فقدت الساحة الإعلامية خلال بداية شهر مارس الجاري أحد الوجوه الإعلامية العالمية و أحد أصدقاء المغرب، و أحد المدافعين عن قيم الحداثة والحرية والديمقراطية في العالم، وهو الصحافي جون مورغان سييرل عن سن يناهز 81 سنة . وقد نعت الجمعية المغربية للصحافة هذا الهرم الإعلامي لما قدمه من خدمات في المجال الصحافي والإنساني، وأكدت في بلاغها أن الإعلامي المنحدر من صخرة جبل طارقو كان على الدوام صديقا للمغرب ومحبا له، و محبا لقيم الحب والسلام والديموقراطية، مما كلفه العديد من المشاكل سواء في منطقة جبل طارق أو في إسبانيا، إلى درجة أنه اعتبر في عهد الجنرال فرانكو شخصا غير مرغوب فيه في إسبانيا. تميزت مسيرة الراحل قبل ولوجه عالم الصحافة بالعديد من المحطات الهامة، حيث ولد في 22 يونيو 1930 ببوكفاست، دوفون بإنجلترا، لينتقل بعد وفاة والدته مع أبيه إلى كندا لظروف عمل والده، ويدرس هناك الفنون الجميلة بجامعة ماكغيل بمدينة كيبيك، لينتقل بعد ذلك إلى انجلترا في سنوات الخمسينيات من القرن الماضي للخضوع إلى التجنيد الإجباري في صفوف القوات المسلحة، وليختار صخرة جبل طارق لإتمام تجنيده الإجباري. وبعد انتهائه من التجنيد الإجباري اختار العودة مجددا إلى ذات الصخرة، لكن هاته المرة من أجل التدريس، وبموازاة مع عمله في الحقل التعليمي بدأت ميولاته الصحافية تتفتق، حيث بدأ في تحرير مواضيع صحافية لبعض المنابر الإعلامية، لتتلقفه جريدة «جيبرالطار كرونيكير»، هاته الأخيرة فتحت ذراعيها له حتى أضحى أحد أبرز صحفييها وأشهرهم في منطقة جبل طارق، لتقلده مسؤولية رئاسة التحرير بذات الجريدة، مهمة دأب على تأديتها بكل مسؤولية إلى نهاية مشواره الصحفي. وخلال فترة عمله الصحافي غطى مجموعة من الأحداث ذات الإرتباط بالمغرب، خصوصا هبوط الطائرة المروحية التابعة للجيش المغربي عقب فشل المحاولة الإنقلابية لسنة 1972، حيث واكب العملية بكل مهنية وتجرد، هذا إلى تغطيته وانحيازه لموقف الحكومة بمنطقة جبل طارق بخصوص الأزمة الديبلوماسية التي حدثت في عهد الجنرال فرانكو بخصوص مصير الصخرة، حيث قاد حملة شرسة ضد مطالب إسبانيا لإسترجاع الصخرة، كلفه موقفه إعلان الحكومة الإسبانية اسم جون مورغان شخصا غير مرغوب فيه بإسبانيا، كما كان صحافيا متميزا في تغطيته للأزمة بين بريطانيا وحكومة جبل طارق سنة 1966 عقب أزمة الفرقاطة البريطانية التي حطت بالصخرة. مواقف جون كانت مؤسسة على مبادئ و قيم و غالبا أثناء حديثنا معه نحن الصحفيين المغاربة أثناء المؤتمرات الصحافية، حيث دائما ما كان يشبه وضع صخرة جبل طارق بوضع مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، وكان يردد دائما ما يردد على مسامعنا، من الأخلاق والديمقراطية التي تنادي بها إسبانيا حل مشكل المدينتين السليبتين قبل التطرق إلى مستقبل جبل طارق. مسيرة الرجل لم تقف عند عمله في الصحافة المحلية بل تعداها لما يتوفر عليه من موهبة حس صحافي، فقد عمل مراسلا لوكالة الأنباء الإنجليزية رويتر، كما عمل مراسلا لجريدة تايمز الإنجليزية. كما أن عمله الصحافي الشاق لم يثنه من أجل مواصلة شغبه الفني والإبداعي الذي كان يسكنه، من خلال مواصلة الإبداع في مجال الرسم والنحت، هاته الموهبة كرس لها حياته الأخيرة بعد تقاعده، و كان يمني النفس بعرض أعماله بمدينة طنجة، حيث كان يشتغل على أعمال فنية لأجل عرضها بالمغرب، لكن المنية لم تمهله لأجل تحقيق رغبته الأخيرة. جون مورغان أو كما كنا نناديه نحن معشر الصحفيين المغاربة «الحاج جون» لما لمسناه من طهر وآنافة وعفة، و دماثة أخلاق في هذا الهرم، كان أبا وصديقا ومعلما.. لم يترك فرصة تمر دون أن يكون أول المشاركين في المؤتمرات و الملتقيات الصحافية سواء منها المنظمة في المغرب أو في إسبانيا، ورغم تقاعده الجسدي عن مهنة الصحافة، كان حريصا على أن يحضر رغم تقدمه في السن، مقدما النصح و واضعا خبرته و تجربته أمامنا. كان أنيقا كما عهدناه دائما وهو يتكئ على عصاه التي أهداه إياها في أحد المؤتمرات صديقنا طاني، أنيقا في ملبسه وكلامه وتصرفاته، لم نشعر بغيابه عنا إلا عندما أخبرنا الصديق إيستانسلاو برحيله الأبدي، حينها أدركنا حجم الفاجعة.. وداعا الحاج جون صديق المغرب الكبير..