استعادة السجين لحريته، لا تعني بالضرورة، أن هذا الأخير بإمضائه للعقوبة المحكوم بها وراء القضبان سيتمكن من التخلص من عبء الجريمة ومن تكاليفها الحاطة بالكرامة، تماما كما يتخلص الغسيل بالماء والمساحق من الوسخ. فكثيرا ما يتعرض السجين بعد إطلاق سراحه للنظرات المزدرئة والشامتة من طرف الآخرين، فتصبح لديه فكرة إعادة الاندماج في المجتمع صعبة المنال، وحلم رد الاعتبار لنفسه ومحيطه الأسري بالخصوص مجرد وهم لا يستقيم مع مجتمع لا يرحم. فالنظرة الدونية التي تبخس من قدر وقيمة الإنسان لمجرد سابقه سجنية في حياته،هي نفسها النظرة التي قد تدفع أي سجين غادر المعتقل، ولم يتسلح بالعزيمة القوية، للعودة مرة أخرى إلى السجن. إلا أن هناك حالات تمكن فيها أشخاص عانقوا الحرية بعد تجربة السجن ومعاناته، وإن اختلفت قصصهم، من الحصول على الدعم والمساندة من طرف جمعيات مدنية أخذت على عاتقها إعادة تأهيل السجين بعد خروجه من مؤسسات الإصلاح وإعادة إدماجه في المجتمع، وذلك من خلال الرفع من معنوياته لخوض معركة الحياة الكريمة وعدم العودة للسجن. وكذا في الأعمال الخيرية لبعض المحسنين الذين يعملون على انتشال المحتاجين ومن ضنهم السجناء من الفقر. بيان اليوم التقت بعضا من هؤلاء السجناء الذين فتحوا لها صدرها فكانت معهم أحاديث شيقة ننشرها في حلقات: 17- بعد خروجه من السجن اتهمه أهله بالتسبب في مأساة أسرته بفضل مساعدة المحسنين تمكن (س- ر)، من متابعة وضعيته الصحية خصوصا مرض السكري، وتمكن كذلك من شراء آلة خياطة وهو حاليا يصلح الملابس بعد أن ساعده المحسنون على كراء محل حيث يشتغل. هذا الشخص أمضى 20 سنة سجنا داخل اسوار السجن، بسبب ردة فعل في لحظة شاذة فقد فيها التحكم في أعصابه وتصرف فيها بعدوانية زائدة جرت عليه عواقب وخيمة. قصة هذا الشخص الذي كان يعرف عنه انه مسالم ومتزن في سلوكه مع الآخرين لا سيما لحظة ارتكابه الفعل ،لاتختلف عن قصص المتهورين الذين لايعيرون أدنى اهتمام لسلوكاتهم ويتصرفون خارج القانون.. عندما تنظر الى (س-ر) تحسب ان عمره لا يقلّ عن السبعين عاما، لكن حين تستمع الى قصته ويطلعك على تفاصيل حياته التي تحولت الى كابوس فظيع عندها فقط يمكنك ان تستوعب لماذا يبدو هذا الرجل ذو 55 سنة وكأنه بقايا انسان حولته المآسي إلى شبح. (س-ر) عاش زهاء 15سنوات من عمره فاقدا للحرية داخل زنزانة تفتح وتغلق بمواعيد مضبوطة.لم يكن هذا الشخص يعير أدنى انتباه لما يفعله زملاؤه من أجل تبديد الزمن الذي يتراكم من حولهم يوما بعد يوم داخل السجن، كل ما كان يهمه هو ماذا تفعل أسرته من اجل العيش بدونه، فهو كان لها المعيل والمعيل الوحيد. يقول (س-ر) «لم يكن السجن وحده ما كان يؤلمني وإنما ماتسبب لي فيه من مشاكل اجتماعية أكثرها مضاضة إبعادي عن زوجتي وابنتي ذات الثلاث سنوات، مما تسبب لي في أمرض نفسية مزمنة ومرض السكري، فقدت بعدها البوصلة في التفكير داخل السجن في مستقبل أسرتي التي كان تصلني أخبارها انها تعاني كثيرا من أجل الحياة» وأنها لن تستطيع الصمود أمام نوائب الزمن وقد تفعل كل شيء ...». كان (س-ر) يعيش بغرفة بمنزل من طابقين بدرب الانجليز بالمدينة القديمة، حيث استقدم زوجته من البادية ليعيشا معا في هذا المنزل الذي سيشهد بعد ذلك ولادة ابنتهما البكر. كانت أسرته تعتمد في مورد عيشها على ما يحصل عليه (س-ر) من عمله ك»خياط ملابس»، واستمرت حياتها على هذا الشكل ثلاث سنوات، إلى أن حصل الشي غير المتوقع. يقول (س- ر) كنت دائما مسالما هادئ الطباع لا أحب العنف، إلا أنني في لحظة عصية على الفهم تحولت إلى حيوان شرس، كان ذلك خلال خصام بين زوجتي وأحد الجيران يسكن صحبة أسرته بغرفة مجاورة لغرفتنا بنفس الطابق بالمنزل». كان بالفعل الخصام تافها إلا أن تكلفته كانت باهضة بالنسبة (س- ر) الذي لم يتمالك نفسه حينذاك ووجه ضربات بواسطة عصا لجاره أردته قتيلا، ليحكم عليه بالسجن 20 سنة بتهمة الضرب والجرح المفضي للموت بدون نية إحداثه واستفاد من العفو لحسن سلوكه. ليحكم عليه بالسجن 20 سنة بتهمة الضرب والجرح المفضي للموت بدون نية إحداثه إلا أنه استفاد من العفو لحسن سلوكه ولم يمض في فترة العقوبة سوى 15 سنة. بعد خروجه من السجن وجد (س- ر) كل شيء قد تبدل ، زوجته التي طالبته بالطلاق في السنوات الأولى من اعتقاله، وجدها تزوجت من رجل آخر وأصبح لها معه ابناء آخرين، ابنته التي طالما كان يحلم بأن يحضنها بعد خروجه من السجن، سأل عنها كل من كان يعرفها فتأكد له أنها هاجرت إلى الديار الايطالية، المنزل الذي كان يقطنه أصبحت مكانه عمارة... يقول (س- ر)،» اضطررت بعد خروجي من السجن للعودة إلى مسقط رأسي بآسفي وكنت آمل في إتمام ماتبقى لي من الحياة بين أهل هذه المدينة التي أحببتها كثيرا، غير أن طموحي هذا ووجه بالقيل من هذا والقال من ذاك، وكلها تصرفات تعبرعن رفض العائلة، وبالأحرى ما تبقى لي منها بعد وفاة الوالدين، لوجودي بينهم، لا سيما وأن من بينهم من يعتبرني السبب في ماحصل من مأساة لأسرتي .رجعت أدراجي إلى مدينة الدارالبيضاء، حيث أقطن في هذا الحي حيث لا يعرف أحد حكايتي، إلا بعض اصدقائي الأوفياء ممن ساعدوني على كراء البيت الذي اقطن فيه». بفضل مساعدة المحسنين تمكن (س- ر)، من متابعة وضعيته الصحية خصوصا مرض السكري، وتمكن كذلك من شراء آلة خياطة وهو حاليا يصلح الملابس بعد أن ساعده المحسنون على كراء محل حيث يشتغل.