هذا التقرير الذي نحن بصدد تفكيك بعض مضامينه ، استند إلى الحقوق الأساسية الرامية إلى حماية كرامة الإنسان و مبادئ الديمقراطية الاجتماعية ، مستحضرا في الآن نفسه أن التماسك الاجتماعي و الحد من الفوارق والتنمية البشرية يجب أن يكون من أولويات السياسات التنموية اتكاء على قواعد واضحة تشجع خلق الثروات و توزيعها بشكل عادل ، لبناء مجتمع قوي و متضامن ، يثمن العمل المنتج و يستدمج الأشخاص و الفئات التي هي في وضعية هشة .. مجتمع مبني على الاستحقاق والمجهود ضامن لتكافؤ الفرص . كل هذا يؤطره دستور جاء في مرحلة انتقال سياسي .. لترسيخ و تطبيق القانون و سلطة القانون للوصول إلى عدالة وسلم اجتماعي . المجلس الاقتصادي و الاجتماعي في تنزيله لهذا التقرير اعتمد على مرجعية دينامية تتيح إمكانية وضع ميثاق اجتماعي جديد بدل الاكتفاء بمدونة جامدة تتضمن جردا للالتزامات و المبادئ .. و في كل هذا تم استحضار المعايير الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية التي يجب احترامها ، ثم الأهداف التي تعمل على تجسيد المبادئ و الحقوق الأساسية و تتبع تنفيذها ، مبرزا أن التعاقدات الكبرى يمكن أن تأخذ شكل اتفاقيات جماعية أو شراكات بين المشغلين و النقابات أو بين الدولة و الفاعلين الاجتماعيين ، أو بين الجماعات الترابية ومخاطبيها وبين مختلف الفاعلين. غائية التقرير .. واضعو هذا التقرير أبرزوا أن الغاية من الميثاق الاجتماعي الجديد هو تعزيز الديمقراطية الاجتماعية و تقوية التماسك الاجتماعي في ظل سياسة تنموية مستدامة . منتبهين إلى مجموعة من الانتقالات يعيشها المجتمع المغربي.. السياسية و الاقتصادية و الديموغرافية . فأما الانتقال الديموغرافي الذي يعيشه المغرب يتميز بساكنة شابة (65% من السكان يبلغون أقل من 30 عاما ) . وتزايد نسبي لأعداد المسنين . الانتقال الاقتصادي الذي يعرف دخول اتفاقيات التبادل الحر حيز التطبيق مع مجموعة من الدول الكبرى ورفع الحماية عن الأسواق المحلية واختيار نموذج تنموي قائم على استقبال رؤوس الأموال و التصدير . ثم انتقال سياسي تؤطره دينامية وطنية لإصلاحات ديمقراطية عميقة تمس ومست هياكل الدولة . الأفق و الهدف .. هو العمل أساسا على الحد من الفوارق، تحسين مستوى عيش المواطن المغربي ، بالمجمل هذه هي السياقات والخلفيات التي أخذت بعين الاعتبار لدى تنزيل هذا التقرير والذي يمكن تقسيمه إلى ستة محاور ، تراوحت ما بين الحديث عن الرفاه الاجتماعي والمعرفة و الثقافة و الإدماج وأشكال التضامن ، وبين الحوار الاجتماعي و الحوار المدني و الشراكات والبيئة الذي اختير لها محور وحيد، فيما كانت الحكامة المسؤولة والأمن الاقتصادي والديمقراطية الاجتماعية خاتمة هذا التقرير ، الذي يمكن وصفه بالرصين المحترم لمنهجية علمية صارمة في القراءة والتحليل و الخلاصات .. وهذا سيتوقف عنده كل مطلع على مضامينه. القضاء و الإعلام و الرفاه الاجتماعي .. هذا المحور قارب مجموعة مواضيع منها حماية الحق في الحياة والحق في الصحة البدنية و العقلية و الحق في الأمن الغذائي و الحق أيضا في الشغل في ظروف عمل عادلة وملائمة والحق في الولوج إلى الماء و الحق في التعليم أيضا و الحصول على سكن ، كما الحق في الترفيه و الحماية القانونية و العدالة . و الحق في الإعلام كمعطى موضوعي وأساسي لا محيد عنه . بطبيعة الحال تم استحضار المؤشرات و نقاط الضعف و الأعطاب التي تعوق ولوج المواطن إلى خدمات تعتبر أساسية حسب المعايير الدولية التي تعتمدها دول و منظمات متخصصة . سيقت آراء الهيئات الدولية فيما يتعلق بتلك الخدمات الأساسية ، كما الملاحظات و توصيات الأطراف المعنية التي تم الاستماع و الإنصات إليها من طرف المجلس الاقتصادي و الاجتماعي ، و هي على العموم ملاحظات وتوصيات لم تكن مهادنة ، بل شخصت بكل الوضوح و الموضوعية أعطابنا المغربية في خدماتنا الأساسية .. أما الرفاه الاجتماعي فكلمة و مفهوم لا يوجد إلا في