«سنتذكر في صديقنا الشاعر سعيد السمعلي، دوماً، استماتته في سبيل إعلاء صوت الشعر والمسرح والثقافة في محيطه، في مدينة سطات، أيام كانت المدينة أقرب إلى وضع الضيعة الخاصة التي يحظر فيها كل ما ينتمي إلى قيم الضوء والتقدم والتغيير والاختلاف. واستطاع، منذ أواسط الستينيات، أن يرسم مساراً إبداعياً وثقافياً فيه كثير من أناقة الروح والتزام الكتابة، وفيه كثير من الشجاعة والتحدي، سواء في وجه خصوم الثقافة والديمقراطية، أو في وجه عنف المرض الذي أنهك جسده ولم يوهن اشتعال المبدع فيه وحيويته، حتى غيبه الموت.» كلمات صادقة هذه التي صاغها بيت الشعر في المغرب في حق الراحل سعيد السمعلي. مثلما هي صادقة ونابعة من القلب كلمات اتحاد كتاب المغرب التي ورد ضمنها، من بين ما ورد: « داهمه المرض منذ عقدين، لكنه لم ينل من شكيمته ومن إصراره الدائم على الحياة والنضال البسيط والكتابة والمحبة العميقة والالتزام والوفاء للمبادئ التي نشأ وتربى عليها في المجتمع السطاتي، في الحزب والنقابة والجمعيات الثقافية والصحافة وفي اتحاد كتاب المغرب، وهو يحضر مؤتمراته منذ انتسابه إليه سنة 1976 ، منخرطاً بما يملك من صفاء وإخلاص ونبل وشهامة لا يستشعرها إلا من يعرف أصالة هذا الكائن البدوي الذي يختزل مسافات من المكابدة: تارة يناقش ويجادل ويدافع عن مواقفه وأرائه بشراسة، وثارات كثيرة يختار السخرية والضحك واقتسام ما يملك من رحابة الانتماء إلى المغرب العميق، الحاضر فينا جميعاً، مهما انتشرنا وتغربنا وضاقت بنا سبل الهوية ومدارات الانتماء المتوقد باستمرار في وجداننا المشترك.» صادقة أيضا هي الكلمات التي نبعث من حزب الفقيد وشبيبته والجسم المسرحي وكل أصدقاء سعيد. ومع ذلك، فما يهمني شخصيا اليوم ليس هو الكتابة عن الفقيد أيام الوصل معه، بل التنبيه إلى إرثه وضرورة حمايته من التلاشي، حتى لا «يمسخ» الشاعر والمسرحي والمناضل إلى مجرد ذكرى أربعينية يتيمة وذكريات سنوية بئيسة تصادف يوم غيابه. ورقيا، يتجسد إرث سعيد السمعلي في ديوانين شعريين يتيمين: «وردة الشعر» (منشورات اتحاد كتاب المغرب، 2001)، و»هشاشة القصب» (منشورات وزارة الثقافة، 2009)، بالإضافة إلى نصوص إبداعية منشورة في العديد من العناوين الصحفية. لكن الفقيد ترك، أيضا، حسب أقرب المقربين منه، أعمالا مكتملة في حقول الشعر والمسرح والمقالة، ومكتبة غنية المحتويات... وحتى لا يندثر هذا التراكم البهي، فأصدقاء سعيد، والهيئات التي منحها روحه وعطاءه ونبض قلبه، مسؤولون أخلاقيا وتاريخيا وفكريا عن الحفاظ على هذا الإرث ورعايته. أفكار عديدة قد تخطر بالبال في هذا السياق. ولعل أبرزها الآن، في لحظة الدمع الذي لم يجف بعد، إعلان المعنيين المشار إليهم عن تأسيس «مؤسسة سعيد السمعلي الثقافية» للحفاظ على الإرث المذكور. فهل ثمة حياة لمن يناديهم الحد الأدنى من الاعتراف والوفاء؟