صدر عن الدار العربية للعلوم ببيروت، ودار الأمان بالرباط، ومنشورات الاختلاف بالجزائر، مؤخرا، كتاب جديد للباحث المغربي الدكتور شرف الدين ماجدولين، بعنوان: «الفتنة والآخر: أنساق الغيرية في السرد العربي»، ( 242 صفحة، من الحجم المتوسط)، وهو بحث يندرج ضمن تقليد دراسي يتوخى الانطلاق من إشكال موحد واستقراء تجلياته عموديا عبر الأجناس المختلفة، وأفقيا عبر التطور والامتداد الزمنيين، حيث لم تختص مباحث الكتاب وفصوله بعصر محدد ولا بمرحلة مفردة، ولكنها عنيت بتحليل تطور أنساق الغيرية في أساليب التخييل السردي انطلاقا من العصور القديمة (العصر العباسي ومرحلة ملوك الطوائف بالأندلس أساسا)، مع الاشتغال أكثر على السرديات الحديثة والمعاصرة. قسم الكتاب إلى تسعة فصول، أولها نظري، وخصص لتناول سؤال «الغيرية وفتنة السرد»، اعتمد آخر إنجازات الدراسات الثقافية، وعلم اجتماع النص الأدبي والصورلوجيا المقارنة... وكان بمثابة تمهيد للفصول المتعاقبة، والتي أفرد كل واحد منها لجنس سردي مستقل، كالرسالة، والخبر، والرواية والسيرة الذاتية والقصة القصيرة، مع غلبة لفن الرواية التي خصصت لها ثلاثة فصول. ولقد قسمت الفصول التطبيقية بحسب مكونات التشكل الأسلوبي للغيرية وصورها ووظائفها. جاء في تقديم شرف الدين ماجدولين لكتابه الجديد: «ما كان السرد ليمثل سبيلا ملكيا إلى الفتنة، لولا صدوره عن «وعي فردي»، لذات تسعى إلى كشف ما اعتمل في فكرها ووجدانها عن»الآخرين»، وتحويل غيابهم الافتراضي، إلى فرصة لتوليد الدلالات، وتأويل الصور، وإنشاء الخطاب. وبالطبع سيستجلب هذا الكشف المرسل إلى «الغير» كل مهارات الإقناع والبيان والتشويق والبرهان. لذا وجب الاحتراز من السرد، ومن فتنه، إنه الاحتراز الذي نعبر عنه نقديا بوعي «أنساق الغيرية» المضمرة في مباني القول، والناقلة لمعانيه. الفتنة بهذا المعنى، تنازع حول الخطاب ودلالاته، بين الذوات الناقلة والمؤولة، وبقدر غرابة المعنى، وخرقه لسياقات الألفة، يكثر الشقاق في التفسير، فتكثر السرود والمرويات، وتتوالد القراءات والتآويل الواقعة في دائرة السحر. القصد في هذا الكتاب، إذن، تقليب وجوه «الفتنة» بما هي محصلة «لاغتياب الآخرين» جماليا، وفق أصول سردية معلومة، يختص بها كل جنس سردي على نحو فريد، قوامها خصائص أسلوبية وقيم تعبيرية، تجعل للفتنة كنها جماليا يباعد بينها وبين الشقاق والمحنة، ويجريها مجرى الغواية والبيان. هكذا تتوزع الفتن بحسب تجلي الآخر في الخطاب السردي، وبالنظر إلى مرجع بروزه، ونسق «غيريته»، فمن «فتنة الحبيب» إلى «فتنة السفر»، ومن «فتنة العقيدة» إلى «فتنة الخبر» ومن «فتنة الجسد» إلى «فتنة القول»... فتن متبدلة بتبدل مواقع «الآخر» في نسق الخطاب النوعي، من الرسالة إلى الخبر ومن الرواية إلى السيرة الذاتية فالقصة القصيرة».والكتاب الحالي هو الخامس ضمن مؤلفات صاحبه بعد: «بيان شهرزاد: التشكلات النوعية لصور الليالي»، و»الصورة السردية: في الرواية والقصة والسينما»، و»ترويض الحكاية: بصدد قراءة التراث السردي»، و»حكايات صور: تأويلات نقدية»، فضلا عن مؤلفات جماعية عديدة. جدير بالذكر أن كتاب: «الفتنة والآخر: أنساق الغيرية في السرد العربي» أنجز بمنحة بحث من الصندوق العربي للثقافة والفنون ببيروت، رصدت له برسم سنة 2009.