منذ حوالي أسبوعين وإحدى الإذاعات الخاصة، وفقا لما يتم الاسستماع إليه، تمرر وصلة إشهارية كل صباح، الغاية منها الترويج لأحد مساحيق التنظيف، والتأكيد على فعاليته في التصبين و«تخراج الطبايع». إلا أن اللافت للانتباه أن الكيفية التي يذاع بها والإحالات/القراءات المرتبطة بتفاصيل الإشهار والمحور المرتكز عليه، يتطلب وقفة للقراءة المتأنية بالنظر إلى التبخيس الذي يطال من خلاله العنصر الذكوري في المجتمع، في قالب استهزائي، يستمد مرجعيته من «ثقافة» مجتمعية ماتزال سائدة، مبنية على الصراع بين الذكور والإناث، والعمل على تكريس دونية هذا الطرف أو ذاك مقابل تفوق أحدهما على الآخر، في جدال يؤسس لفتنة غير قائمة، ولتقييم المفروض أن يكون قد تم طيه منذ سنوات خلت! حوار بين سيدتين مفاده أن الأولى قد عملت على تصبين زوجها الذي وصل متأخرا ليلا إلى منزل الزوجية، قائلة «راجلي لبارح جا معطل وغسلتو واحد الغسلة ...»، فتتساءل صديقتها/جارتها مستنكرة كيف يمكن تصبين رجلا ما تصبينة واحدة تكون كافية، فترد الأولى إنه بالفعل «مايمكنش»، إلا أنه بفضل مسحوقها فقد تحقق لها مبتغاها ومرادها وتمكنت بالفعل من «تصبين»/«غسل» زوجها بالكيفية التي تمنتها في أحلامها وظلت تترقبها؟ حضور العنصر الذكوري في هذا الإشهار والايحاءات الرمزية المستشفة من الحوار، تطرح أكثر من علامة استفهام حول دلالات توظيف مثل هذا الخطاب الذي قد لايحضر في وصلة إشهارية فقط، وإنما قد يمتد إلى مشهد سينمائي، وقد يصدر تحت غطاء فتوى باسم الدين، ويحضر في الخطاب الشعبي الذي ينهل من الموروث الثقافي ومن العادات والتقاليد، ومن الأمثلة الشعبية و «لحجّيات»، وغيرها من مجالات الكلمة والصورة، التي لطالما حاولت تكريس دونية المرأة وقصورها العلمي والثقافي ... وأشياء أخرى، عملت التنظيمات النسائية ومعها فاعلون ذكور من أجل محاربة هذه الصورة النمطية المستفزة، إلا أنه بالقدر الذي تتطور فيه مطاليهم وإن كانت هي تصطدم ببعض العراقيل بين الفينة والأخرى، المرتبطة بالأساس بسلوكيات مرضية تتطور إلى أفكار يتم تبنيها والتطبيل لها، فإن خطابا من قبيل المستعمل في هذه الوصلة الاشهارية الرفع من درجة التوتر والحقد بين الجنسين، لتختزل المعركة المفروض التوحد حول مضامينها من أجل تحقيق العدالة والكرامة وتوسيع هامش الحقوق والحريات للجنسين معا، في من الأفضل المرأة أم الرجل ؟ وهو نقاش بيزنطي الهدف منه تبخيس الكائنين معا، في مجتمع المفروض أن يتطور بوتيرة سريعة مقارنة بمجتمعات أخرى، بعيدا عن التخلف الذي قد يحاول البعض أن يسمه به سواء بشكل عفوي أو عن سبق إصرار وترصد!