الكتب و هذا التقرير ..! مثلا .. تحدث منجزو هذا التقرير عن الحق في العدالة و الحماية القانونية .. بناء على مؤشرات مرتبطة بتحسين ومراقبة الوضع القانوني للطفل و للأمومة و ضمان ولوج الجميع للعدالة و الحق في التظلم .. أبرزت السلطات العمومية من خلال ملاحظاتها ، تبسيط المساطر القضائية ، تجويد الخدمات القانونية ، تسريع البت في القضايا ، الرفع من عدد القضاة ، إحداث و تحديث محاكم الاستئناف و الابتدائي . أما رأي الهيئات الدولية بشأن محاكمة عادلة و حقوق الإنسان ، فإنها أبرزت الانتهاك الممنهج للمحاكمة العادلة, خصوصا إذا ارتبطت بصبغة سياسية.. لا تقبل دفوعات المتهمين الذي يتعرض بعضهم للتعذيب ويرفض الاستماع لشهود الدفاع ، و تنطق الأحكام اعتمادا على اعترافات قد يتم انتزاعها تحت الإكراه . كما يتم اتهام القضاء المغربي على نحو متزايد بكونه غير مستقل عن السلطة التنفيذية. وفي السياق نفسه جاءت التوصيات مطالبة بتفعيل توصيات أخرى مرتبطة بهيئة الإنصاف والمصالحة في شقها الدستوري ، و مناهضة الإفلات من العقاب، وتحسين آليات المراقبة و احترام الحق في المحاكمة العادلة . في السياسة الإعلامية لاحظت السلطات العمومية أن وضعية الإعلام تحسنت وحققت طفرة ملحوظة في ارتفاع عدد الصحف والمجلات الصادرة ، كما لاحظت محدودية المقروئية و انزياح بعض المنشورات إلى الإثارة و العنف و الإرهاب و القضايا المتعلقة بالأخلاق . التوصيات التي دونت في هذا الإطار .. انتهبت إلى تحيين تعريف لاحق في المعلومة و الضمانات المتعلقة به ، منهجية الحق في الولوج إلى المعلومة ، تحديد إطار قانوني لحماية المعطيات الشخصية و الحياة الخاصة ، كما تحسين إطار الضمانات المتعلقة بالحق في إنتاج معلومة مستقلة و تعددية و نشرها و الولوج إليها . المعارف .. و التنمية الثقافية .. هنا سجل التقرير انعدام المساواة بين المناطق الجغرافية و الفئات الاجتماعية على مستوى التعليم الإعدادي و عدم الوصول إلى المعايير الدولية في هذا المجال . مع ملاحظات و توصيات تروم توضيح العجز في توفير تعليم متاح للجميع دون ميز لاسيما للفئات الأكثر هشاشة و ساكنة المناطق المحرومة ، استمرار ارتفاع نسبة الهدر المدرسي أساسا في الوسط القروي وبين الفتيات . والقيام و هذا هو المهم بجرد حصيلة نقدية للسياسة التربوية مع استحضار مبادئ الإنصاف و ولوج التعليم و جودته ، كما تؤكد على ذلك مختلف المواثيق والإعلانات العالمية المرتبطة بالحقوق . فيما يرتبط بالتعليم العالي.. سجل التقرير عدم استجابة عرض التعليم العالي أساسا لطموحات الأشخاص واحتياجات سوق الشغل والاقتصاد الوطني مع هدر كبير للموارد و الميزانيات و الاعتمادات و الوقت المخصصة والمخصص للبحوث ..مع تدن واضح في مستوى خدمات التعليم العالي و عدم وضوح الرؤية بشأن الخريطة المتعلقة بهذا القطاع . في الثقافي و بعد التعريف بالمحتوى و المرجعيات المعيارية ، سجل التقرير في هذا المحور المكانة الضعيفة التي موقعت فيها الدولة الثقافة,حيث لم تنل ما تستحق في السياسات والاستراتيجيات الدولتية و لا يزال المكون الثقافي غير مدمج في السياسات العمومية مع غياب آليات و وسائل الحكامة المضبوطة في الحقل الثقافي وعدم احترام التعددية اللغوية و الثقافية . الإدماج و أشكال التضامن .. أدرج التقرير في هذا المحور الحق في تكافؤ الفرص و المعاملة المتساوية مع إبراز كل أنواع الحيف الذي يمس النساء و الأطفال أيضا، لكن مع ذلك سجلت الهيئات الدولية حسب التقرير ارتفاع نسبة الأمية لدى المغربيات, خصوصا في المناطق القروية والجبلية كالمنطقة الشمالية بالمغرب ، ومن ضمن الملاحظات و التوصيات.. استمرار الصور النمطية و السلوكات التمييزية ضد المرأة و الأطفال و الإناث و التسامح بشأنها . هذا المحور أيضا ناقش حماية الأسرة و حماية الأشخاص و الفئات ذات الهشاشة الاجتماعية و التدابير المتوجب سنها ، حماية العمال المهاجرين و أسرهم ، حقوق