أخانا المجاهد الفاضل أبانا ورائدنا الكريم سلام عليك سلام عليك من ربك، في كل لحظة من عمرك الحافل الجميل سلام عليك في هذه اللحظة الجليلة التي ذهبت إليها مطمئنا، راضيا، مؤمناً، تهفو نفسك إلى إخوانك الذين سبقوك إلى دار الخلد « فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون». سلام عليك كما أنت اليوم وأمس وغداً وفي كل يوم، قطعة حية من هذه الأرض ، تحمل في نبضك وجدانها ، وسكينتها ،وقلقها ،وتطلعاتها الكبيرة. سلام عليك وأنت تطوي بابتسامتك العذبة، صفحات تلك الوثيقة التي سمت المغرب الحديث، وكنت حاضنها الأوفى ،وحارسها الأمثل حتى لم يبق من أمواتها سوى « أحياء عند ربهم يرزقون» سلام عليك ونحن نستبقيك في قلوبنا وفي عقولنا، نبراساً نستهدي به ، وسيرة فذة نستلهم منها قيم العقيدة السمحة ، والوطنية الحرة الصادقة، والانتصار الشجاع للحق وللفضيلة. في وداعك اليوم أيها الأب النادر،أجيال متلاحقة من أبنائك، كلهم نالوا نصيباً من كلماتك، ومن صبرك، ومن سعة صدرك، ومن تواضعك، وتسامحك، ومن ثقتك العميقة في المغرب بلداً وشعباً ومصيراً، ومن قدرتك على التطلع دوماً نحو المستقبل، حتى وأنت تملك صفحات مشرقة من الماضي. كل أبنائك البررة بطول هذا الوطن وعرضه، سينحنون اليوم إجلالاً لك ، ولروحك الطاهرة ، وسيرفعون رؤوسهم كما طلبت دائماً لمواصلة رسالتك ومسيرتك. لقد رسخت في نفوسنا قناعة ثابتة بأن وحدة المغرب وقوته واستقراره تكمن في تشبثه بهويته الثقافية ، وبعمقه التاريخي وبثوابته الوطنية وبعقيدته السمحة التي عشتها دائماً سلوكاً ووجداناً وفكراً كعقيدة محررة، عادلة، مضيئة، لأنها جاءت لتخرج الناس من الظلمات إلى النور. ورسخت في نفوسنا بأن الوطنية ليست تعصباً ولا انغلاقاً ، وليست إذعاناً ولا خنوعا وليست مكانة اجتماعية ، أو منفعة خاصة، بل هي أولا وقبل كل شيء اعتناقاً للمصلحة العليا للوطن، واعتزازاً بالانتماء إليه، وبالتضحية من أجله، وإصراراً على الجهر بالحق، لأن الوطنية أيضاً هي أن لا نخشى في الحق لومة لائم. ورسخت في عقولنا ذلك اليقين بضرورة مواصلة البناء بالتربية، والعلم والتكوين، والمشاركة الفعالة في الحياة العامة، لأنه لا شيء يتحقق بصفة نهائية وغير قابلة للتراجع، ولأن صنع المستقبل يقتضي هذا المجهود المتواصل ، لجعل مغرب الغد أفضل من مغرب اليوم. في وداعك اليوم أيها المعلم الصبور ، سنتذكر فضيلة الحوار الهادئ التي طبعت علاقتك بكل اللحظات الصعبة في مسار العائلة الوطنية ، وفي مسار البلاد بصفة عامة، حيث آثرت دائماً أن تحافظ على الجوهري في تجربتنا النضالية ، وفي علاقاتنا الإنسانية. وسنتذكر فضيلة الوطني الذي لم يغادر الميدان لحظة واحدة، مربياً ومرشداً ومحسنا وكاتباً ومناظراً ومجادلاً بالتي هي أحسن، حاضراً في كل قضايا المغرب السياسية والثقافية، وحاضراً في قضايا المغرب الكبير، وفي قضايا الأمة العربية الإسلامية. وسواء تعلق الأمر بالدفاع عن الوحدة الترابية، أو عن اللغة العربية، أو عن المدرسة الوطنية، أو عن القضية الفلسطينية، أو عن حرية التعبير والفكر وعن استقلالية اتحاد كتاب المغرب، أو عن الديموقراطية والعدالة الاجتماعية، كنت دائماً منسجماً مع نفسك ومع ضميرك، إنساناً واحدا وفيا لجوهره، متمسكاً بمبادئه، مؤمناً بأن القيام بما قام به، والتضحية بما ضحى به، لا يعفيه من الانخراط في قضايا عصره جسداً وروحاً وحتى آخر رمق من حياته. سنتذكر الإنسان كما هو، في حياته البسيطة، وفياً ، أنيقاً ، صلباً، رقيقاً، وقبل كل هذا وذاك، إنساناً يؤمن بأن السكينة لا يستحقها ، ولا ينالها إلا الذين يؤدون الأمانة على أكمل وجه، وينجزون رسالتهم، بقلوبهم ، خالصة لا ينتظرون عليها جزاء أو نياشين. وقد كنت كذلك أيها المجاهد الكبير، تعمل وتكد وتبذل، ولا تلتفت إلى ما يشغلك عن أهدافك النبيلة، تنظر إلى أبنائك يصيبون ويخطئون، يسقطون وينهضون، فتمنحهم ثقتك ومحبتك، ويقينك بأن الزبد يذهب جفاء ، أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. حتى إذا خلوت إلى نفسك، واستحضرت لحظات جهادك، تطلعت من نافذة مكتبك إلى أضواء ضريح محمد الخامس، وإلى صفحة أبي رقراق، فتيقنت مبتهجاً أن أواصر الوطنية هي التي ستنتصر لا محالة، وأنها مثل مياه ذلك النهر السخي ستستمر متدفقة إلى ما شاء الله، وأن الأمل الذي زرعته أنت ورفاق دربك في هذه الأمة، سيستمر شجرة مباركة تؤتي أكلها في كل حين بإذن ربها. سلام عليك ورحمة وبركات «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي» صدق الله العظيم