كل ما أفكر فيه الآن قمر يتيم على شاطئ الحياة. وكل ما أقبض عليه الآن من هذه الفكرة خراب في الرؤية ونشوة غائمة على وشك أن تتلاشى في فراغي المزمن. أطرح أسئلة بلا حد، وأحصي ما يعود من أصدائها. كأنني أنتظر أحدا ليدفئ اللغة كأنني أستعد للغناء على خشبة حزينة، أمام حشد من النجوم الباهتة. لست على شيء مما يؤمن به العالم. لست على موعد مع الموت مثل آخرين. لست هاوي رثاء، ولا أستجدي الوجوه الآفلة في الزحام. لست على شيء مما يرسم حول الورد أشواكا أو مما ينشب بين الوجود والعدم من خلافْ لهذا ، لا أستطيع الصبر أكثر ، ولهذا أفكر فقط في قمري اليتيم في الركن المهمل من الحياة. ليست لدي فكرة بشأن الأبدية بشأن الأبدية، لا أملك فكرة. اسمي غارق في الغبار. لم يعد طائر الأحلام مدمنا على غفوتي، كما في السابق، لكن الأشياء تمضي، كعادتها، وأنا أسابق الوقت إلى شيخوخة مبكرة. الحكمة محض اشرئباب للعين، واختلاج للقلب. الحكمة ضالة التائه في منعرجات اليقين، في البرزخ حيث يعشش الشك ويكبر، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي لغة يستعين بها على القيامة. اسمي غارق في الغبار. لم يعد طائري إليّ، ولم أعد قادرا على السير إليه. ثمة أمل ممزوج بيأس تشذب الحياة أطرافه وتنشره صافيا في فكرتي عن الأبدية. في سياق آخر لا زلت على عهدي. أقسم أن عهدي هو العهد. الورقة الحروف اللغة القهوة المرة، لا زلت على عهدي القديم أشرب قناعاتي بنهم، مثل أقراص منع الزكام، وأتعلم من الحياة سوابقي في اقتراف الحزن. الأصدقاء غادروا سقف القلب إلى حيث لا أوجد، الأصدقاء غادرتهم إلى حيث أجدهم، في كلتي الحالتين تندلع الخيبة في الواجهة، في كلتا الحالتين تقسم ورقة بيضاء أن العهد يوشك أن يجد معناه في سياق آخر. اشتباك الطمأنينة بالقلق هناك من يشتعل بالقرب مني. الشارع ليس مكانا لبث الطمأنينة الشارع طريق إلى القلق، إلى غموض اللحظة، وإلى نشوة واضحة. كنت هناك في ذلك الصباح، وهناك... من يشتعل بالقرب مني، نجوم كثيرة تشرئب بنورها إلى الأسفل، نجوم كثيرة تنط إلى اللغة كأنها تاجي المنتظر في المنطقة غير الأهلة بين الطمأنينة والقلق. وكأنها سراجي الاحتياطي في ليل صباحه أبعد من المتوقع. هناك من يشتعل بالقرب مني، وهناك بالقرب مني من يسأل عن حامل المشاعل منزعجا من اشتباك الطمأنينة بالقلق. كما لا يخفى على أحد القلب مدينة فاضلة. كان الشاعر مخطئا وهو يستند إلى العاطفة. القلب مأوى الجدل كله. لم ينتبه الشاعر إلى قدر الحب وهو يهجو الكراهية، ولم يحدس حجم اليأس وهو يمدح الأمل. القلب وعاء دموي فقط، يبكي عندما تتعمق الجراح. لم ينتبه الشاعر إلى أن الفاضلة صفة بلا موصوف. وإلى أن اللغة قادرة على صنع البهجة، وعلى إسقاط الكون في العتمة. القلب غموض واضح كما لا يخفى على أحد. البشر يمضون كالهوام بمقدوري أن أصنع الحدث. مثلا، أصعد سلم الحياة إلى النهاية، ومن هناك، في الطابق الأعلى من اليأس، ألقي بالفراشة التي تعبر الوقت، بمحض الصدفة، إلى الأسفل. مثلا، أفتح النار على الكائنات الدقيقة في الهواء، وأنتظر ما يكفي لكي أتنفس دون أدنى إحساس بالذنب. بمقدوري، إذن، أن أصنع الحدث. أن أشرع في توليف العالم على إيقاع التفاهة. الوقت يصغي والبشر يمضون كالهوام. أشرس ما في الموت رائحته من بعيد نذرتُ لك جبهتي أيها التعب. نذرتَ لي السعي بين الحزن والقلق، فلا أنا كسبت المعركة ولا أنا انكسرت. أشيد العمر قدَماً قدَماً وأشتبك سرا مع التجاعيد، بيد شبه يائسة، وبعين غائمة وقلب يفيض بالقسوة. أعبر أدغالا افتراضية إلى حيزي الضيق في علبة الحياة وأصير رويدا رويدا إلى ما أدركه من الرماد. ليس الموت ما يدب إلى الخاطر، فهذا الهاجس العادي أشرس ما فيه رائحته من بعيد وإدمان السعي بين الحزن والقلق.