍ لرحلة عمر شاقة..... وكلّما راجع حساباته تبيّن له أنّ جميع أسهمه هابطة.... «شيزوفرينيا» أقام حمارٌ حفلاً باذخاً، بمناسبة تغيير اسمه، الذي أصبح يمجّه كثيراً. وفي ضحوة الغد، التقى القرد عند منحدر المصبّ وحيّاه القرد: كيف حالك يا حمار؟! خزر الحمار القرد بنظرةٍ شزراء، وأجاب منبها: - ألم تعلم بالحفل الكبير، الذي أقمته بأمس وأعلنت خلاله تغيير اسمي من حمار إلى سمكة؟! كظم القرد ضحكة تمرجلت في صدره، وردّ: -آسف كنت غائباً وليس ذلك في علمي.. وأضاف القرد مستوضحاً: -هل تحسن السباحة؟ فرد الحمار: - طبعاً لا. وأشار القرد بسبابته مؤكّداً: -فأنت حمار.. حمار.. حمار.. «فرية» المنصّةِ وقف «خُرافة» أمام المكرفون يخطب ويرغي بزبد الكلام زمناً طويلاً، جفّ حلقه، فامتدت يده إلى كأس الماء، تطلّع إلى جمهور القاعة فكانت فارغةً. الكُمبارس انتهى الزعيم المفوه من إلقاء خطبته العصماء، ومن كلّ جانب تصاعدت تصفيقات وهتافات الإعجاب والانبهار بعبقرية الزعيم الخالد، أطفأت الكاميرات المغطية للحدث أضواءها، ثمّ اصطفّ الحضور أمام «عريف الحفل» ليتسلموا مكافأة إنجاحهم للتظاهرة الوطنية الهامة... سخاءٌ تقدّم المستشار إلى الحاكم بأمره، بملفات الشكوى والتظلّم ليبثّ فيها، وقال المستشار: الشعب جوعان يحتاج إلى كسرة خبز نظيف وشربة ماء صافية ونسمة هواء منعشة... امتعض الحاكم متبرماً: ليس لديّ ما أعطيه. قال المستشار منبّهاً لخطورة الحالة: الشعب بركان فوّار قابل للانفجار. أجاب الحاكم بأمره حاسماً: ألقموه رصاصاً، هذا كلّ ما أملك في خزائني... تكريمُ «البطل» أُقيم حفل تكريم، ردّ الاعتبار للبطل الذي ترك جلده في ساحة الشرف، وعاد مجروراً فوق كرسي متحرّك، عُلّقت على صدره نياشين النصر. دخل بيته ونفسه مبتلة بمشاعر الفخر والاعتزاز، ليجد امرأته حيرى تغلي الحصى لفلذات كبده الجوعى. ص...و....ر ص: لم تفلح المسكنات ولا الحمام الدافئ في تهدئة أرق يقتات من أعصابه الملتهبة، منذ شاهد ذلك «الفيديو» الذي بعثه صديق مفترض عبر البريد الإلكتروني. و: تزدحم الصور أمام عينيه والصراخ والعويل يصمّان أذنيه. صور وصور لركام جثث مبقورة لرجال ونساء وصبية زغب الحواصل. الرصاص يلعلع في كلّ صوب، والموت يمدّ خُطَافه خبط عشواء... ر: شغّل «الفيديو» مرّةً ثانيةً وثالثةً وعاشرةً: شاهد نفسه يتقدّم مظاهرةً بصدر عار، ورصاصة تستهدف قلبه، تحسّس موضع الإصابة فوجد دمه متخثراً ينزف، غابت الرؤية أمامه وتماسك لكي ينهض لكنّه انهار تماماً وسقط (...)... «مسرح الدمى» من داخل سراديب غرفة المراقبة، يحرّك المهرّج «دُمَاهُ» المسخّرة في المسرح الواسع، بنقرات متتالية على ظهر فأرة الحاسوب، يؤرجح مجسم الكرة الأرضية؛ ويلفّه لفاً راصداً التفاعلات أولاً بأولٍ... المهرجُ الخبيرُ يحتسى كأسه، ويشرب دخان غليونه المعقوف بانتشاءٍ. وعلى الشاشات العاكسة، يتابع بانتباه شديد كلّ حركة، نافخاً صدره بزهو الماسك بزمام اللعبة.