الطفل و ما يليه من إجراءات واضحة قانونية و فورية. الحوار الاجتماعي.. هذا المحور حاول الوقوف عند الحقوق الجماعية و الحوار المدني والشراكات المجددة .. في ملاحظات السلطات العمومية تم التأكيد إلى أن الدولة اختارت مقاربة جديدة في مجال التشاور و الحوار الاجتماعي في العشرية الأخيرة.. و هكذا كانت هناك مفاوضات مع الشركاء الاجتماعيين أتاحت إبرام ثلاث اتفاقات / إطار ، و اعتماد إصلاحات هيكلية في المجال الاجتماعي ، وإصدار مجموعة من النصوص التطبيقية المتعلقة بمدونة الشغل . فيما كان رأي الهيئات الدولية واضحا في كون المغرب صادق على اتفاقية حق التنظيم و المفاوضة الجماعية، لكنه لم يصادق على الاتفاقية رقم 87 بشأن الحرية النقابية، حيث آن بعض الفئات لا تتمتع بحق تشكيل النقابات. مع ملاحظة جوهرية وقفت عندها الهيئات الدولية و هو النمو السريع لنظام المناولة و التشغيل المؤقت الذي جعل الانتماء النقابي أمرا صعبا مع تدهور كبير في ظروف العمل. وكان من ضمن الملاحظات القوية و التوصيات التي انتهت إليها المشاورات في هذا المحور هي ضرورة تشجيع الحوار الاجتماعي بتحديد أشكاله و مستوياته و تشجيع المفاوضة الجماعية والعمل على المصادقة على اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن الحرية النقابية. البيئة و مستلزماتها .. استنادا إلى "إعلان ستوكهولم " و"إعلان ريو" بشأن البيئة والتنمية المستدامة ، أبرزت السلطات العمومية في ملاحظاتها المجهودات المبذولة .. من مثل القانون المتعلق بالماء و القانون المتعلق بحماية و استصلاح البيئة والقانون المتعلق بدراسات التأثير على البيئة و القانون المتعلق بمكافحة تلوث الهواء .. و الآليات و الوسائل التي وضعت لتقوية سؤال البيئة في البلاد .. الصندوق الوطني للبيئة، صندوق محاربة التلوث الصناعي والمقاربة التشاركية بين مختلف الفاعلين في هذا الميدان . المغرب بالنسبة للهيئات الدولية صادق على الاتفاقيات المتعلقة بالتغيرات المناخية و التنوع البيولوجي و محاربة التصحر . لكن يتم تدمير حوالي 31 ألف هكتار سنويا من المجال الغابوي .. الرعي الجائر ، اقتلاع الأشجار من أجل الحصول على مساحات زراعية ... الاستغلال المفرط لموارد الصيد البحري ، التلوث النباتي و الحيواني و كثير من الأنواع باتت مهددة بالانقراض .. مثلا بعض أنواع النباتات التي يصل عددها إلى 1641 نوعا نباتيا ، و 613 نوعا حيوانيا ، و 85 نوعا من الأسماك .. لن نجد لها أثرا في حدود سنوات قليلة . في التربة نجد مخاطر عديدة سجلتها الهيئات الدولية .. التعرية بفعل الرياح و المياه، فقدان خصوبة 22 ألف هكتار سنويا و ارتفاع نسبة الملوحة وتصحر الأراضي ، خصوصا في الجنوب و الواحات التي غطت الرمال منها 5500 هكتار .. فقط بمنطقة تافيلالت . الجفاف أيضا و الزراعات غير الملائمة .. كل هذا يهدد الامن الغذائي بالمغرب . الهواء يعاني تلوثا كبيرا ناتجا عن الوحدات الصناعية و وسائل النقل . هكذا هو حال البيئة عندنا كما رصدها التقرير . في الحكامة .. و الرشوة .. هذا المحور تحدث عن احترام سلطة القانون و التدابير التي وضعتها السلطات الحكومية لسيادة هذا القانون . لكن الملاحظات التي صاغها التقرير تتحدث على عدم فعالية التطبيق و التنزيل القانوني للعقوبات التي تخص قضية الرشوة و المرتشي التي تمثل معضلة كبرى في الجهاز التنفيذي و الشرطة و القضاء.. مؤشرات البنك الدولي تؤكد أن الرشوة مشكل جوهري في المغرب . كما أن النظام القضائي يفتقر إلى الاستقلالية و يعاني من الضعف بسبب استغلال النفوذ والحاجة الكبيرة لإصلاحه تبعا لإرادة سياسية معلنة و حقيقية. تخليق الحياة العامة والتأسيس لمبادئ المسؤولية والمساءلة و التطبيق الفعلي للقانون و صياغة خطة عمل وطنية تروم إدماج الاقتصاد غير المهيكل ومحاربة التملص الضريبي والاحتيال و الشطط في استعمال السلطة .. كان ذلك من جملة التوصيات و الملاحظات التي أثيرت في شق الحكامة.