صدر أخيرا عن دار النشر «عكاظ» بالرباط، مؤلف جديد للأستاذ محمد العربي المساري، الكاتب الصحافي والوزير الأسبق، يحمل عنوان «المغرب خارج سياج الحماية: العلاقات الخارجية للحركة الوطنية « ضمن سلسة كتبه التي تناولت جوانب من تاريخ المغرب الحديث. وعلى غرار نفس النهج الذي اتبعه المساري في مصنفات سابقة خاصة كتابيه عن المسيرة الخضراء والملك الراحل محمد الخامس، يعرض المؤلف المادة التاريخية الموثقة بأسلوب يجمع بين صرامة المؤرخ ورشاقة العرض الصحافي، ما مكنه من إفادة القارئ وإمتاعه بسرد تاريخي مشوق يتتبع الأحداث ويرصدها في سياقاتها المختلفة. ويحرص الكاتب أن يبين أنه حينما فرض نظام الحماية في 1912 فقد المغرب حرية التصرف في المجال الخارجي، وتولت الدولتان الحاميتان فرنسا وإسبانيا تمثيل المغرب في المجتمع الدولي، بينما تولى المقيم العام الفرنسي والمندوب السامي الإسباني مهمة الوساطة بين السلطان بالرباط والخليفة بتطوان، في التخاطب مع الأجانب. بل إنه حينما تقابل السلطان مع خليفته بأصيلا في 1947 تم ذلك بحضور المندوب السامي الإسباني. ولكن المجتمع المغربي أفرز زعامات وجماعات عبرت خارج سياج الحماية عن رغبات المغاربة وعن مصالحهم الحيوية، وعن كيانهم الذي أصبح تحت الحجر. وقام ناطقون باسم ذلك كله، بالتحرك في المجال الخارجي، منذ الحرب العظمى الأولى، منددين بالاحتلال وبتجزئة التراب الوطني، وجاهروا برفض المغاربة للمخططات الاستعمارية وبعزمهم على استعادة سيادتهم الوطنية ووحدة بلادهم. وكان رفض ظهير 16 مايو 1930 هو الخطوة الأولى في مقاومة صلبة لتلك المخططات، بالاستعانة بالشعوب الشقيقة الرافضة للاستعمار، وبالقوى الديمقراطية في فرنسا وإسبانيا وغيرهما، وتكونت من خلال ذلك وشائج وثيقة مع أقطار شمال إفريقيا، والبلدان العربية والإسلامية. وتمكنت الحركة الوطنية المغربية من خرق العزلة التي فرضها الاستعمار، بالاستعانة بدول الجامعة العربية لتدويل النزاع. وفي هذا السياق أمكن تقديم شكوى بالاستعمار الفرنسي أمام الأممالمتحدة في 1951، وتمكنت الحركة بفضل حلفائها من عقد اجتماع لمجلس الأمن عقب نفي محمد الخامس. وتكونت حول القضية المغربية كتلة متماسكة من الدول العربية والآسيوية المناهضة للاستعمار التي عبرت عن نفسها بقوة في مؤتمر، باندونغ، الذي كان خطوة حاسمة نحو تصفية الاستعمار في العالم، وهو الإنجاز الأكبر للبشرية في القرن العشرين. وهذا الكتاب يستعرض الخطوات التي تمت في هذا المضمار طيلة فترة الحجر من عشرينيات القرن الماضي إلى 1956. وكما سيلا حظ القارئ فإن فصول الكتاب لا تتبع «كرونولوجيا زمنية» بل تبدو وكأنها فصول رواية تشابكت أحداثها وتباينت مصائر أبطالها.